حرص معظم قادة الأحزاب المدنية الذين حضروا لقاء رئيس الجمهورية، على مطالبة رئيس الجمهورية بأن يقف على مسافة واحدة من كل الأحزاب، وأن يسألوا الرئيس عن موقفه من قائمة الدكتور كمال الجنزورى والاستماع منه مباشرة إلى نفى أى صلة بالقائمة وغيرها من القوائم. ومن بين مطالب بعض قادة الأحزاب المدنية من الرئيس ما يدخل فى جوهر مسؤولية الأحزاب، فمنهم من طالب الرئيس بأن يكون البرلمان القادم متنوعًا ومتعددًا وقويًّا، وهو أمر يثير الكثير من علامات الاستفهام حول مدى إدراك بعض رؤساء الأحزاب المدنية لدور الأحزاب ووظائفها، وإلى أى مدى ينتظر هؤلاء تدخُّلًا من رئيس الجمهورية لتمكين الأحزاب من القيام بمهامها أو القيام بمهام الأحزاب ذاتها. نعلم تمامًا أنه لم تكن لدينا فى مصر أحزاب سياسية حقيقية فى عهد مبارك، فقد كان هناك حزب السلطة (الحزب الوطنى) ومجموعة من الأحزاب الكارتونية التى كانت تقوم بمهام ديكورية أكثر منها أحزاب سياسية حقيقية، وقد عمل مبارك وأجهزة أمنه على ضرب كل القوى التى يمكن أن تشكّل أحزابًا مدنية قوية، وأراد أن يبقى حزبه فقط مقابل جماعة الإخوان، حتى يخيّرنا بينه وحزبه من ناحية، والجماعة من ناحية ثانية، وهو ما أقدم عليه بالفعل فى حواره الأخير قبل التنحِّى مع محطة سى إن إن . بدأت تجربة التعددية الحقيقية بعد سقوط نظام مبارك، وكان السماح بإنشاء أحزاب سياسية على أساس دينى، وكانت الأمور مهيئة تمامًا لهذه الأحزاب كى تستحوز على المشهد، وهو ما تحقَّق بالفعل فى أول انتخابات برلمانية جرت نهاية 2011، ولم تحصل الأحزاب المدنية على أكثر من 20٪ فى هذه الانتخابات. واليوم نحن على أبواب ثانى انتخابات برلمانية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، ويبدو المشهد وكأن غالبية الأحزاب المدنية لم تحقّق أى درجة من النضج السياسى، فعدد من قادة هذه الأحزاب لا يزال يعمل بنفس الطريقة التى كان يعمل بها فى عهد نظام مبارك، أى يريد دعم النظام ومساندته، ويواصل دوره فى الحديث لوسائل الإعلام بأكثر من العمل على الأرض. وعندما طلبوا من الرئيس بيان موقفه من قائمة الدكتور كمال الجنزورى، أكد لهم الرجل أنه يقف على مسافة واحدة من كل القوائم، وأنه سوف يدعم قائمة واحدة مشتركة تشكّلها الأحزاب معًا، فى هذه الحالة سوف يخرج الرئيس ويعلن دعمه لهذه القائمة. قررت الأحزاب المدنية عقد اجتماع غدًا فى مقر حزب الوفد، من أجل بحث تشكيل قائمة واحدة مشتركة بين هذه الأحزاب، وهى مهمة شاقة لقادة الأحزاب المدنية، نظرًا للتوقعات المرتفعة لديهم ولدى قواعدهم الحزبية التى تجعل هؤلاء يرغبون فى الاستحواذ على النصيب الأكبر من الحصة المخصصة للقوائم. وفى تقديرى أن لقاء الغد بين قادة الأحزاب المدنية فى مقر حزب الوفد سيكون خطوة مهمة للغاية فى تقييم مدى نضوج الأحزاب السياسية المدنية، فإذا نجحت هذه الأحزاب فى الاتفاق على تشكيل قائمة واحدة وتعالت فوق مصالحها الحزبية الضيقة، فإن ذلك يعنى تقدُّم هذه الأحزاب خطوات على طريق النضوج السياسى، أما فشل هذه الأحزاب فى تشكيل القائمة الواحدة فيعنى أن هناك مسافة طويلة تفصل بين هذه الأحزاب والنضوج السياسى.