اعتقدنا جميعا أن ما حدث يوم 11 فبراير 2011 عِبرة لمن يخلف مبارك فى السلطة، لكن يبدو أن الآلة الإعلامية للنظام القديم ما زالت متغلغلة فى ماسبيرو، توجد محاولات محدودة من الأجيال الجديدة للتمرد على كتالوج الدعاية لتنحاز إلى الثورة، ولكن تتعدد الرسائل والوسائل والمعنى واحد: الثوار على خطأ ومن يملك السلطة السياسية على حق، ويتم استخدام الأساليب الناعمة لدعم الصورة السلبية للثوار أو امتصاص الغضب، مما جعل الإعلام الموالى يستخدم دعاية مضادة تعتمد قاموس مفردات عقيما وقديما ضد الثورة، وفى ما يلى سرد لأهم مفاهيم الدعاية: المفهوم الأول- يلّا نحتفل بعيد الثورة! وهذه مقولة تحتوى الغضب الشعبى، لأن معارضة ثورة يناير 2011 أو التعبير عن كراهيتها علانية مكلِّف سياسيا ولذلك يسود العمل بالمثَل الشائع «اللى تغلب به، العب به»، فنجد المجلس العسكرى والقوى الإسلامية الرافضة لمزيد من الضغط الشعبى تقول دعونا نحتفل بما أنجزناه، فالثورة انتهت بالنسبة إلى العسكرى وهو غير مستعد للخضوع للمحاسبة السياسية الآن، كأن الثورة حققت أهدافها، فالاحتفال يعقب عادة الانتهاء من فعلٍ ما ولا يتخلله فى منتصفه. المفهوم الثانى- التظاهرات والاعتصامات بتخرب البلد «هيّا بنا نبنى البلد»، مقولة تريد أن تنفى منطق أى تظاهرات كأن الدول الصناعية المتقدمة لا تظاهر بها وكأن المظاهرات لا تعكس مظالم اجتماعية وسياسية، يضيف أداء المجلس العسكرى إليها مظالم إضافية إلى ما ورثناه من مبارك. كيف نبنى وماذا نبنى؟ هذا هو السؤال الأهم! تفكيك الأوضاع الخاطئة بهدف بنائها من جديد على أساس سليم لا أناركية هدّامة ولا علاقة له بفوضى كوندوليزا رايس، هذه الثورة ثورتنا، حاولت أمريكا أن تحتويها منذ البداية لإنقاذ النظام الموالى لها وأى مقارنة بالعراق مغالطة سياسية. علينا أن لا ننسى أن إعلان حظر التجول وقطع الاتصالات أعاقا اقتصاد البلد لمدة 18 يوما وأضافا إلى المتظاهرين ملايين كانت ستذهب إلى العمل لولا حظر التجول الممتد لأغلب ساعات اليوم، أما الاستثمار الأجنبى فيخشى الأنظمة وعدم استقرار الهيكل السياسى والاقتصادى والتخبط والعشوائية، أما المظاهرات والاعتصامات فلا تعطل اقتصاد البلد كما يروج كارهو الثورة، بدليل ارتفاع مؤشرات البورصة الخميس 26 يناير 2012. المفهوم الثالث- البلد هتولع! نشر الهلع يستثمر مناخ الخوف ويزيد السيطرة على الرأى العام ليرفض كل تغيير، ولذلك روج القائمون على الحكم للمظاهرات باعتبارها عملا يهدد الأمن القومى «أجندة وعمالة»، لتبرير استخدام أجهزته الأمنية ضد إسقاط الدولة المزعوم، وهو يقوم على بث الخوف من المجهول مثل مبارك بالضبط. المفهوم الرابع- الثوار بلطجية يستفيد الإعلام المرئى من صور الحرائق وعنف الشوارع لإلصاق تهم البلطجة بالمتظاهرين دون الالتفات إلى أسئلة بديهية، مثل مَن بدأ العنف؟ أو لماذا تحول المشهد السلمى مثل مسيرة العباسية فى مايو أو مسيرة ماسبيرو إلى مشاهد دموية؟ ولماذا لا يهاجم البلطجية سوى مظاهرات تنادى بالديمقراطية؟ فلم نر بلطجية يهاجمون العباسية أبدا، نحن نعرف من يفتح ويغلق حنفية البلطجية، وأن هناك علاقات مستترة وتوقيتات وأهدافا معينة لأعمال العنف فى الشارع، بدليل غيابها خلال الانتخابات، فالبلطجة انعكاس لجماعة سياسية منظمة تدافع عن مصالحها، ولا يجوز وصف دفاع الثوار عن أنفسهم بالبلطجة، وأكبر رد على هذا الاتهام يتمثل فى سلمية المظاهرات والاعتصامات ما دامت خلت من تدخلات التابعين للنظام. المفهوم الخامس- إنتو عايزين إيه؟ تؤدى فوضى المسار الديمقراطى إلى ضياع الرسائل وتداخل الأصوات بما يشكل صعوبة للجمهور أن يفهم الغرض من كل مظاهرة، وبالتالى لا يساعد هنا سوى توضيح مطالب المظاهرات، وأسهم الحشد، مثل مبادرة سلاسل الثورة بتنظيم حركة «مصرنا» التى تشرح أهداف الثورة وتحافظ على ظهيرها الشعبى مبادرة مهمة جدا، لأنها تتفادى انغلاق الثوار على الذات وتفتح جسور تواصل دون استعلاء على الجمهور الذى يؤيد أكثر من 80% منه الثورة، وفقا لاستطلاع أجراه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، فالاحتجاجات الناجحة ليوم 25 يناير 2012 أكبر دليل على سخط وإحباط الجماهير من المرحلة الانتقالية، مما يدل أن الشارع، لا التليفزيون، هو الحل. المفهوم السادس- لا نعرفهم.. هم لديهم 200 ائتلاف! قد يقنع ذلك من لا يتابع الثورة من بداياتها لأن قيادات التحركات الشعبية معروفة تماما للحكام، بل وكانوا يفاوضونهم فى أثناء أحداث الثورة قبل التنحى لفض الميدان بصفقات سياسية، بل وكانت تتم دعوتهم فى لقاءات الحوار الوطنى قبل استبعادهم، وبالتالى فهذه أكذوبة أخرى تستغل الانقسام المشروع فى جماعات الضغط المختلفة لتفريغها من مضمونها، أضف إلى ذلك التحريك المتعمد لبعض القوى المقربة من المتورطين فى النظام السابق والحالى لما يشبه الضغط الشعبى، فى حين أنه لا يستهدف التغيير إطلاقا بل يريد إيقاف عجلة العدل والزمن. المفهوم السابع- مش همّ الثوار الأولانيين! هذا على اعتبار أن هناك كشوف حضور وانصراف لدى حكام البلد، أو أن المسيطرين على مقاليد البلاد يعلمون مَن تظاهَر، الواقع أن غالبية النشطاء ما زالوا موجودين «همّ همّ»، يجوز انضم إليهم بعض الشباب الجدد، لكن مثل دحض المقولة السابقة أن أسماء النشطاء المطالبين بالديمقراطية الأصليين معروفة تماما. المفهوم الثامن- أنا ثائر زيّكم وهيا بنا نهدأ يبدو أن الجميع نزل الميدان يوم 25، فالعبارة القاتلة التى يريد أى شخص أن يدحض بها من أمامه، هى: أنا كنت فى الميدان وأرى أنه كفاية كده. الرد المنطقى هو: هذا رأيك، كونك كنت ثائرا وهدأت لا يعنى أن كل الثوار عليهم أن يتراجعوا عن المسار الثورى. الاختلاف مشروع. المفهوم التاسع- دعونا نتسامح! يرتكز بعض رموز التيار الدينى وقادة الرأى على قيمة التسامح للتغاضى عن جرائم ارتُكبت فى حق الثوار لا تسقط بالتقادم كالقتل العمد، ويعتمدون فى ذلك على مقولة «اعتبره أبوك يا أخى»، كأن الآباء الأسوياء يقتلون أبناءهم، ويخون من يروِّج لذلك المبدأ القرآنى المتمثل فى القصاص رغم تكرار الإسلاميين المستمر عدم رغبتهم فى مخالفة شرع الله، فقبول الدية له شروط وضوابط ولا يمكن قبولها تحت ضغط العوز المادى أو بحجة «الحى أبقى من الميت»، فما دام لم يسامح أهل الشهداء قتلة أبنائهم فلا قيمة لقبول الدية سوى أنها تفرّغ المطالب الثورية من مضمونها، فى المقابل لا نسمع عن عقاب عادل لمن قتل النشطاء أو حتى المواطنين المسالمين المُطلِّين من بلكونات منازلهم فى يناير 2011. هذه مرتكزات الدعاية المضادة لثورة يناير 2012، فهل يعنى أنها تخترق عقول وقلوب الجمهور، ليس بالضرورة، لأنها مطروحة للنقاش العام، الضامن الوحيد لاستكمال أهداف الثورة هو الضغط الشعبى السلمى والتواصل الدائم مع الشعب لمواجهة الأكاذيب، والرهان على وعى المواطن وضميره. الظلم مثل الكذب ليس له قدمان!