كتبت - شيماء مطر وحسام حمدي: فى الوقت الذى يضع فيه أكثر من 15 مليون مريض بفيروس «c» آمالهم فى الشفاء من هذا المرض اللعين بالعقار الجديد «سوفالدى»، ضربت وزارة الصحة بآمالهم عرض الحائط، وفاجأت المرضى بالبدء فى العلاج الجديد فى 6 محافظات فقط، بينما باقى المحافظات نصيبها من فرص الشفاء يبدأ شهر يناير القادم. مصر مقبلة على كارثة إنسانية لا محالة فى المستقبل القريب، حيث تتزايد الإصابة بالالتهاب الكبدى الوبائى، وتتصاعد بين أبناء المحروسة، وفقا لما أكدته منظمة الصحة العالمية، التى حذرت من أن 22% من المصريين مصابون بالالتهاب الكبدى الوبائى، و15% فقط من المرضى يتلقون العلاج بسبب ارتفاع تكلفته. 150 ألف مصرى يفقدون أرواحهم بسببه، دونما أى خطوات حقيقية لمواجهة الكارثة من قبل الدولة، فهناك قرى ونجوع وعزب بأكملها فى مصر، مصابة بفيروس «c» القاتل، وهو ما يدفع شركات أدوية عالمية متعددة الجنسيات، ومتخصصة فى إنتاج عقار «سوفالدى»، إلى أن تستغل الوباء المحتمل فى مصر، لتحقيق أكبر ربح ممكن، فى الوقت الذى يدفع فيه نحو 150 ألف مصرى حياتهم سنويا لعدم قدرتهم على شراء العقار الجديد. فيروس «c» بالإحصائيات.. قضية أمن قومى كارثة رهيبة تكشف عنها الأرقام والإحصاءات التى توضح حجم الإصابة بمرض «فيروس c» ومدى تفشيه فى أنحاء الجمهورية. «التحرير» سعت، من خلال حصولها على الإحصاءات والأرقام الرسمية، لكشف «المصيبة» والتحذير من آثارها قبل أن تقع الكارثة حال تفشى المرض كالوباء. الأرقام تؤكد أن عدد المصابين بفيروس «c» تعدى ال18 مليون مريض مصرى، ما يؤكد أن هذا المرض تحول إلى قضية أمن قومى، لأنه أصبح مشكلة صحية عامة رئيسية بمصر، وكانت نسب الإصابة به فى المناطق الريفية 92% منه فى المناطق الحضرية، 81% وينتشر فى المحافظات الحدودية بنسبة 79%. وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية الأخيرة، فإن مصر تحتل مرتبة متقدمة فى ارتفاع نسبة الإصابة بفيروس «c»، حيث بلغت نسبة انتشار الفيروس نحو 22% بين المصريين، أى ما يُعادل 15 مليون مواطن، بحيث يتراوح معدل الإصابة السنوية ما بين 200 ألف إلى 300 ألف حالة، وهى نسبة شديدة الارتفاع، حيث يعود انتشار المرض إلى عدم التعقيم خلال العمليات الجراحية، وعلاج الجروح، والحقن الزجاجية غير المعقمة، وكذلك من خلال عيادات الأسنان. كما يعانى أكثر من 90 ألف مواطن من الإصابة بأمراض الكبد المختلفة بمحافظة الغربية، ونحو 8 آلاف بالفشل الكلوى، كما يتردد على مركز أورام طنطا نحو 70 ألف مريض سنويا، وتستقبل المستشفيات الجامعية أكثر من مليون مريض سنويا من محافظاتالغربية وكفر الشيخ والبحيرة، إضافة إلى معاناة المرضى المستمرة داخل 26 مستشفى عاما ومركزيا ونوعيا، عدا الذين يترددون على 57 مستشفى تكامل صحى وطب الأسرة على مستوى 317 قرية. كذلك أظهرت إحصائيات وحدة علاج الفيروسات الكبدية بمحافظة قنا إصابة 2% من سكان مركز نجع حمادى بفيروس التهاب الكبد الوبائى «C»، و9% من سكان المحافظة. لغز استبعاد الغربيةوالبحيرة من المرحلة الأولى للعلاج رئيس وحدة أورام الكبد: هناك سوء توزيع فى اختيار المحافظات التى ستبدأ بتلقى العقار بعد طول انتظار تم البدء فى توزيع الدفعة الأولى من عقار ال«سوفالدى»»، بناءً على الخطة التى أقرتها وزارة