هناك قصة قصيرة اسمها حلقات كتبها في عام1929 مؤلف مجري اسمه كارينثي فريجيس هذه القصة تحكي عن لعبة قام بها مجموعة من الأصدقاء, هذه اللعبة عبارة عن تجربة حاول أحدهم أن يثبت بها أن سكان الأرض, وكان تعدادهم حينئذ مليارا ونصف, أقرب من بعضهم البعض من أي وقت مضي, وأنه يمكن لأي شخص أن يتصل بأي شخص آخر في العالم عن طريق خمسة أشخاص آخرين أو أقل بشرط أن يعرف أحدهم. وقال: أنا مثلا يمكنني أن أتصل بأي عامل في مصانع فورد للسيارات في أمريكا: فهذا العامل يعرف رئيسه, ورئيسه يعرف هنري فورد, وفورد يعرف أرباد باستور مدير عام دار هيرست للنشر, ولي صديق يعرف السيد باستور, فيمكنني من خلال صديقي أن أتصل بهذا العامل. وطبق كل صديق التجربة علي نفسه, واقتنعوا بصحة الفكرة. وسأل أحدهم: هل كان يمكن ل يوليوس قيصر إن أراد, وكان رجلا مشهورا في عصره, أن يتصل بشيخ قبيلة من قبائل المايا من خلال خمس أشخاص أو حتي مائة؟! وكانت الإجابة: لا! ولم يهتم أحد بهذه القصة حتي جاء مايكل جوريفيتش في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في1961 وأعاد صياغة اللعبة التي وردت في القصة في صورة رياضية. ثم جاء ستانلي ميلجرام أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة هارفارد في1967 لتدخل القصة معه علم الاجتماع. وتجاوزت القصة حدود الإبداع الأدبي لتصبح موضوعا يدرسه علماء الرياضيات والاجتماع والاتصال الذين أثبتوا بالتجربة والبرهان الرياضي أن حدوتة الأديب علي قدر كبير من الصحة, وأن الرقم الذي ذكره في القصة يتراوح بين خمسة وستة أشخاص, وأصبح ذلك يعرف بفرضيةست درجات من التباعد أو الانفصال هذه الدرجات الست هي السر وراء الانتشار السريع للشبكات الاجتماعية ووصولها إلي الملايين من مستخدمي شبكة الانترنت في وقت قصير. وفيسبوك هو أشهر وأكبر تطبيق لهذه الفرضية! الشبكات الاجتماعية والهروب من عالم الكبار ظهرت الشبكات الاجتماعية علي الانترنت في السنوات الأولي من القرن الواحد والعشرين. وانتشار استخدام فيسبوك وغيره من الشبكات الاجتماعية وخاصة بين الشباب سببه كما تقول دانا بويد أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة نيويورك أن الكبار يسيطرون علي البيت والمدرسة, ويملون علي الشباب ما يجب أن يفعلوه ومتي وكيف وأين, وأن المجتمع خانق بقيوده وشروطه, وأن هذه الشبكات تمنح الشباب الحرية حتي ولو كانت حرية افتراضية في أن يدير هويته وحياته الاجتماعية وتفاعلاته وشبكات معارفه بالطريقة التي يريدها, وأن يختار أصدقاءه والجماعة التي ينتمي إليها وتتفق مع اهتماماته وهمومه, بصرف النظر عن قيود الجغرافيا. قد تكون بعض هذه الصداقات سطحية والكلام ل بويد لكن الهدف ليس العمق بل أن يشعر كل شاب أنه موجود وأنه ينتمي. كما أن عملية التفاعل الافتراضي تدريب علي مفاهيم اجتماعية مهمة مثل احترام الآخرين واختلاف الرأي, تماما مثل برامج المحاكاة والبيئة الافتراضية التي يستخدمها الطيارون في التدريب علي الطيران الكل يريد أن يكون هناك! في2004 ظهر فيسبوك في جامعة هارفارد وفي2005 انتشر بين طلبة الجامعات والمدارس الثانوية في الولاياتالمتحدة وفي العام نفسه بدأ يجذب ملايين الشباب والمراهقين في العالم كله, وكذلك الكبار الذين هرولوا إلي هناك: للربح أو للمراقبة أو للدراسة والتحليل