حسم الرئيس السيسى الموقف بالنسبة إلى الانتخابات البرلمانية، وأكد أنه لا تأجيل لهذه الانتخابات، وهو الأمر الذى كان متوقعًا، التزامًا بالدستور واستكمالًا لتنفيذ خارطة المستقبل، وأيضًا لأن التأجيل الذى كان يطالب به البعض لن يصب إلا فى مصلحة نفس القوى التى ما زالت تتصدر المشهد الانتخابى، ليبدو الأمر وكأن شيئًا لم يتغير فى بلد شهد ثورتين فى ثلاث سنوات، وقدم أغلى التضحيات، ويواجه أقسى المعارك. كأن شيئًا لم يتغير.. معظم الوجوه على الساحة السياسية كانت جزءًا من النظام القديم قبل ثورة يناير.. والحديث هو نفس الحديث، والمناورات هى نفس المناورات، والخلافات كما هى على توزيع المقاعد التى ستذهب -إذا ما استمرت الحال على ما هى عليه- إلى قوى أخرى لا تكتفى بالجلوس فى المقرات أو الظهور على شاشات التليفزيون، بل تستعد -المال والعصبيات والاستخدام السياسى للدين- للاستيلاء على مقاعد أخطر برلمان فى تاريخ مصر!! عقب ثورة يناير أحسسنا بالخطر، وطالبنا بأن يكون الهدف واضحًا أمام المجلس العسكرى، وهو أن تنتهى الفترة الانتقالية بأن تحكم الثورة، وكان هذا يقتضى عملًا سياسيًّا شاقًا ورؤية واضحة لمعالم الطريق، لكن الظروف كانت صعبة والخوف من انهيار الدولة والضغوط الداخلية والخارجية أدت إلى كارثة الانتخابات قبل الدستور، وسدت الطريق أمام ما طالبنا به، وهو أن تكون البداية بانتخابات شاملة للمجالس المحلية والنقابات العمالية والمهنية بعد تهيئة الظروف أمام قوى الثورة لكى تبدأ التغيير الحقيقى من هذه المنظمات الشعبية. بدلًا من ذلك ارتفع شعار «نُدير ولا نحكُم» لتكون النتيجة تسليم الإدارة والحكم والبرلمان والرئاسة إلى الإخوان، ولتوضع مصر أمام كارثة لم تنقذها منها إلا ثورة الشعب فى 30 يونيو، وانحياز الجيش الوطنى إلى الإرادة الشعبية لتَسقُط فاشية الإخوان، وتنفتح من جديد أبواب الأمل. ورغم أننا استدركنا الخطأ هذه المرة، ووضعنا خارطة الطريق بحيث نبدأ بالدستور ثم الانتخابات، فإننا أهملنا مرة أخرى نقطة البدء للتغيير فى البنيان السياسى من المحليات والنقابات، لتظل فى أيدى القيادات القديمة بدلًا من أن تتحول إلى أداة لتميكن الثورة واكتشاف القيادات الشابة وإكسابها الخبرة السياسية فى التعامل مع الواقع وعدم الاكتفاء بالعالم الافتراضى أو الأحلام الرومانسية!! وها نحن بعد أكثر من عام على الثورة نواجه الحياة الحزبية البائسة ذاتها، والوجوه القديمة ذاتها، والأحاديث والمناورات الصغيرة ذاتها، بينما الاستحقاق الأهم يقترب، وخطر أن نجد أمامنا برلمانًا لا ينتمى إلى الثورة ويكون عامل تعطيل مسيرتها ماثلًا أمام الجميع، إلا هؤلاء الذين لا يتوقف حديثهم عن «التحالفات» ولا تتوقف مناوراتهم لإجهاضها!! قبل أسابيع، وفى لقائه مع الصحفيين، قال السيسى إنه طلب مبكرًا من رؤساء الأحزاب أن يشركوا الشباب ويعدوهم للحياة السياسية ويدفعوا بهم ليجدوا مكانًا فى البرلمان الجديد. وها نحن نرى النتيجة التى تقلق الجميع، حيث يغيب الشباب، وتتحاور الأحزاب بنفس الطريقة التى كانت قبل الثورة، ويتحدث الجميع عن ضرورة «التحالف» فى مواجهة أخطار الداخل الخارج، بينما يبدو الحوار فى حقيقته وكأنه بين الإخوة الأعداء!! نعرف الآن جيدًا أن مجلس النواب القادم لن يكون البرلمان الذى يمثل الثورة، لكن السؤال يبقى: هل نستطيع أن نمنع كارثة أن يتحول هذا البرلمان إلى عنوان للثورة المضادة؟!