الصحة، التى تتضمن توزيع 225 ألف جرعة تستهدف علاج من 60 إلى 70 ألف مواطن مصرى، سيتم توزيع الدفعة الأولى من العلاج على 8 مراكز فقط كمرحلة أولى منها: 2 بالقاهرة و3 بمحافظات الدلتا ومعهد للكبد واحد بمحافظة الدقهلية، وآخر بالمنوفية، وواحد ببنى سويف، و2 بمحافظات الصعيد وهما محافظتا المنيا وأسيوط، ومركز واحد بالإسكندرية. أما باقى المحافظات فنصيبها فى المرحلة الثانية، التى تنقسم إلى 8 مراكز جديدة فى أول نوفمبر القادم، ومرحلة ثالثة أول يناير القادم، وفقا لما أكده الدكتور جمال عصمت، عضو اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات، وهو ما يطرح تساؤلات كثيرة حول استراتيجية التوزيع التى تنتهجها وزارة الصحة. فهناك محافظات تعتبر من أكثر المحافظات كثافة لمرض فيروس «c» لم يتم إدراجها ضمن محافظات الدفعة الأولى، التى ستحصل على العقار، مثل الغربية، التى تعانى من تفشى مرض فيروس «c» بشكل كبير، وتعد من أكثر المحافظات التى يصاب مواطنوها بهذا المرض، ومحافظة قنا التى يصل عدد المصابين بفيروس «c»، الذين تقدموا بطلبات للحصول على العقار الجديد إلى 7500 مريض، وسيتم علاجهم على مدار 5 أشهر من العام القادم بمعدل 60 مريضا يوميا فى 25 يوما بالشهر. كما تم حرمان محافظة البحيرة أيضا، التى وصل عدد المصابين بفيروس «c»، الذين تقدموا للحصول على العلاج الجديد فقط بدمنهور إلى 3000 مريض حتى الآن، بمعدل 400 مريض يوميا، وهو ما يجبر العاملين فى مركز الكبد بدمنهور على العمل حتى العاشرة مساء بسبب الزحام، ولكون هذا المركز العلاجى هو الوحيد الذى يوجد داخل المحافظة، وهذا يطرح تساؤلات كثيرة عن أولوية توزيع العقار، الذى سينجى المواطنين من هذا المرض المتفشى. الدكتور محمد عز العرب، رئيس وحدة أورام الكبد بمعهد الكبد واستشارى أمراض الكبد والجهاز الهضمى، يفتح هذا الموضوع «اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية لم تعطنا إجابة عندما طرحنا تساؤلات عن أولوية المحافظات التى يجب أن تكون ضمن الدفعة الأولى، التى سيوزع لها العقار الجديد»، مضيفا «تم بالفعل تدريب الأطباء بجميع المراكز للتعامل مع المواطنين، فلماذا اختيرت محافظات أقل كثافة للمرض واستثناء الأعلى كثافة؟!». عز العرب أكد أن هناك سوء توزيع بالنسبة إلى اختيار المحافظات التى ستبدأ بتلقى العقار، مؤكدا أن هناك علامات استفهام كثيرة حول هذا الأمر. وأشار رئيس وحدة أورام الكبد بمعهد الكبد، إلى أن المعهد القومى لمكافحة الفيروسات الكبدية يستقبل 600 مريض يوميا، إلى جانب المرضى الجدد، الذين سوف يبدؤون العلاج من يوم الخميس المقبل، مشيرا إلى أن أعداد المرضى سوف تكون أكثر من الطاقة الاستيعابية للمراكز، وتوقع عز العرب أن أعداد المرضى سوف تكون مشكلة حقيقية، من الممكن أن تعرقل خطة وزارة الصحة، وأن تطيل المرحلة الأولى من العلاج إلى أكثر من الأشهر الستة المحددة لها. وقال عز العرب «محافظات الدلتا تحتل المركز الأول فى خريطة المحافظات الأكثر مرضا، ثم تليها محافظات الصعيد، وتأتى محافظتا القاهرة والإسكندرية فى المرتبة الثالثة، ويقل انتشار مرض فيروس «c» بشكل كبير فى المحافظات الحدودية مثل محافظة جنوبسيناء». وقال الدكتور محمد سعودى، وكيل نقابة الصيادلة، «خريطة توزيع العقار الجديد يوجد بها خلل كبير، حيث لم يتم البدء بالمحافظات التى يوجد بها أعداد كبيرة من المرضى»، مشيرا إلى أن استراتيجية التوزيع يسأل عنها اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية فهى المنوطة بهذا الأمر. شركة مصرية فرنسية تحتكر توزيع العقار أسندت وزارة الصحة حق توزيع عقار «سوفالدى» لعلاج فيروس «c» إلى شركة «فارما أوفر سيز للأدوية»، نظرا لأنها الموزع الحصرى لشركة «جلياد» الأمريكية المنتجة للعقار فى مصر منذ 5 أعوام. وعلمت «التحرير» من مصادر مسؤولة بوزارة الصحة أن اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات أرسلت خطابا إلى 26 مركزا للكبد على مستوى الجمهورية لتوفير مساحة 15 مترا لشركة «فارما أوفر سيز» متعددة الجنسيات لتوزيع العقار الجديد لفيروس «c». شركة «فارما أوفر سيز» تأسست عام 1995 بهدف إمداد جميع الصيدليات فى مصر بكل احتياجاتها من وسائل توزيع الأدوية المتطورة. ونظرا لتحول الشركات إلى كيانات عالمية، ونظرا أيضا لزيادة حجم رأسمال الشركة وزيادة قدرة الشركة التنافسية، قامت ثانى أكبر شركة توزيع بفرنسا «CerpMex» بشراء 20% من شركة «فارما أوفر سيز»، بناءً على ذلك أصبحت شركة «فارما أوفر سيز» شركة متعددة الجنسيات، بإدارة مصرية 100%، يرأسها الدكتور أحمد جزارين. تم هذا التعاقد فى أول يوليو 2004، ويقوم الشريك الفرنسى بالتوزيع لأكثر من 50 دولة على مستوى العالم ويعتبر ثانى موزع للدواء على مستوى فرنسا. يقول مهاب جزارين، عضو مجلس إدارة شركة «فارما أوفر سيز للأدوية»، «وزارة الصحة لا دخل لها فى اختيار المورد أو الموزع، لأن الاختيار يكون للشركة المنتجة، فالشركة ستقوم بتوزيع العقار داخل الصيدليات الحكومية ومراكز الكبد التابعة لوزارة الصحة فقط، بسعر 2200 جنيه للعلبة الواحدة»، موضحا أن الشركة ليس بمقدورها خفض سعر العقار بالصيدليات الخاصة، وفقا لقرار 499 لسنة 2012، الذى يقضى بتحرير سعر الأدوية المرخصة حديثا، وفقا للأسعار العالمية، بحيث يباع الدواء فى مصر وفقا لأقل سعر يباع به فى الدول التى يتداول بها المستحضر نفسه. لكن وكيل نقابة الصيادلة محمد سعودى رأى أن «عقارا بهذه القيمة والأهمية الاستراتيجية يجب أن يتم توزيعه عن طريق شركة قطاع أعمال مملوكة للدولة، مثل الشركة المصرية لقطاع الأدوية، فإسناد التوزيع إلى شركة خاصة سيتيح الفرصة لفتح صيدليات خاصة داخل المراكز العلاجية»، مضيفا «هناك بالفعل صيدليات حكومية داخل المراكز فما الحاجة إلى إتاحة فرصة فتح صيدليات خاصة داخل المراكز الحكومية؟». كما تساءل وكيل الصيادلة عن الإقرار الذى يوقعه المريض قبل بدء العلاج، قائلا «لماذا يستوجب هذا الإقرار اسم شاهد وتوقيعه؟»، واصفا هذا الإقرار بأنه احتكارى، ولا يوجد به أى منطق، ومتسائلا: «من سيكون المسؤول عن أى أضرار جانبية؟ وهل تتم تجربة هذا العقار على المواطنين؟»، مؤكدا أن هذا الإقرار غير قانونى، والعقار لم يجرب من الأساس سوى على 122 مريضا فقط. رئيس وحدة أورام الكبد بمعهد الكبد واستشارى أمراض الكبد والجهاز الهضمى، الدكتور محمد عز العرب، رأى أن إسناد توزيع العقار الجديد إلى شركة خاصة يؤدى إلى احتكار وسيطرة الشركة المنتجة والموزعة على سوق الدواء المصرى، قائلا «بند مجحف وإهانة للحكومة المصرية أن تتركه شركة أجنبية تتحكم فى اختيار الشركة التى يسند إليها توزيع العقار الجديد لفيروس C». كما كشف رئيس وحدة الأورام بمعهد الكبد أن شركة «فارما أوفر سيز» تم إسناد توزيع العقار الجديد لفيروس «c» إليها، بشرط أن يكون ربحها من كل عبوة 150 جنيها، مشيرا إلى أن أرباحها من توزيع العقار بحساب توزيع 225 ألف جرعة تصل إلى 38 مليون جنيه، قائلا: «لماذا حرمنا شركة قطاع أعمال من تلك الأرباح، وأسندنا التوزيع إلى شركة متعددة الجنسية؟!». مافيا الأدوية تستغل آمال المرضى ب«سوفالدى» المضروب رغم أن الدواء لم يتم طرحه بعد فإن مافيا الأدوية على ما يبدو «تترصد» و«تتربص» بالمواطن المصرى الغلبان، وبدأت ممارسة نشاطها الإجرامى بطرح عبوات مضروبة ومغشوشة من عقار «سوفالدى» الأمل الوحيد الظاهر أمام ملايين المرضى بفيروس «c». مخاوف حقيقية تنتاب أعضاء نقابتى الأطباء والصيادلة من استغلال حاجة المريض المصرى إلى العقار الجديد، واستغلال آمال ملايين المصريين فى الشفاء من هذا المرض، الذى تفشى واستشرى داخل المجتمع المصرى، بعد أن تم بالفعل ضبط عقاقير علاج فيروس «c» مهربة، من خلال ضبط شركة بالمنصورة تقوم ببيع وتوزيع عقار مقلد ومهرب يسمى «سوتوفاج» هندى الجنسية لعلاج فيروس «c»، حيث وردت معلومات لدى قطاع الصيادلة عن نشاطها. وكيل نقابة الصيادلة، الدكتور محمد سعودى، حذر بشدة المرضى المصريين من شراء عبوات للعلاج الجديد لالتهاب الكبد الفيروسى «c» «سوفالدى»، مؤكدا أن كل العبوات الموجودة بالأسواق «مغشوشة» و«مهربة» ودون «مادة فعالة»، كاشفا أن النقابة رصدت وجود عبوات مغشوشة من «سوفالدى» بالأسواق يتراوح سعرها ما بين 900 دولار إلى ربع مليون جنيه. سعودى أوضح أن المكان الوحيد الذى ينتج به عقار «سوفالدى» هو الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولن ينتج بوسطة أى شركة هندية أو أى دولة من دول العالم إلا بعد مرور عام ونصف العام، مؤكدا أن المصدر الوحيد الموثوق به لشراء العقار هو منافذ البيع التى ستعلن عنها وزارة الصحة المصرية، مطالبا إياها بإسناد توزيع الدواء للشركة المصرية للأدوية المملوكة للدولة، والتفاوض على إنتاج العقار بشركات قطاع الأعمال فى مصر، لأنه يعد وباء ويمكن تصنيعه بسعر لا يتعدى ألف جنيه. أما مساعد وزير الصحة لقطاع الصيدلة، الدكتور طارق سلمان، فأكد أن اللجنة توجهت إلى مقر شركة توزيع العقار بالمنصورة، وذلك بالتنسيق مع وزارة التموين ومدير عام المباحث، وتم ضبط عدد من المخالفات والمستندات الدالة على توزيع العقار المهرب، كاشفا أن اللجنة ضبطت عددا من الوصفات الطبية بخاتم طبيب مشهور بتحويل المرضى من المركز الطبى للكبد الذى يمتلكه فى المنصورة وشربين إلى الشركة لشراء الدواء، وكشفت اللجنة أيضا أن الشركة يتم إدارتها دون ترخيص، وتمكنت اللجنة من مقابلة عدد من المواطنين المنتظرين صرف الدواء لهم، إضافة إلى التحفظ على دفتر إيصالات يحتوى على 50 إيصالا بمبالغ تم تحصيلها، وتتراوح ما بين 3000 دولار إلى 6000 دولار لكل إيصال. سلمان أضاف أن الشركة لم تنكر قيامها باستيراد العقار من الهند بنظام استيراد الأفراد، مشيرا إلى أن ذلك يمثل «مخالفة جسيمة»، لأن استيراد الأفراد يحتاج إلى ترخيص من إدارة الصيدلة بوزارة الصحة، كما أنه لا بد أن يتم من خلال دولة مرجعية، والهند ليست من بين الدول المرجعية.