قبل سنوات قليلة، كان العثور علي مسلسل كوميدي وسط طوفان الدراما التليفزيونية في رمضان اكتشافا مذهلا، ولكن منذ عامين أو ثلاثة، عادت الكوميديا إلي شاشة رمضان بعد فترة طويلة من الاختفاء، وهذا العام شاهد الجمهور بعض نماذجها حيث يظهر «أحمد عيد» -علي سبيل المثال- في حلقات بعنوان «أزمة سكر»، و«سامح حسين» في «اللص والكتاب» ويقدم «أحمد آدم» حلقات بعنوان «الفوريجي» ومي كساب في «العتبة الحمرا»، وشاهدنا في العام الماضي الكثير من النماذج منها حلقات «عبودة ماركة مسجلة» بطولة «سامح حسين»، وحلقات «فؤش» غير الموفقة التي لعب بطولتها «أحمد رزق»، وبصرف النظر عن مستوي كل هذه الأعمال فإن مجرد تصنيفها في خانة الكوميديا ظاهرة صحية، ولا شك أن كثرة التجاربة وانتظامها بدعم من قنوات الكوميديا المتخصصة يمكن أن يستعيد شيئًا من بريق الكوميديا الرمضانية العتيدة. كان المسلسل الكوميدي الرمضاني سواء في الإذاعة أو في التليفزيون أحد الملامح الأساسية للشهر الكريم، بل إن رمضان شهد مولد نجوم للكوميديا أصبحوا فيما بعد من الكبار.. في الإذاعة التي كانت منافسا لا يستهان به للتليفزيون، لا يمكن أن ننسي مثلا مسلسل «فؤاد المهندس» و«شويكار» الذي كان يتحول عادة إلي أفلام أشهرها «شنبو في المصيدة» الذي كتبه أحمد رجب، و«انت اللي قتلت بابايا»، و«العتبة جزاز»، وأتذكر أن هذا الثنائي الشهير قدم في السبعينيات مسلسلا بعنوان «سها هانم رقصت علي السلالم» أذيع منه عدة حلقات ثم قام وزير الإعلام وقتها وأعتقد أنه كان الراحل «عبدالمنعم الصاوي» بإيقافها، وذكرت الصحف أن سبب المنع اتهام المسلسل بالإسفاف، ومن يومها انتهي الثنائي الكوميدي الرمضاني «شويكار» و«المهندس»، لكن الفنان الكبير نقل نشاطه بعد سنوات إلي التليفزيون فقدم فوازير «عمو فؤاد» التي بدأت بحلقات عنوانها «عمو فؤاد رايح يصطاد»، واعتبر هذه الفوازير عملا كوميديا خفيفا كان يكتبه للأطفال الراحل «مصطفي الشندويلي» ولكن شهر رمضان، شهد أيضا أحد أفضل المسلسلات الكوميدية الإنسانية التي قدمها «فؤاد المهندس» للتليفزيون وهي حلقات «عيون» التي كتبها باقتدار «بهجت قمر» وأخرجها «إبراهيم الشقنقيري»، وكان المسلسل الذي أذكر أنه كان يذاع علي القناة الثانية وليس الأولي فرصة لتألق واكتشاف نجومه الآخرين في أدوار مختلفة من أفضل ما قدموه خاصة «سناء جميل» والراحل «يونس شلبي» و«شيرين». ومن أبرز نجوم الكوميديا الذين كنا ننتظر أعمالهم الرمضانية في التليفزيون «عبدالمنعم مدبولي»، وأذكر له مسلسلاً قديمًا جدا بعنوان «أيام المرح» للمخرج «محمد فاضل» شهد مولد نجم جديد في دور كوميدي هو «يحيي الفخراني» الذي كان يلعب شخصية اسمها الأستاذ «رشيدي»، وارتبط «مدبولي» رمضانيا بالمسلسل العلامة «أبنائي الأعزاء شكرًا» للمخرج «محمد فاضل» أيضًا، ورغم أن المسلسل لم يكن تصنيفه كوميديا إلا انه لم يخل من المشاهد الضاحكة، ولاشك أن شعبية «مدبولي» ساهمت في جذب الجمهور إلي المشاهدة، ولكن النجم الكوميدي الذي ولد حقًا وبشكل لا يمكن الخلاف حوله في رمضان هو «محمد صبحي» الذي انطلق إلي مستوي آخر تمامًا بعد النجاح الساحق الماحق لمسلسله الأشهر «فرصة العمر» من تأليف لينين الرملي ومن إخراج أحمد بدر الدين. مازلت اتذكر القنبلة التي فجرها هذا العمل المأخوذ عن مسرحية أمريكية عنوانها «عاشق المظاهر». كنا نتسابق كأطفال في حفظ إفيهات علي بك مظهر وحركاته ولزماته الظريفة، ولم يكن «صبحي» وجهًا تليفزيونيا مشهورًا، كان قد ظهر في أعمال قليلة أشهرها حلقات بعنوان البحث عن الفردوس للراحل نور الدمرداش ومن بطولة عبدالرحمن أبو زهرة وسناء مظهر ورجاء الجداوي ولكن فرصة العمر كان بالفعل هو فرصة عمره، وأظن أنه أدرك من خلال المسلسل الرمضاني الذي شاهده الملايين خطورة وأهمية التليفزيون مما جعله يقدم فيما بعد اعمالاً كوميدية رمضانية دعمت مكانته من «رحلة المليون» و«سُنبل بعد المليون» إلي يوميات ونيس بأجزائها التي أخذت اتجاها مباشرا، وكل هذه الأعمال من إخراج أحمد بدر الدين الذي تخصص تقريبًا في المسلسل الكوميدي. المسلسل الكوميدي الرمضاني كان أيضًا «وش السعد» علي «سمير غانم» الذي قدم أشهر أعماله في الشهر الكريم من خلال حلقات «حكاية ميزو» من تأليف «لينين الرملي» واخراج «محمد أباظة». كانت حلقات مدهشة من خلالها بدأت شهرة «فردس عبدالحميد» التي كانت معروفة علي نطاق جمهور المسرح المحدود، كما انطلقت من خلال المسلسل موهبة إسعاد يونس الكوميدية وتأكدت قدرات «سامي فهمي» بعد دور «شاكر» في «فرصة العمر» ولكنه سرعان ما هاجر إلي أمريكا، ولا شك أن شخصية «ميزو» التي لعبها «سمير غانم» من أهم وأفضل أدواره. ومن الأسماء الأخري التي كانت تحرص علي تقديم مسلسلات كوميدية في رمضان امتدادًا لنشاطهم الفني الراحل «محمد رضا» الذي لم يغير في تلك الأعمال شخصية المعلم التي اشتهر بها. في رمضان عام 1973، كان التليفزيون المصري يقدم مسلسلاً من بطولة «رضا» بعنوان «قهوة المعلم» من إخراج «محمد سالم» وبمشاركة عدد كبير من ممثلي الكوميديا منهم «سيف الله مختار» و«عبدالسلام محمد»، ومع الحرب قدم المسلسل تحية للجنود من خلال أغنية حفظناها في الطفولة تقول محمد أفندي رفعنا العلم وطولت روسنا ما بين الأمم! ثم عاد محمد رضا ليقدم بعد سنوات أحد أشهر مسلسلاته وهو نجم الموسم الذي كتبه عبدالرحمن فهمي وأخرجه محمد فاضل واشترك في بطولته هدي سلطان ونسرين وجميل راتب وكان يحكي عن صاحب مقهي تصنع منه الدعاية مطربا عاطفيا اسمه شادي تانجو! محمد عوض أيضا كان له فرصة النجاح في مسلسلات رمضان التليفزيونية حين قدم مع لينين الرملي مؤلفا ويحيي العلمي مخرجا أشهر أدواره التليفزيونية من خلال برج الحظ وهو مسلسل متماسك وجيد اشترك في بطولته صفاء أبوالسعود وسامي فهمي ونادية فهمي وعبدالحفيظ التطاوي وفي هذا العمل ولدت شخصية شرارة موظف التأمين المنحوس الذي أصبح مجرد ذكر اسمه ترجمة لفكرة التشاؤم والتفاؤل، المسلسل أيضا كان من الأعمال الكوميدية القليلة التي أخرجها الراحل يحيي العلمي وقد عاد محمد عوض بعد سنوات قليلة من برج الحظ ليقدم مسلسلا كوميديا أقل نجاحا وأهمية عرض أيضا في رمضان بعنوان ماشي يا دينا ماشي من إخراج الراحل محمد نبيه. ولكن الملاحظ أن المضحكين الجدد لم يقدموا عملا يعادل ما حققوه في السينما من نجاح تجاري كاسح.