بعد النشوة المبدئية بموقع التواصل الاجتماعى الأشهر «الفيسبوك»، باعتباره أداة اتصالية تحقق العدالة واللا مركزية، انتبه الناس إلى عيوبه، مثل الإعلانات ونشر الشائعات الإلكترونية والقصص المزيّفة، إضافة إلى التأثير على الأمزجة، ويؤكد عديد من التجارب الاجتماعية والنفسية وجود تأثير ما ل«الفيسبوك» على تصورات مستخدميه عن ذاتهم ومَن حولهم وعلى مزاجهم، على سبيل المثال، أمضى تيم هيريرا محرِّر «واشنطن بوست» لصفحة التكنولوجيا، يوما كاملا يتصفَّح ويدوِّن كل ما نشر عبر شبكته الاجتماعية، ليفهم معايير «الفيسبوك» لاختيار ما ينشر على صفحته الشخصية، لكنه أعلن بعد هذه التجربة فشله فى فهم عملية اختيار «الفيسبوك» لبوستات دون غيرها، لتُظهر له بشكل يتجاهل صفحاته المفضَّلة أو أصدقاء مقربين، رغم إدخاله بيانات كافية عن حياته، ونشر هيريرا نتيجة تجربته منذ أسبوع تحت عنوان «ما لا يُظهره فيسبوك لك»، قاصدا اختلاف الواقع «الفيسبوكى» عن واقعه الحقيقى المعاش، ف«فيسبوك» لا يُظهر سوى 10% من إجمالى الأخبار... إلخ، وهى نتيجة لم يكن ليتوصل إليها إلا بقضائه يوما كاملا لتصفح «الفيسبوك»، أما فى العادة لا يكرّس الأفراد وقتا طويلا، وبالتالى من الوارد أن يفوتهم خبرا مهما على صفحة أحد الأصدقاء، أو تتأثَّر الصورة الذاتية بما يقرؤونه. من جانب آخر، قام فريق من شركة «الفيسبوك» ذاتها بتجربة اعتمدت على انتقاء الأخبار على الصفحة الشخصية لأكثر من نصف مليون مستخدم ل«الفيسبوك»، لتكون حزينة لنصفهم وسارَّة للنصف الآخر، وراقب الفريق البحثى بعدها ما ينشره الأشخاص لمدة أسبوع، متتبعين إن كان ارتبط مزاجهم بالمضامين التى قرؤوها قبلها، وبالفعل وجدوا تغييرا طفيفا فى نوعية ما ينشره أفراد العينة متأثرين بنوعية الأخبار المنشورة، إما أكثر سعادة وإما حزنا، وهى الدراسة التى اتُّهم على أثرها «الفيسبوك» أنه يسبِّب التعاسة عن عمد لمستخدميه. ومن دون أبحاث تجريبية من الممكن أن تؤثِّر الانتقائية العمدية لمستخدمى «الفيسبوك» فى كتابة «مذكراتهم العلنية» سلبا فى تصورات الآخرين عن حياتهم، معتقدين أنها أكثر مللا أو رتابة، وأن الجميع أكثر سعادة ونجاحا، وفى هذا المجال تقول الدراسات إن هناك بالفعل ميلا إلى التباهى والفشخرة فى «الفيسبوك»، يتمثَّل فى التركيز على الأحداث السارَّة، ونشر الصور المميَّزة أمام المعالم السياحية أو مع المشاهير، وعلى النقيض يوجد نمط للمستخدمين إما يركِّز على كل ما هو سلبى فى حياته غالبا خوفا من الحسد، أو يبالغ فى السريّة، فلا ينشر الاسم أو الصور الحقيقية، فتجد أسماءً مستعارة رومانسية من عيِّنة «الطائر الجميل» أو «النسمة الحائرة»، يستخدم أصحابها صور المشاهير أو كارتونا حفاظا على الخصوصية، لكن بشكل يُخلّ بآداب استخدام «الفيسبوك» لعدم اتّباعهم مبدأ المساواة بين المستخدمين، الثابت بعد كل ذلك أن «الفيسبوك» وتأثيراته النفسية والاجتماعية ما زال يستحق الدراسة المستفيضة خصوصا مع التغيّرات المستمرة.