بعد استقرار صحيفة «البلاغ اليومية»، وبعد أن أرسل سعد زغلول خطابه التشجيعى إلى الصحيفة ولرئيس تحريرها عبد القادر حمزة، وكل محررى الصحيفة، قرر حمزة أن يصدر «البلاغ الأسبوعى»، وهذا ليس على غرار صحيفة «السياسة الأسبوعية» المنافسة فى ذلك الوقت. بل كانت الحياة الصحفية والسياسية تحتاج بالفعل إلى مثل هذا الإصدار، ومن المعروف أن العدد الأسبوعى من أى صحيفة، يعتبر هو الواجهة الأولى للمؤسسة الصحفية، وتكون المادة أكثر غزارة وتنوعًا، وجاءت «البلاغ الأسبوعى» لتنشئ مدرسة جديدة فى هذا الفن الصحفى، وليس خافيًا أن المعاون الرئيسى لعبد القادر حمزة فى الإصدارين «اليومى والأسبوعى»، كان الكاتب الكبير عباس محمود العقاد، الذى كان يعتبر الكاتب الأول للصحيفة بعد صاحبها، فقد كان من الكاتبين يكتب كل يوم مقالا سياسيا، ويعتبر كل من المقالين المادة الأساسية من مواد الجريدة، وكان مقال العقاد يشغل الصفحة الأولى على الدوام، وكان غالبًا يملأ الصفحة كاملة دون نقصان، أما مقال عبد القادر حمزة فكان يأتى فى الصفحة الثانية، وكان عنوانه «الحوادث المحلية»، هذا عندما كانت الصحيفة تصدر فى أربع صفحات -كما أورد عبد اللطيف حمزة- فلما أصبحت «البلاغ» تصدر فى ست صفحات أو أكثر أصبح مقال حمزة يأتى فى الصفحة الرابعة. وعندما صدرت «البلاغ الأسبوعى» فى 26 نوفمبر 1926، ظل العقاد على المكانة نفسها، والأهمية ذاتها التى يشغلها فى «البلاغ اليومى»، ولم يكن قرب العقاد من الصحيفة، قربًا ينتمى إلى أهميته ومكانته الأدبية فقط، بل كان ينبع من مسؤوليته السياسية الكبيرة، عندما كان الكاتب الأول لحزب الوفد فى عهد سعد زغلول وبعد رحيله كذلك، وهذا قبل أن ينقلب على الحزب وسياسته فى عهد مصطفى النحاس باشا. صدر العدد الأول من «البلاغ الأسبوعى» فى 28 صفحة، وجاء تبويبه فى غاية الأناقة والتنوع، وكان الإخراج -حسب تلك الأيام- مريحًا للناظرين، دون هذا الازدحام الذى عرفته الصحف فى تلك الفترة، وكتب حمزة افتتاحية العدد الأول قائلا: «فى 28 يناير 1923 صدر أول عدد من (البلاغ اليومى) بعد (الأهلى) وبعد جرائد عدة تخللتها كانت إقامتى فى كل واحدة منها أيامًا، وكان الوقت وقت عواصف سياسية هبّت فطردت طائر الاطمئنان وأحرقت الأخضر واليابس، وطغى سيلها فغمرنا جميعًا، وكان علينا أن نصمد فصمدنا»، ويحدد حمزة عناصر الاختلاف بين اليومى والأسبوعى فيقول: «ليس (البلاغ الأسبوعى) إذن صحيفة جديدة تحتاج إلى أن تتقدم للجمهور بمبادئ جديدة.. ولكنها قطعة فيها مع هذا جديد هو التفكير الهادئ، والمجال الواسع، والاستعانة بالتصوير، وذلك كله فى ورق جيد وطبع جيد»، وكان سعر العدد 10 مليمات». ولا بد أن نذكر أن عبد القادر حمزة منذ أن فكّر فى امتلاك إصدار صحيفة «البلاغ»، قرر أن يشترى مطبعة من أوروبا، واستطاع الحصول على آلة للطباعة من طراز «روتاتيف»، وظلت هذه الآلة تطبع الجريدة حتى سنة 1930 ثم استبدلت آلة جديدة بها من طراز ألمانى، وكانت تطبع هذه الأخيرة خمس عشرة ألف نسخة فى الساعة الواحدة، وهذا ما أورده عبد اللطيف حمزة فى كتابه الضخم عن عبد القادر حمزة، ولا