العراقيون منقسمون، ولهم آراء ومواقف متباينة فى كل ما يحدث الآن من تطورات فى الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» (داعش). ففى الوقت الذى كان يدلى فيه الرئيس الأمريكى باراك أوباما باعترافاته المثيرة حول «الحرب طويلة المدى» ضد «داعش» فى الاجتماع الذى نظمته رئاسة الأركان الأمريكية لقادة عسكريين بالدول المشاركة فى «التحالف الدولى» بقاعدة «أندروز» الأمريكية انقسم العراقيون على هذه التصريحات، وبالذات ما يتعلق باقتراح «نشر قوات برية فى العراق». البعض فهم الاقتراح على أنه اقتراح بنشر قوات برية عربية، لكن الأغلبية فهمته على أنه اقتراح بنشر قوات برية أمريكية، وأنه اقتراح يرمى إلى إعادة احتلال العراق أمريكيا، ومن ثم فهو اقتراح مرفوض جملة وتفصيلا. الاجتماع الذى أعد له الجنرال مارتن ديمبسى، رئيس أركان الجيوش الأمريكية، الذى بدأ يوم الثلاثاء الماضى، واستمر ليومين وصف بأنه «اجتماع حرب»، وأنه يستهدف تحديد الاستراتيجية المستقبلية فى الحرب ضد «داعش» التى تفيد المعطيات الميدانية أنه لم يتأثر حتى الآن بالضربات الجوية، ومناقشة الإجراءات الإضافية التى يمكن اتخاذها «لإضعاف» داعش والقضاء عليه نهائيا «حسبما قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومى فى البيت الأبيض الأمريكى». كان لافتا فى هذه الاجتماعات أمران، أولهما، اعتراف أوباما أمام القادة العسكريين فى الدول ال22 المشاركة فى التحالف الدولى بأن «التنظيم الإرهابى يحقق بعض المكاسب على الأرض»، وأن هدف التحالف الدولى يتركز على الحد من قدرات التنظيم الإرهابى وتدميره، ومؤكدا أن ذلك «لن يتحقق من خلال العمليات العسكرية وحدها» وموضحا: «نحن نتعامل مع الطائفية والانقسامات السياسية التى ظلت تستخدم كدافع ل(التجييش المذهبى) لفترة طويلة فى المنطقة، ونحن نتعامل مع الحرمان الاقتصادى وقلة الفرص المتاحة للشباب فى المنطقة». كلام أوباما كان يحتمل تأويلات كثيرة تقول فى مجملها إن الحرب على «داعش» «حرب طويلة المدى»، وأنها فى حاجة إلى «شراكة أوسع» وتعاون دولى إقليمى بعيد المدى! كلام مهم وخطير وكاشف لما يخطط له ويريده الأمريكيون وفهمه العراقيون أكثر من غيرهم، لأنهم خبروا المعانى الأمريكية المضللة واكتووا بنيرانها. أما الأمر اللافت الثانى فى تلك الاجتماعات ما جاء على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست بأن «الاستراتيجية المعتمدة ضد (داعش) تحقق نجاحا»، وتشديده فى المقابل على أن أثر «الضربات الجوية يضعفه.. غياب قوات برية على الأرض يمكنها متابعة تلك الهجمات الجوية من أجل إنهاء ذلك الخطر». كلام إرنست فتح الأبواب على مصراعيها أمام سيناريوهات جديدة محتملة يتم تداولها فى وسائل الإعلام الغربيةوالأمريكية بشكل خاص بشأن تدخل عسكرى برى أضحى ضروريا تحت مسميات مختلفة. الحديث أو الكلام الذى يثار الآن على استحياء عن التدخل البرى جاء ليفسر أمورا كثيرة تتعلق بالسلوك الأمريكى وردود فعل وتصريحات واشنطن إزاء خطر «داعش». أولها ذلك التراخى وكل تلك السلبية والتردد، بل والتقاعس الأمريكى فى الرد السريع والحاسم على هجمة «داعش». وثانيها، اقتصار الرد الأمريكى على الضربات الجوية. وثالثها، كل ذلك القصور الذى يواجه الأمريكيين وحلفاءهم فى مواجهة تنظيم إرهابى، فى حين أنهم أسقطوا جيش العراق بل والدولة العراقية فى أسابيع معدودة. تساؤلات وتأويلات كثيرة تدور الآن فى العراق، وتتركز حول مقولة واحدة أو مسمى واحد هو «عودة الاحتلال»، حيث يرى عراقيون بارزون أن الكلام عن دخول قوات برية أمريكية إلى العراق هو دعوة ل«عودة مستترة» إلى احتلال العراق أمريكيا، لكن هناك عراقيين آخرين يطالبون الأمريكيين بالتدخل البرى والسريع لإنقاذ العراق. الذين يطالبون الأمريكيين بالتدخل العسكرى البرى معظمهم من القادة السنة البارزين وبالذات من محافظة الأنبار، الذين اعتبروا أن «التدخل البرى أصبح مصيريا»، وأن الذين يرفضون هذا التدخل بأنهم «تجار الموت وشركاء ل(داعش) وعرابيها»، وبأنهم «لا يعرفون ما تعانيه الأنبار». هذه الدعوات مرفوضة بشدة ومجرمة من قادة آخرين حذروا من خطورة عودة الاحتلال الأمريكى، الذين يتحدثون عن أن «هناك سيناريو أمريكى- سعودى- تركى وراء ما يحدث من تسارع للأحداث فى العراق»، وأن «مطالبة بعض المحافظاتالغربية وتحديدا محافظة الأنبار بقوات برية جاءت نتيجة ضغط سعودى على بعض شيوخ العشائر المرتبطين بالسعودية»، وأن هناك «ضغطا سعوديا على المحافظات السنية» للمطالبة بدخول قوات برية إلى الأنبار، لأنهم يريدون أن يجعلوا من الأنبار إقليما سنيا. الغريب أن قياديا كرديا بارزا مثل محمود عثمان (عضو البرلمان العراقى) تحدث عن المخاوف نفسها، واعتبر أن دخول قوات أمريكية لن يحل المشكلة، بل سيفاقم الصراعات، وستكون السلبيات أكثر من الإيجابيات، معتبرا أنه «من غير المعقول الاستعانة بالأجانب لحل المشكلات، وقد تكون هذه الاستعانة مشروعا لتقسيم العراق»، مشيرا إلى «وجود تناغم بين ما يطالب به البعض من وجود للقوات البرية ومواقف مسؤولين أمريكيين يلمحون إلى أن دحر (داعش) لن يتم فقط من الجو، وبأنه لا بد من وجود قوات برية أمريكية». مؤشرات شديدة الأهمية تؤكد أن عراق اليوم ليس هو عراق عام 2003، وأن التدخل الأمريكى لا يلقى إجماعا عراقيا، وأن الحرب التى يريدها الأمريكيون الآن ضد «داعش» حرب مشكوك فى جديتها ونزاهتها، وأنها قد تكون حلقة من حلقات التآمر الأمريكى، الذى يجب أن نحذر منه فى حربنا نحن ضد الإرهاب.