تتحدث واشنطن كغيرها من العواصمالغربية كثيرا عن حقوق الإنسان، الحرية والديمقراطية، النزاهة والشفافية وأيضا الشرعية الدولية، يحدث ذلك بينما واشنطنوالعواصمالغربية الأكثر انتهاكا لهذه القيم والمبادئ. لن نتحدث طويلا عن الماضى الاستعمارى عبء الرجل الأبيض، لن نتحدث عن انتهاكات حقوق البشر خلال الحرب العالمية الثانية والتى أسفرت عن إزهاق أرواح قرابة خمسين مليون إنسان، لن نتحدث عن الحرب الكورية وما جرى فيها وحرب فيتنام وما شهدته ولا الجرائم التى ارتكبت بحق المواطن الإفريقى الأسمر فى ما مضى وفى العالم الجديد، لن نتحدث مجددا عن الجرائم التى ارتكبتها الولاياتالمتحدة فى أمريكا اللاتينية. سوف نتحدث فقط عما ترتكبه واشنطنوالعواصمالغربية من انتهاكات بحق الشرعية الدولية فى قضية واحدة فقط، هى القضية الفلسطينية، فهذه القضية هى الوحيدة المتبقية منذ عهد الاستعمار التقليدى، أى زمن الاحتلال، وقد وجدت فيها واشنطنوالعواصمالغربية حلا للمعضلة اليهودية فى الغرب، وتحديدا فى أوروبا، وهو الأمر الذى تبلور بوضوح بعد جرائم النازى بحق اليهود خلال الحرب العالمية الثانية والمعروف تاريخيا بالهولوكوست، أو المحرقة والتى يقال إن النازى قضى فيها على ستة ملايين يهودى، ونحن هنا لا نناقش الهولوكوست ولا حقيقة ما جرى فيها، فهى جريمة أوروبية وقعت على أرض أوروبية ولا علاقة لنا بها ومن ثم من غير المنطقى ولا العقلانى أن نجادل بشأن ما جرى فيها. المهم هنا أن الدول الغربية قررت تعويض اليهود على حساب الشعب الفلسطينى، وكان قرار تقسيم فلسطين من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، القرار 181 لعام 1947، صحيح أن العرب رفضوا القرار، ولكن الصحيح أيضا اليهود سيطروا على نصف المساحة التى خصصها قرار التقسيم للدولة الفلسطينية، وبدلا من أن يكون 44٪ من مساحة فلسطين بات لديها بعد حرب 1948 أقل من 22٪، وهى المساحة التى احتلتها إسرائيل فى عدوان يونيو 1967 وترفض الانسحاب منها حتى يومنا هذا. سلك الشعب الفلسطينى طريق المقاومة فتم تجريمه بعكس ما يقول القانون الدولى وتنص الشرعية الدولية، سار الشعب الفلسطينى على طريق التفاوض برعاية أمريكية غربية ولم يجن شيئا يذكر بعد 22 عاما من الاتفاق الذى تم توقيعه فى واشنطن عام 1993. هنا قرر الشعب الفلسطينى اتباع طرق الشرعية الدولية فى التقدم لمجلس الأمن من أجل إعلان جدول زمنى لحصول فلسطين (22٪ من المساحة) على الاستقلال فاستخدمت واشنطن حق النقض أو الفيتو ومن ثم أجهضت المحاولة. هنا قررت السلطة الوطنية الفلسطينية اتباع طرق آخر للشرعية الدولية وهو الانضمام إلى المنظمات والهيئات الدولية ومنها المحكمة الجنائية الدولية، وبعد الانضمام طلبت وفق لوائح المحكمة التحقيق فى الجرائم التى ارتكبتها إسرائيل على الأراضى الفلسطينية، لبت المحكمة الطلب الفلسطينى وبدأت فى فتح تحقيق فى هذه الجرائم وهو أمر يقع ضمن اختصاص المحكمة لأن الجهة طالبة التحقيق عضو فى المحكمة، هنا ثارت ثائرة الإدارة الأمريكية وبدأت فى التهجم على السلطة الوطنية الفلسطينية وعلى المحكمة مع أن القضية مجرد تحقيق فى جرائم وقعت على الأرض. إن تحليل خطاب واشنطنوالعواصمالغربية ضد الخطوة الفلسطينية بطلب التحقيق من قبل المحكمة الجنائية الدولية يكشف بوضوح عن زيف الموقف الغربى المتسربل بالقيم والأخلاق والداعم للشرعية الدولية.