أو حتي لمجرد الفرجة علي شباب الفيسبوك فالشركات تريد أن تكون وسطهم لكي تعرف ما يريدون وما يحبون وما يكرهون وماذا يقولون عن منتجاتها. وكذلك فعل المطربون الممثلون. وعلماء الاجتماع لا يريدون أن تفوتهم دراسة أكبر تجربة اجتماعية افتراضية في تاريخ العالم. وعلماء النفس يريدون أن يعرفوا الآثار النفسية للشبكة علي مستخدميها. والبوليس يفتش هناك عن مجرمين ومتحرشين وعن بصمات إلكترونية لمساجين هاربين. والمحامون ينقبون عن دليل قد يفيدهم في قضية. والزوجات يبحثن علي فيسبوك عن أدلة علي خيانة الأزواج, وكذلك يفعل الأزواج وخبراء الإعلام أمامهم نموذج حي لإعلام شعبي بديل أومواز للإعلام التقليدي, والمؤسسات الإعلامية التقليدية تخشي أن يسحب هذا الإعلام البساط منها فوضعت علي مواقعها وصلات تسهل علي زوارها نقل محتواها إلي هناك. والأمن يراقب صفحات النشطاء السياسيين بحثا عن أسماء ومواعيد مسيرات ومظاهرات. والمؤسسات تبحث فيما يضعه موظفوها هناك لتملأ ملفه بتفاصيل أكثر وتفتش في صفحة من يتقدم لوظيفة عن معلومات قد يخفيها. والأحزاب والجماعات السياسية والدول زرعت لجانها الإلكترونية هناك لتحسن صورتها وتشوه صورة منافسيها وتؤثر في الرأي العام. الكل يريد أن يكون هناك! ومن المضحك أن هذه الشبكة التي جاءت لتقرب بين الناس فرقت بين إثنين من الأصدقاء المؤسسين: زوكر بيرج وسافرين وانتهت بهما الي نزاعات في المحاكم علي حصة كل منهما في ملكية الشبكة. وتمت تسوية هذه النزاعات وتعويض سافرين ليختفي من الصورة ويبقي زوكر بيرج. وهناك حتي الآن مايزيد علي مليار مستخدم ل افيسبوك في العالم أكثر من ثلثهم أعمارهم بين18 و24عاما. وعدد الإناث علي فيسبوك أكثر من عدد الذكور بنحو100 مليون. وهناك نصف مليار شخص يستخدمون فيسبوك يوميا, ومايزيد علي83 مليون حساب مزيف علي فيسبوك, كأن يكون لنفس الشخص أكثر من حساب, حساب رسمي يظهر عليه اسمه الحقيقي وصوره وتفاصيل حياته كما يحب أن يراها الآخرون, وحساب آخر باسم آخر مزور وتفاصيل أخري وحياة أخري وشخصية أخري. وهناك مايزيد علي7 ملايين طفل يستخدمون فيسبوك أعمارهم تقل عن13 عاما. وتكنولوجيا التشبيك ومبدأ الست درجات هو مايميز فيسبوك عن غيره من الشبكات الاجتماعية وهو سر نموها السريع وانتشارها في العالم, فأنت عندما تشترك في فيسبوك تصبح جزءا من هذه الشبكة الضخمة ولا يفصلك عن أي مشترك آخر سوي خمسة أو ستة مشتركين آخرين, أو أقل. وقد وجد فريق البحث في موقع فيسبوك أن هناك مسارات تربط99,91 في المائة من مستخدمي الشبكة ببعضهم البعض. العلاقات الاجتماعية: أرقام وأزرار وعلاقة فيسبوك بغيره من الشبكات الاجتماعية مثل علاقة جوجل بغيره من محركات البحث. فجوجل يريد فهرسة العالم وهندسة المعرفة وإتاحتها للجميع. وفيسبوك يريد هندسة التواصل والعلاقات الاجتماعية وتحويلها إلي أرقام ووصلات إلكترونية يستطيع من خلالها الإنسان أن يتعارف ويتواصل وأن يكون اجتماعيا وأن ينتمي. ومجتمع فيسبوك به مافي المجتمع التقليدي من علاقات وطقوس ومناسبات وحواديت وترفيه ورغبات ومخاوف وأمراض نفسية أيضا. والفرق أن مجتمع فيسبوك تتحكم فيه مجموعة من الأزرار تختار بها أصحابك وتعبر بها عما تحب وعما تريد أن تشرك الآخرين فيه. مجتمع يتفاعل ساكنوه مع باقي العالم الافتراضي علي شبكة الانترنت من