الرعب، تلك الكلمة السحرية التى يتداولها الإخوان أو حتى «داعش»، فى إطار حديثهم عن خصومهم أو أعدائهم، التى تنطلق من حديث ورد بصحيح مسلم، يقول: «فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لى الغنائم، وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا، وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بى النبيون»، يقول العلماء إن هذا الأمر متعلق به صلى الله عليه وسلم فى نصره على أعدائه. خصوصية حاصلة له على الإطلاق حتى لو كان وحده بغير عسكر، فضلا عن أن هذا الحكم متعلق بعلاقة عداء بين المسلمين والكفار، أى أن الأمر خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم، وخاص بواقعة حرب بين المسلمين والكفار، ورغم ذلك ينتزع الإخوان المفهوم ويجعلونه لأنفسهم ويسحبون حكمه عليهم، فى إصرار مرضى على أنهم هم من يجسدون الجماعة المسلمة على الأرض، التى هى الامتداد الطبيعى للصحابة والتابعين، ألم يقل لهم حسن البنا «أنتم صحابة رسول الله، ولا فخر، وحملة لوائه من بعده». وبالتالى ليس غريبا أن ينتقل مع لواء الرسول الذى ورثوه، هم خصوصا، كل خاصية اختصه الله بها، فى هذا السياق تستخدم الجماعة مع المجتمع والدولة أساليب تصدير الرعب، التى تفترض أن هذا المعسكر المعادى هو معادٍ للدين، يبدو ذلك فى الدعوة الأخيرة إلى جمعة 28 نوفمبر التى سميت ب«انتفاضة الشباب المسلم»، التى تسعى وفق زعمهم للحفاظ على الهوية الإسلامية لمصر والدفاع عنها فى مواجهة الأعداء، الدعوة خرجت عما يسمى ب«الجبهة السلفية»، تلك المجموعة من السلفيين ممن ينتمون إلى سلفية جهادية خاصة، جسدها شيوخ من أمثال محمد عبد المقصود ونشأت أحمد وفوزى السعيد وفى الأخير حازم أبو إسماعيل، الذى ارتبطت باسمه مجموعة «حازمون». تلك المجموعة التى كانت ذراع جماعة الإخوان فترة وجودها فى الحكم، أو العصا التى لوحت بها الجماعة فى مواجهة خصومها عندما كانت تهاجم مقرات الأحزاب أو الجرائد المعارضة لها، هذه المجموعة فى النهاية جزء من تحالف دعم الشرعية المظلة التى جمعت كل حلفاء الجماعة، ممن قرروا أن يحاربوا الدولة فى أعقاب خروج الإخوان من الحكم، على أمل خلط الأوراق من جديد بما يسمح بعودتهم إلى المشهد، توسلت الجماعة عبر العام الفائت بكل ما تعرفه من وسائل، مظاهرات سلمية وأخرى مختلطة بالعنف، طلبة جامعات مارسوا تخريب المنشآت الجامعية وتحرشوا بأجهزة الأمن، فتيات فى مراحل التعليم المختلفة، كل تلك الوسائل لم تفلح بتحريك المشهد فى اتجاه طموحات الجماعة، التى حاولت تصدير الرعب عبر كل فاعلية مستخدمة جيشا من الكتائب الإلكترونية، التى نشطت عبر الإنترنت بالحديث عن سيناريوهات مرعبة تختلط فيها الحقائق بالأكاذيب، وإشاعات لا تنقطع من أول رفع مدة التجنيد فى القوات المسلحة من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات. فى محاولة لتثوير تلك الفئة على وهم إنتاج لحظة أحداث الأمن المركزى فى عام 1986، إلى الحديث عن رفع أسعار السلع والخدمات وغيرها من الإشاعات التى تستهدف فى النهاية إشاعة جو من اليأس والإحباط، الذى هو البيئة المثالية لإشعال ثورة ما زالت الجماعة تراهن عليها وتكمن فى انتظارها، كما كمنت فى لحظة 25 يناير حتى أطلت على المشهد لتجنى الثمار، وإذا كانت الجماعة تلجأ فى تصدير الرعب للكذب الذى أدمنته والإشاعات التى برعت فى استخدامها منذ بدايتها وحتى اليوم، فإن «داعش» تلجأ إلى الرعب بسلوكيات القتل والذبح بالسكين فى مشاهد تليفزيونية تستهدف نشر الرعب فى صفوف الأعداء، الذين اتسعت رقعتهم لتضم مسلمين ومسيحيين ويهودا، وكل من يخالفهم التصور والاعتقاد، ولا يشاركهم حلم دولة الخلافة، التى تسوق نفسها بالذبح بالسكين وسبى النساء وجلد الرجال وغيرها من مفردات شاذة لا علاقة لها بدين أو خلق. ما الفارق بين تصدير الرعب بمشهد الذبح أو بإشاعة تحيل حياتك لجحيم، تأتى دعوة رفع المصاحف فى 28 نوفمبر الحالى استنساخا لأسوأ لحظة فى تاريخنا الإسلامى، اللحظة التى شقت صف الأمة طوليا وعرضيا حتى اليوم، ليس فقط بين سنة وشيعة بل شيع متفرقة تحت لافتة الأطماع التى تتقنع بلباس سياسى أو دينى، لم يكن الرعب الذى ذكره الحديث سوى أمر خاص بالنبى صلى الله عليه وسلم، فالدين نزل لطمأنة الناس من الخوف وكفالة السعادة لهم فى الميلاد والميعاد، نزل الدين رحمة للعالمين، والرعب لا يستقيم مع الرحمة، بل الأمن الذى كفله الله لعباده، لكن التعسف فى استخدام النصوص الدينية وركوبها كمطية لبلوغ مأرب نفسيات مريضة، هو الذى سوّغ لدى هؤلاء هذا الاختزال والابتذال فى التعاطى مع النص الدينى قرآنا وسنة، لماذا الإصرار على أن تصدوا الناس عن دينهم بإصراركم على هذه النسخة المحرفة لدين الله، القيم المركزية فى هذا الدين هى الرحمة والحرية والقسط، فمن أين جئتم بقيمة الرعب سوى من نفوسكم المريضة التى استلهمت الخطأ والانحراف، وجعلته دينا تتعبد به وتريد فرضه على الناس، والله أغير على دينه وأرضه، لذا ستفشلون كما فشلتم عبر التاريخ، وسيدرككم الرعب الذى أردتم قذفه فى قلوب الناس، فالله لا يظلم أحدا من خلقه، وصدق الله إذ يقول «وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون».