أندهش دائما، لأن هناك كثيرين من الفنانين الكبار ما زالوا يعيشون بيننا، ومع ذلك لا ينالون ما يستحقون من المزيد من التكريم الذى يليق بتاريخهم. كان أمرا غريبا أن ينهال التكريم على الراحل خالد صالح بعد غيابه، يبدو أن الاكتشاف الحقيقى للفنان عندنا يكون بعد رحليه، وليس فى بداية تقديم نفسه للجمهور. يزعجنى أيضا بشكل خاص أن لا يعرف الجمهور دور مخرجين وممثلين أقل شهرة من غيرهم، رغم أنهم قدموا عطاءً مميزا، يستحق تسليط الأضواء عليه. كلما شاهدت مثلا فيلم «المومياء» يستوقفنى أداء ممثلين كثيرين، ومنهم هذا الممثل النحيف الذى لعب باقتدار دور وسيط تجارة الآثار، بنظراته وحركاته الثعلبية وحضوره الباذخ، رغم جسده الضئيل، ومشاهده المعدودة مع ونيس، بطل الفيلم. إنه محمد نبيه الذى لا يعرف كثيرون أنه فنان مهم للغاية، وله إسهامات فنية معتبرة فى التليفزيون وفى السينما، والأهم من ذلك أنه ما زال يعيش بيننا، ويستحق أن تكرّمه المهرجانات الخاصة بالسينما والتليفزيون، متَّعه الله بالصحة والسعادة، وبالمناسبة، فإننى لا أعرفه شخصيا، ولم أقابله مرة واحدة، ولكننى أتابع أعماله، وتُمتعنى مسلسلاته منذ سنوات طويلة، فلما بحثت عن سيرته الذاتية وجدت فنانا من الجيل الرائد، متعدد المواهب والقدرات. دعونى أقدّمه إليكم ببعض التفصيل.. كثيرون يعجبهم الممثل الذى لعب باقتدار دور مراد الماكر مروِّج الآثار فى فيلم «المومياء» دون أن يعرفوا أنه محمد نبيه، كثيرون يحبّون الفيلم السينمائى الظريف «أصعب جواز» بطولة حسن يوسف ومحمد عوض ويوسف فخر الدين ورجاء الجداوى وميرفت أمين ومديحة كامل، ومع ذلك لا يعرفون أن مخرجه هو محمد نبيه، الفيلم يعرض حتى الآن فى التليفزيون، وهو عمل خفيف وظريف، وفيه نجم كوميدى كبير مثل عبد المنعم مدبولى، بل إن ممثلا تراجيديا مثل عبد العليم خطاب يؤدى فى الفيلم شخصية فيها كثير من اللمسات الكاريكاتورية. كثيرون فيلمهم التليفزيونى المفضَّل الأول هو «أنا وأنت وساعات السفر» من تأليف وحيد حامد، ولكنهم لا يعرفون أن مخرجه هو الرائع محمد نبيه، هذا العمل فيه لمسات رومانسية رقيقة، ومخرجه الذى يصنّف على أنه مخرج كوميديا، يدير هنا المشاهد الرقيقة بين البطلين بحساسية عالية، وما زال «أنا وأنت وساعات السفر» من أبرز الأفلام التى أنتجها التليفريون، عندما كان يقدّم أفلاما خاصة به. الناس أعجبتها حلقات «فيه حاجة غلط» من بطولة حسن عابدين وكريمة مختار، لكنهم يجهلون أن محمد نبيه هو مخرج المسلسل الذى أثار ضجة هائلة فى بداية الثمانينيات.. كتب الحلقات الراحل عبد الحى أديب، ورغم بعض المباشرة بالذات فى الحلقات الأخيرة فإن العمل أصبح نموذجا فى مجال الدراما الاجتماعية ذات الأبعاد السياسية، وما زال فى الأذهان بالتحديد، الرسم البارع لشخصية الموظف وعائلته، ودور حسن عابدين فى هذا المسلسل من أفضل أعماله التليفزيونية. أحد أظرف المسلسلات الكوميدية التى شاهدتها فى طفولتى كان بعنوان «متاعب المهنة» من بطولة فؤاد المهندس، واكتشفت عندما كبرت أنه أيضا من إخراج محمد نبيه، أعادوا هذه الحلقات فى السبعينيات، وكانت كوميديا خفيفة تتعرض فى كل حلقة لمتاعب المهن المختلفة، وقد تم تصويرها سينمائيا فى عصر الفيديو.. أحد أجمل الأفلام التليفزيونية التى شاهدتها كان أيضا من إخراج نبيه، فيلم بعنوان «آدم بدون غطاء» بطولة محمد صبحى ونيللى بمفردهما فى مدينة القاهرة الخاوية.. عمل يكشف عن قدرات محمد نبيه كمخرج، كما يكشف عن قدرته فى ضبط إيقاع الفيلم دون لحظة ملل، رغم أنه يكاد يخلو من الحوار، وتلعب الصورة فيه دور البطولة. محمد نبيه المولود عام 1930، عشق الفن فى وقت مبكر جدا، يمكنك أن تراه فى أفلام الأبيض الأسود شابا صغيرا، وواضح النحافة، بدأ حياته كمهندس صوت فى نهاية الأربعينيات، تتلمذ على يد أحمد خورشيد فى التصوير، وعلى يد على الزرقانى فى السيناريو، عمل أيضا فى مجال المونتاج، وظهر كممثل فى 13 عملا، أشهرها أدواره فى أفلام «المومياء» و«أين عمرى»، حيث لعب دور الصديق النحيف لأحمد رمزى، كان أقرب إلى الطلاب المراهقين فى هذا الفيلم، وقام بأدوار مساعدة متنوعة فى أفلام مثل: «ساحر النساء»، و«صوت من الماضى»، و«القلب له أحكام»، و«نساء فى حياتى»، و«مع الأيام». نبيه من رواد مخرجى التليفزيون، حيث قدَّم عمله الأول عام 1963، ومن مسلسلاته المعروفة أيضا كمخرج للفيديو «عائلة الأستاذ شلش» من بطولة صلاح ذو الفقار وليلى طاهر، وقد كان أيضا عملا مميزا، أعاد الثنائى صلاح ذو الفقار وليلى طاهر إلى الكوميديا بعد أن تجاوزا سن الشباب، وأخرج أيضا مسلسلا معروفا بعنوان «ماشى يا دنيا ماشى» من بطولة محمد عوض، وكان هذا العمل أقرب إلى مزيج بين الكوميديا والتراجيديا.. هناك تنوع حقيقى فى رصيد نبيه التليفزيونى، لدرجة أن كثيرين لا يعلمون أنه أخرج فوازير «إحنا فين»، من بطولة سمير صبرى وسماح أنور وحسن كامى وشيرين سيف النصر، هل يكون محمد نبيه على قوائم التكريم فى المهرجانات القادمة؟ أتمنى. محمود عبد الشكور