خلال مجموعة من الوصلات ينقل من خلالها الأخبار والصور والفيديوهات دون أن يتركوا مكانها علي فيسبوك. فإدارة الشبكة لا تريدك أن تخرج من الموقع فقيمتها تأتي من أن تبقي هناك داخل أسوارها, علي عكس جوجل فهو بوابتك للمواقع علي الإنترنت, ولا يريدك أن تقف طويلا عند هذه البوابة. وقد يكون ذلك السبب في أن متوسط الوقت الذي يقضيه المستخدم علي فيسبوك ست ساعات في الأسبوع, مقابل ساعتين وربع فقط علي جوجل. والعلاقات الاجتماعية وسمات الشخصية علي فيسبوك قابلة للقياس: الصداقة رقم, التأثير رقم, الإعجاب رقم, الشعبية رقم, النرجسية رقم, التفاهة رقم, والحشد رقم. العودة إلي القبيلة والثقافة الشفهية وعندما تشترك في فيسبوك تعطيك إدارته حائطا تضع عليه ماتريد من مشاركات وصور وفيديوهات ووصلات وتظهر عليه أيضا مشاركات أصدقائك. وهذا لا يختلف كثيرا عن الكتابة والرسم علي جدران المعابد والمقابر والكهوف قديما. الفرق أن الحوائط الحديثة إلكترونية وتفاعلية ومتغيرة, لكن الاستخدام واحد: التواصل مع الآخرين. والأوائل عاشوا في قبائل وجماعات صغيرة من الأقارب والأصدقاء يتبادلون فيما بينهم معلومات ضرورية لبقائهم وأمنهم ويتجمعون حول نار ويحكون حواديت وحكايات تقربهم من بعضهم وتوجد بينهم ذكريات مشتركة. وهذا تقريبا مايفعله الآن مليار إنسان علي فيسبوك وغيره من الشبكات الاجتماعية, مع اختلاف الوسيلة وكأن التكنولوجيا تحاول إصلاح ماأفسدته التكنولوجيا. ففيسبوك عودة لثقافة القبيلة وثقافتها الشفهية ولكن في صورة إليكترونية, كما تقول ليليان بونيجرو التي ترأس وحدة الصحافة الإحصائية في المركز الأوروبي للصحافة, فلغة الخطاب في المشاركات علي فيسبوك مكتوبة شكلا وشفاهية في الروح والمضمون, والتواصل يتم بسرعة وبين مجموعات كبيرة من البشر, والحواديت من الكل وللكل لكن دون أن يكونوا وجها لوجه. وإن كانت الذاكرة عاملا أساسيا في الثقافة الشفهية لنقلها من جيل إلي جيل- كما يقول وولتر أونج, فليس الأمر كذلك في الشفاهية الجديدة, فأرشيف فيسبوك يحتفظ بكل شيء, وحائط فيسبوك عليه تفاصيل حياتنا الشخصية يوما بيوم وأحيانا ساعة بساعة. ولا يختلف ما يكتب علي فيسبوك كثيرا عن الحوار المسرحي أو الدرامي حيث يكتب كل مستخدم فيسبوك تصبح جزءا من نص مسرحي يشارك فيه سبع سكان الأرض, فهي مسرحية لها مليار مؤلف وتسير أحداثها في مليار اتجاه. إعادة توزيع السلطة الإعلامية وفي دراسة لفريق الإعلام الشعبي بجامعة ميزوري ظهر أن معظم مستخدمي فيسبوك يصدقون الأخبار التي ينقلها أصدقاء علي فيسبوك بصورة أكبر بكثير من الأخبار التي تنقلها قنوات الإعلام التقليدي. وفي حالة تضارب الروايات يميل الفيسبوكيون لتصديق بعضهم. وإذا كان الإعلام التقليدي يغطي الحدث, فإعلام فيسبوك الشعبي يشارك فيه, وتدفق المعلومات في الإعلام التقليدي يسير في اتجاه واحد, من فوق لتحت, والمتلقي سلبي, يرضي بما تقدمه له وسائل الإعلام ولا يملك الوقت ولا الوسائل التي يمكن أن يتحقق بها من صحة ما يبثه هذا الإعلام, أما الان فيمكن الاعتماد علي أصدقاء فيسبوك للتأكد من صحة خبر, وقد يكون أحد الأصدقاء في موقع الحدث, يقوم بتصوير ما يحدث بتليفونه المحمول وبثه علي فيسبوك, وإن وصلت الصورة أو الفيديو إلي أحد المستخدمين المؤثرين علي فيسبوك, فهذا معناه وصوله إلي آلاف