بالمصادفة النادرة توقفت أمام قناة «الجزيرة»، متسائلا: كيف ستعود من غيِّها إلى جادة الطريق بعد الكلام عن المصالحة الخليجية مع قطر؟! لست من المؤمنين بصدق أمير قطر أو توبته عن السيئات التى يقترفها، فهو يلعب دورا مرسوما له، ويتمتع فيه بهامش من الحرية، دون أن يخرج عن النص خروجا قد يكلفه عرشه! المهم رأيت حوارا بين منتمين إلى جماعة الإخوان وشباب ممن يقدمون أنفسهم بلقب «ثوار»، كما لو أن الثورى صار لقبا اجتماعيا، كالباشا والبيه والدوق واللورد. المهم كان الحوار عن الاتهامات المتبادلة بين هؤلاء المتثورين والجماعة، هم يتهمون الجماعة بأنها تخلت عن الثوار فى معركتهم التاريخية لفتح حصون شارع «محمد محمود» وطرد الغزاة منه، والإخوان يتهمون الثوار بالتخلى عنهم فى جهاد «رابعة» و«النهضة»، فإذا بالمذيع يطلب منهم تجاوز ما فات والبدء فى بناء تحالف جديد من أجل مصر بين الجماعة و«6 أبريل» والاشتراكيين الثوريين... إلخ. فردت شابة ثورية: المقارنة بين موقفهم وموقفنا لا تجوز، فقد كانوا فى الحكم وتخلوا عنا، بينما الثورة لم تحكم. توقفت عند عبارة «الثورة لم تحكم»، وهى عبارة شائعة، تقذف فى وجه كل من يتساءل عن أسباب فشل ثورة 25 يناير فى تحقيق أهدافها: «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية»! ودون الدخول فى مهاترات بأن ثورة 25 يناير لم تفشل، وأن المجتمعات لا تتغير بين يوم وليلة ولا عام ولا عامين، خصوصا فى مجتمع مكبل بسلاسل فولاذية من ثقافة ومفاهيم دينية وتراث سياسى، يلزمها عملية صهر قد تستغرق زمنا طويلا، فمصر -دون الدخول فى تفاصيل حاليا- تعيش عقليا وحضاريا بالمعنى العلمى ما بين القرن الرابع عشر والخامس عشر، حتى لو كانت تُمارس بعض طقوس القرن الحادى والعشرين، والقفز ستة قرون كاملة فى ثلاثة أعوام مضطربة فى غاية الصعوبة، خصوصا أن المصريين ما زالوا منقسمين ومتشرذمين، بسبب مفاهيم القرون الوسطى المسيطرة على عقول عدد غير قليل منهم! المهم سألت نفسى السؤال الافتراضى: ماذا لو حكمت الثورة؟! وهو سؤال يماثل: ماذا لو حكم الإسلام؟! وكما أن الإسلام لن يحكم بنفسه، بل بأشخاص من عينة محمد مرسى وخيرت الشاطر وصفوت حجازى وكتائب الجماعة، كانت الثورة ستحكم بأحمد ماهر، ووائل غنيم، وأسماء محفوظ، وكتائب الأولتراس.. الفارق الوحيد أن الجماعة كان لها وجود فى الشارع، بينما هؤلاء الحكام يا مولاى كما خلقتنى عرايا تماما من أى وجود فعال، غير بضع آلاف على صفحات «الفيسبوك» و«تويتر»، وهى صفحات لا يتعامل معها أغلب المصريين.. وإذا كان الإخوان يعرفون المصريين إلى حد ما فهؤلاء الثوار لا يعرفون المصريين بتاتا، بل يتعالون عليهم، ويصفونهم بأحط الصفات، ويظنون أنفسهم هبة لإنقاذ المصريين من العسكر والاستبداد. والأخطر أن عددا من هؤلاء الثوار لا يفهمون فى الأمن القومى، وليس لديهم مشروع حكم غير الشعارات، وعليهم اتهامات قوية حول حقيقة أدوارهم. باختصار لو هؤلاء كانوا قد حكموا، لكان حال مصر الأن أسوأ من حال ليبيا! ولهذا ما زالوا بلا وجود حقيقى فى الشارع! وهل يعرف التاريخ ثوارا بلا جماهير؟!