قلت لك أمس إن القضية ليست فى هشام الطيب الذى لا نعرفه حتى الآن، ولا نعرف تحديدًا ما جريمته، لكن القضية فى إقدام الحكومة على إسقاط الجنسية عن مواطن وبقرار إدارى دون أن تقدم للمجتمع ما يكفى من حيثيات ليفهم على الأقل دوافع اتخاذها قرارًا كذلك. القضية الأبرز فى الإشارات التى يقدمها مثل هذا القرار، ليس لمعارضين ومناوئين للسلطة، أو حتى لإرهابيين يحاربون الدولة، لكن لجمهور ينزع فى خصومته السياسية نحو الانتقام والاستئصال والوأد. جمهور طلب من مبارك أن يحرق ميدان التحرير بالمعتصمين، وقالوا له «بناقص دول»، وأشاد بالمجلس العسكرى حين تصدى لمتظاهرى ماسبيرو، داعيًا إلى تكرار التجربة مع كل من يفكر فى «إثارة الفوضى»، ومثله بوضوح محمد مرسى حين قال إنه لا مانع من الخلاص من بعض المصريين حتى يعيش الكل، وهو ذاته الجمهور الذى دعا وسعى وحرض وزايد واتهم الدولة بالضعف والتراخى حتى فضت اعتصام «رابعة» بكل هذا العدد من الضحايا. هذا الجمهور يستقبل خبر إسقاط الجنسية عن مواطن لا يعرفه، بقدر هائل من التأييد، وقدر أكبر من إهانة هذا المواطن وتخوينه وتجريسه، دون أن يعرف أحد تحديدًا ما طبيعة جريمته، لكن أولئك المؤيدين للقرار بحماس هم أيضا لا يكترثون بهشام الطيب، بقدر اكتراثهم باكتشاف أن الحكومة قادرة، كما أثبتت الآن، على نزع الجنسية المصرية عن كل من «يسعى لتقويض النظام الاجتماعى والاقتصادى، ومن يرتبط بهيئات أجنبية تسعى لذلك»، والأمر حتى لا يحتاج إلى عناء الذهاب إلى القضاء لإثبات إدانة مواطن من عدمه، فقط تقرير من وزير الداخلية يعرض فيه تحرياته عن الشخص ونشاطه، ثم يوافق مجلس الوزراء على إسقاط جنسيته. هذا الجمهور ينتظر ما بعد هشام الطيب، وبدأ يتساءل، ولماذا لم تسقط الحكومة الجنسية عن الإرهابيين والإخوان والمعارضين وأعضاء الطابور الخامس وثوار يناير، وكل من يتهمهم الإعلام ليل نهار بالإضرار بالأمن القومى وتلقى التمويل الأجنبى بهدف تنفيذ المشروع «الأمريكى الصهيونى التركى القطرى الإيرانى السنى الشيعى اليهودى المجوسى» لضرب مصر وتفتيتها. كيف ستلبى الحكومة طموحات مؤيديها، وهى تثبت لهم أن إسقاط الجنسية عن مواطن أمر فى غاية السهولة «مثل شكة الدبوس»، وبماذا ستقنعهم وهى تتراخى فى إسقاط الجنسية عمن يحرضون على الجيش ويطالبون بإسقاط الحكم القائم، ويتظاهرون فى الشارع ليل نهار؟ استندت الحكومة إلى قانون صادر من السبعينيات، لكنه غير منسجم مع دستور 2014 كليا، الذى يتحدث عن كون «الجنسية حقًّا» يكتسبها كل مصرى بسبب جنسية أبيه أو أمه، والحق لا يسقط إلا بموافقة صاحبه، والدستور سمح للقانون بتنظيم اكتسابها، ولم يتحدث عن تنظيم إسقاطها. لكن من قال إن الشارع المشحون إعلاميا برغبة الانتقام من كل مختلف يكترث بالدستور، إذا كانت الحكومة غير مكترثة به، وألقت كرة لهب فى الشارع، ربما قصدت منها تخويف فئات بعينها، أن فى يديها سلاحا يمكن أن تستخدمه، اسمه «إسقاط الجنسية»، لكنها فى الوقت نفسه تفتح الباب لمزايدات لا نهاية لها، ستضعها فى النهاية فى صورة الحكومة المرتعشة المهتزة وربما الإخوانية والعميلة، لأنها لا تستخدم ذات الحل السهل جدا الذى استخدمته مع هشام الطيب مع الإخوان وطلبة الجامعات وشباب الثورة والبرادعى، وكل المعارضين الذين يصدعون الدولة بمناوئتها بالعنف أو بالكلمة أو بالحراك السياسى. هذه الحكومة المرتعشة منحت جمهورها حلا سحريا أهم من المحاكمات والحبس الاحتياطى وحتى المؤبد والإعدام، ما الذى يجعلنا نتحمل كلفة حبس كل هذه الآلاف المحبوسة على ذمم قضايا الإرهاب والتخابر والترويع وزعزعة الاستقرار، طالما أننا بقرار إدارى واحد يمكننا نزع الجنسية عنهم وإلقاؤهم خارج الحدود إلى «اللا وطن»؟ لماذا نتحمل كل هؤلاء الطلاب المشاغبين طالما نقدر أن نطيح بهم فى الهواء وننزع عنهم كل شىء؟! سيقولون لك: وهل تعرف أصلا ما الذى فعله هشام الطيب؟ والحقيقة أن جزءًا من المشكلة أننا لا نعرف، لكن كل المشكلة أننا نريد أن نعرف هل فعل أكثر مما فعله كل الجواسيس والإرهابيين وتجار المخدرات والسلاح وناهبى المال العام، الذين سبقت إدانتهم ومحاكمتهم قضائيا، ولم تسقط جنسية أىٍّ منهم لا بقرار إدارى، ولا بحكم قضائى؟!