شريف حتاتة منذ أسابيع قليلة أعلن الرئيس باراك أوباما عزم الولاياتالمتحدةالأمريكية على استخدامها القوة العسكرية فى التصدى لمهمة محاربة الإرهاب. صرح بذلك بعد أن استفحل الخطر الذى تمثله منظمة «داعش» على مصالحها فى الشرق الأوسط، وبعد أن تكرر ارتكابها جرائم بشعة ضد كل من يقاومها، وضد السكان الآمنين. ركزت «داعش» هجماتها حتى الآن على مناطق هامة فى سوريا والعراق توجد فيها موارد للنفط، واحتلت مساحات كبيرة من أراضى الدولتين، كما امتد خطرها أيضا إلى ليبيا المتاخمة لحدود مصر، وإلى لبنان حيث جرت معارك بينها وبين حزب الله فى العرسال. تتلخص الخطة التى تطبقها الولاياتالمتحدة فى إقامة تحالف دولى لمحاربة الإرهاب. هذا التحالف يضم عددا من البلاد تشمل الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، ومملكة الأردن، وإمارات الخليج، وقطر، وتركيا، ولبنان، والعراق، ومصر، وعددا من البلدان الأخرى. عقد أول اجتماع للتحالف فى باريس ونوقشت فيه الخطة العسكرية التى ستنفذ ضد «داعش»، وكذلك موضوع توزيع الأدوار التى سيقوم بها المشاركون فيه. حضر هذا الاجتماع جميع البلاد العربية فى الشرق الأوسط ما عدا سوريا. وافق هذا الاجتماع على الخطة التى تقدمت بها الولاياتالمتحدةالأمريكية، والتى تعتمد على توجيه ضربات جوية مكثفة ضد قوات «داعش». لم تشمل الخطة استخدام قوات عسكرية لمحاربتها على الأرض، نظرا لوجود تردد بين الأعضاء فى القيام بهذه المهمة، فتم الاتفاق على تأجيل البت فيه إلى أن يتمكن أعضاء التحالف من الوصول إلى قرار، اعتمادا على تطورات الوضع. بالطبع لم ينطبق هذا على القوات العراقية والسورية، فهى تقاوم الاحتلال الداعشى فى البلدين عسكريا بالفعل. مدة هذه الخطة ثلاث سنوات، والهدف منها إضعاف منظمة «الدولة الإسلامية» عن طريق هذه الضربات الجوية، تمهيدا للقضاء عليها نهائيا، لكن هذا الهدف الغامض إلى حد كبير قد يخفى وراءه رغبة أمريكا وغيرها من الدول فى الإبقاء على الإرهاب بعد تقليم أظافره. النظام العالمى القائم حاليا وحلفاؤه يستخدمون وجود الإرهاب كغطاء فى تنفيذ عديد من السياسات القمعية لعرقلة التطور الديمقراطى الذى يسمح للشعوب بأن تحقق مزيدا من الحرية والعدالة الاجتماعية فى مجتمعاتها. هناك شبه إجماع من الخبراء العسكريين ومن بينهم الجنرال وليام دمبسى قائد القوات الأمريكية فى الشرق الأوسط، وغيره من القادة العسكريين، على أنه يستحيل القضاء على «داعش» إلا باللجوء إلى تدخل عسكرى على الأرض. لكن البلاد المشاركة فى التحالف ليست مقبلة على المساهمة فى هذه المهمة، التى لا تخلو من مخاطر قد تكون جسيمة. على رأس المترددين الولاياتالمتحدة نفسها، وفرنسا، وإنجلترا، التى تريد إن أمكن إلقاء هذا العبء على كاهل البلاد العربية. يثير هذا التحالف الدولى عدة تساؤلات. أولا عدد من الدول الأساسية المشاركة فيه قامت، بل وتقوم، بتشجيع ومساندة منظمات إرهابية، ماليا وعسكريا، فهل يمكن أن تكون مقاومتها ل«داعش» حاسمة، خصوصا فى ظل الخلافات القائمة بين القادة السياسيين المنتمين إلى السنة والمنتمين إلى الشيعة، والدور الذى تلعبه أمريكا فى هذا الصراع؟ فلدى بعض هؤلاء القادة تحفظات تتعلق بضرورة الحسم فى المعركة ضد الجماعات الإرهابية المختلفة. ثانيا: الهدف المعلن للتحالف هو مقاومة الإرهاب، لكن «داعش» ليست المنظمة الإرهابية الوحيدة فى المنطقة العربية. الولاياتالمتحدة تشجع وتساند منظمات إرهابية فى سوريا وغيرها من البلاد، وقد صرح أوباما أن هناك ضرورة للإسراع فى تسليح جماعات إسلامية، رغم أنها ذات طابع إرهابى مثل «النصرة» أو «الجيش الحر» وغيرهما، حتى تشارك فى مقاومة «داعش». إذن المقصود ليس القضاء على المنظمات الإرهابية جميعا، وإنما القضاء على تلك التى لا تتفق الآن مع مصالح البلاد المسيطرة على التحالف. لقد طالب الرئيس عبد الفتاح السيسى بأن تشمل مقاومة الإرهاب كل المنظمات التى تمارس مثل هذا النشاط، فمصر واقعة تحت تهديد عدد منها، معرضة لخطرها على نحو مستمر داخليا وعلى حدودها مع ليبيا. ثالثا: هل الهدف الوحيد لإقامة هذا التحالف هو محاربة الإرهاب أم أن هناك احتمال استخدامه فى تحقيق أغراض أخرى، ومنها التدخل عسكريا فى سوريا؟الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تكف عن مساندة جماعات إرهابية باعتبارها جزءا من المعارضة ضد نظام بشار الأسد القمعى، وقد صرح باراك أوباما بأنه إذا تعرض النظام السورى إلى الطائرات الأمريكية التى تشن هجماتها الجوية على «داعش»، فإن بشار سيواجه أقصى النتائج التى يمكن تصورها. عندما تغير الطائرات الأمريكية على «داعش» التى تحتل ثلث الأراضى السورية، أليس من الوارد أن تخطئ هذه الطائرات الهدف عمدا، أو بالصدفة؟ فأحيانا تكون عملية تحديد الهدف بدقة مسألة صعبة، على الأخص عندما تتداخل المناطق المتنازع عليها، وتكون فى الوقت نفسه مأهولة بالسكان. إذا حدث هذا فهل يكون على النظام السورى أن يتقبل ما يحدث دون أن يتصدى له؟ قد يعنى هذا الإنذار أن أمريكا تسعى من ورائه إلى أن يصرح لها «دوليا» بالتدخل العسكرى عن طريق الجو فى سوريا، وفى ما بعد ربما عن طريق البر، بل إن يتم هذا مستقبلا بالنسبة إلى أى بلد عربى لا تروق سياساته للدول الكبرى، وأن يتم هذا بحجة محاربة الإرهاب، وهى حجة أصبحت غطاء لعديد من السياسات المعارضة لمصالح الشعوب. الولاياتالمتحدة تجرى الآن تدريبات مكثفة لما يسمى بقوات التدخل السريع المزودة بأحدث الأسلحة اللازمة، لشن هجوم على عدو مفترض، والمحافظون الجدد الذين كانوا يحكمون فى ظل الرئيس بوش ما زال لهم نفوذ قوى فى الولاياتالمتحدة، بل إن عددا منهم يحتل مراكز مهمة فى النظام الإدارى للبيت الأبيض المعاون لباراك أوباما فى تحديد وتنفيذ سياساته. هناك سياسات أمريكية تغيرت تكتيكاتها مع تغير الظروف وموازين القوى منذ أن حكم بوش الابن، لكن الهدف ظل واحدا، هو أن تخدم مصالح القوة الرأسمالية النيوليبرالية التى ما زالت تقوم بدور مؤثر للغاية فى تحديد وتنفيذ الخطط السياسية المطبقة فى هذا العصر، والتى تتعارض مع مصالح الشعوب التى تقع تحت وطأتها.