منذ تنحى مبارك لم تتوقف محاولات نشر الفوضى وهدم دولة القانون، فقد ترافق تنحى مبارك مع نشر حالة متقدمة من الفوضى العامة فى المجتمع المصرى وسعى حثيث من جانب قوى مختلفة لنشر الفوضى فى شتى أنحاء الوطن، وكان المخطط ولا يزال هو تغييب دولة القانون، وقد شهدنا دلائل ذلك فى محاولة تجاوز دولة القانون والعمل على تسوية قضايا شتى خارج إطار القانون. فى الوقت نفسه ضربت الفوضى شتى أنحاء الوطن وباتت الثورة والحرية فى عرف البعض معادلة لتغييب الدولة وإهانة رموزها وتنحية قانونها. فى الوقت نفسه كانت الدولة المصرية تحاول لملمة جراحها واستعادة قدر من هيبتها، لكن ما حدث كان عبارة عن تعدد الجهات التى سعت إلى ضرب هيبة الدولة وتغييبها تماما. فمن ناحية تكاثرت المحاولات الخارجية لنشر الفوضى فى مصر من جهات أجنبية رأت تهاوى مؤسسات الدولة وتفكك أجهزة أمنية فرصة سانحة للدفع بعشرات من العملاء واختراق مفاصل رئيسية فى جسد الدولة المصرية، شهدنا عشرات المحاولات لاختراق مناطق حساسة فى الجسد المصرى، جمع معلومات، محاولة لعب دور يمس صميم سيادة البلاد، وامتد الأمر إلى دول عربية توصف بالشقيقة رأت فى الحالة التى تمر بها بلادنا والمرحلة الانتقالية فرصة للانتقام من مصر كدولة وتصفية حسابات قديمة مع دولة محمد على، أو لاعتبارات تتعلق بالرغبة فى وراثة الدور المصرى عربيا، وبلغ الأمر بدويلات عربية محدودة الحجم والوزن والمكانة راكمت من الأموال ما جعلها تلعب أدوارا مركبة فى عديد من قضايا المنطقة، أن استغلت غياب مصر وتغييبها عن المنطقة بسبب الانشغال فى ترتيب أوضاعها الداخلية فتمدد دورها حتى تجاوز الحدود المصرية على النحو الذى تمثل فى الزيارة التى قام بها رئيس المخابرات العسكرية القطرية لبلادنا دون أن يبلغ الجهات المصرية كما تقضى القواعد المتعارف عليها والأعراف الدبلوماسية، جاء ليناقش مع جماعة الإخوان احتكار قطر لقناة السويس لعشرات السنين القادمة! ومن ناحية ثانية وعلى الصعيد الداخلى شهدنا محاولات من جماعات وهيئات ومنظمات لتجاوز القانون المصرى، بل القفز فوق البنية التشريعية للدولة المصرية والحديث عن بنية تشريعية جديدة، وشهدنا أيضا تقاطع العاملين الخارجى مع الداخلى فى عشرات القضايا أبرزها كما أشرنا واقعة زيارة رئيس جهاز المخابرات العسكرية القطرية لمصر دون إبلاغ الجهات المصرية، وأيضا ظاهرة ضخ مبالغ طائلة من الأموال لمصلحة جمعيات ومنظمات وهيئات بعيدا عن المصادر الرسمية، هناك تقدير من بعض المصادر أن مكونا مهما من هذه الأموال تم إدخاله للبلاد عبر طرق غير مشروعة منها ما تمّ تحت غطاء معاملات تجارية ومنها ما تمّ تهريبه نقدا فى حقائب دبلوماسية ومنها ما جرى تحويله تحت غطاء أعمال خيرية. أيضا شهدت مصر على مدار العام ونصف العام منذ تنحى مبارك جهودا هائلة لتنحية القانون النى وفرض قوانين تعود إلى مرحلة ما قبل الدولة الحديثة ومنها تنفيذ القانون باليد وفرض قوانين خاصة وتطبيقها مباشرة مع تقزيم متواصل لمظاهر سيادة الدولة، بل ولوجود الدولة ذاتها. وأدت الطريقة التى أدار بها المجلس العسكرى المرحلة الانتقالية إلى مزيد من الاضطراب واهتزاز هيبة الدولة، فكل خطوة سرنا فيها كانت معرضة للطعن على قانونيتها والشك فى ما وراءها من أهداف، فقد بدأ المجلس العسكرى بعكس ما تقول وصفات الشعوب التى أتمت تجارب التحول الديمقراطى بنجاح، فبدأنا بانتخابات تشريعية من أجل كتابة دستور ثم انتخابات رئاسية، وكانت النتيجة أن المجلس التشريعى المنتخب مطعون عليه، وانتخابات الرئاسة باتت محل تنازع شديد ومعرضة للبطلان أو العودة إلى المربع الأول من جديد.