توجد أى صلة قرابة بين الاثنين، ولكنه تشابه الأسماء، وهو يورد قصة شراء هذه المطبعة مما لا يسمح المجال لسردها. ونعود إلى العدد الأول، الذى تضمن مواد غزيرة وشيقة وجذّابة، وها هو العدد الأول أمامى ثريًّا بمواده الثرية، بجوار افتتاحية حمزة، يأتى موضوع عنوانه: «قناطر نجع حمادى.. عمل من الأعمال التى تفخر بها الحكومة الدستورية»، وجاء الموضوع دون توقيع محدد، ولكن آثرت الجريدة أن تضع على رأس الموضوع: «بيان من مهندس كبير يشار إليه بالبنان»، كما جاء فى الصفحة الثانية مقال عنوانه: «يا فتّاح يا عليم»، وكان التوقيع هكذا: «صورة فكهة لكاتب من كبار الكتاب»، وهذه التوقيعات كانت شائعة جدا فى ذلك الوقت، فإما هى لأحد المسؤولين فى الجريدة، وإما أن كاتبها لا يريد اقتران اسمه بهذا أو ذاك من تلك الموضوعات لأسباب اجتماعية أو أمنية، ولو حدث أن أثار الموضوع تساؤلات أمنية، فيكون رئيس التحرير هو المسؤول مسؤولية مباشرة عنها. أما الصفحة الثالثة فخصصتها الصحيفة لقصيدة لشاعر النيل حافظ إبراهيم، وهذا تقليد كانت قد عملت به الصحف منذ زمن طويل، وكان حمزة هو أحد مؤسسى هذا التقليد، ويذكر فى هذا المجال أنه نشر قصيدة «المجلس البلدى» لبيرم التونسى فى بداياته المبكرة، ونشرها فى أبرز مكان فى الجريدة، وبعدها انتشرت أشعار بيرم بشكل كبير، وللجريدة فضل كبير فى التعريف بالتونسى. ويأتى بعد ذلك مقال للأديب البليغ مصطفى صادق الرافعى، عنوانه «فلسفة المرض»، ثم بحث آخر لزكى مباك عنوانه «تصوير الشعراء لسحر العيون»، وهذا كان موضوعًا من الموضوعات الجادة والطريفة فى الوقت ذاته، وزاد فى الأمر جاذبية، قلم زكى مبارك الرشيق والجميل، وبالطبع ازدان العدد الأول ببضعة أخبار من هنا ومن هناك، أى من الشرق ومن الغرب، وكان عبد القادر حمزة قد صنع شبكة من المراسلين قوية، وهذا ليستطيع منافسة الجريدة الأخرى «السياسة الأسبوعية»، والتى استقطبت أقلامًا مرموقة فى ذلك الزمان. ومع ذلك استطاع حمزة أن يستقطب أقلامًا كبيرة، ويكفى أن العقاد كان يدير له قسمًا كبيرًا فى الجريدة، فبالإضافة إلى كل الموضوعات الثرية التى جاءت فى العدد الأول، يطالعنا الباب الذى استمر طويلًا للعقاد وهو «ساعات بين الكتب»، ويوضح العقاد فى العدد الأول، فلسفة هذا العنوان الذى لم يكن جديدًا عليه، ولا على القرّاء. ومن الأبواب الشيقة والفاعلة والحيوية، باب «صفحة السيدات»، والتى كانت تديرها السيدة نبوية موسى، وكان بحثها الأول فى هذا العدد هو بحث فى تاريخ المرأة.. واتباع الأمم لها فى الرق والانحطاط، وهذا الباب كان فتحًا جديدًا فى صحافة المرأة، وأعتقد أنه يحتاج إلى دراسة مستقلة. أما باب الترجمة الأدبية، فكان محمد محمد أفندى السباعى هو المسؤول عنها، فترجم للقرّاء فى العدد الأول «ما تشاء».. بقلم شكسبير الشاعر المعروف. وهذه هى الموضوعات الرئيسية التى جاءت فى العدد الأول، والتى شكّلت هيكلا أساسيا، سارت عليه الجريدة عهدًا طويلًا، مع تجديدات حيوية بين الحين والآخر، لهذه الجريدة الرائدة، والتى لعبت دورًا خطيرًا بالنسبة إلى الصحافة المصرية الحديثة.