أو ملايين بسرعة كبيرة, وهذه الشخصيات المؤثرة هم المعادل الافتراضي للمؤسسات الإعلامية التقليدية. وهناك لجان إلكترونية علي فيسبوك وجماعات مصالح في السياسة والاقتصاد والفن, فإسرائيل مثلا لها هناك ما تسميه جيش إسرائيل الافتراضي ترعاه الحكومة وتجند للخدمة فيه كل من يريد أن يدافع عنها ويحسن صورتها أمام العالم, ومعظم هذا الجيش من طلبة الجامعات ويتقاضي كل جندي راتبا شهريا يصل الي ألفي دولار. وهناك أيضا لجان الكترونية في عالم التسويق, حيث تقوم بعض الشركات بتأجير بعض مستخدمي فيسبوك لتحسين صورتها والدعاية الضمنية لمنتجاتها أو خدماتها, أو شن حملة مضادة علي المنافسين وغالبا ما تعتمد هذه الحملة علي نشر شائعات سلبية عن المنافس. وكذلك يفعل بعض الفنانين. وفيسبوك ليس كله ولا حتي ربعه سياسة, فأكثر من نصف المحتوي علي فيسبوك مشاركات وتعليقات وصور وفيديوهات عن أفراح وأعياد ميلاد وإجازات ورحلات وسفريات. وفي انتخابات الرئاسة الأمريكية في2008 كان كريس هيوز أحد مؤسسي موقع فيسبوك مستشار التكنولوجيا في حملة باراك أوباما, وكان للشبكات الاجتماعية دور كبير في الحشد لأوباما. وهناك من يعتقد أن فيسبوك جزء من مؤامرة المخابرات الأمريكية للتجسس علي العالم وأن مارك زوكربيرج مجرد واجهة ووجه طفولي لهذه الخطة الشريرة. والباحثون لا يتفقون حول التأثير النفسي لفيسبوك, لكن معظم الدراسات تقول إن تأثيره سلبي إلا قليلا, فقد أظهرت دراسة لباحثين في جامعة كورنيل أن فيسبوك تأثيره إيجابي علي صورة مستخدمه أمام نفسه, فهو يحرص علي أن يكون كل ما يضعه علي حسابه من صور وفيديوهات تحمل شيئا إيجابيا عنه: صورة بها ضحكة عالية, صورة مع أصدقاء, صورة في رحلة, صورة للخطوبة, صورة لخاتم الخطوبة, صورة علي الشاطئ.. إلخ, وعندما يضع صورة سلبية ترتبط بحياته الشخصية فتكون في موقف يحتاج فيه تعاطف الآخرين وعلي عكس ذلك يفسر باحثون كنديون ذلك بأنه مؤشر علي ضعف الثقة بالنفس وعدم الإحساس بالأمان, وأن معظم مستخدمي فيسبوك يحاولون بالكلمات والصور والفيديوهات أن يقنعوا أنفسهم والآخرين بقيمتهم. ويقول عالم النفس الألماني كريستوفر مويلر أن استخدام فيسبوك هو الطبيعي علي الأقل بين الشباب وأنه دليل علي حياة اجتماعية سليمة, وأن من لا يستخدم فيسبوك يظهر وكأنه يحاول أن يخفي عن الآخرين جوانب سيئة في حياته وعن شخصيته. وهذا يفسر لماذا يقوم90% من أصحاب الشركات والأعمال بفحص بروفايل المتقدم للوظيفة علي فيسبوك, وإن لم يكن له حساب, فلماذا؟ لابد أن هناك شيئا ما. وقد أظهرت دراسة أجراها أليكس جوردان في جامعة ستانفورد علي عينة من طلاب الجامعة الذين يستخدمون فيسبوك أن الشبكة الاجتماعية كانت سببا في تعاسة الكثير من هؤلاء الطلاب وخاصة الطالبات. فهم يرون صور الآخرين علي فيسبوك كلها سعادة, ويعتقدون أن هؤلاء سعداء في حياتهم الحقيقية وإلا من أين أتت هذه الصور السعيدة؟! وسر تعاسة هؤلاء الطلبة والكلام ل جوردان ليس لأنهم غير سعداء في حياتهم, ولكن لأنهم ليسوا أكثر سعادة من الآخرين. صحيح إن مقارنة حياتنا بحياة الآخرين أمر طبيعي ولكن مع فيسبوك وغيره من الشبكات الاجتماعية زاد الأمر سوءا. وطبقا للبريطانية كارول كريج الباحثة في مركز الثقة والصحة النفسية, قد يكون الاستخدام الزائد ل فيسبوك سببا في أن يكون الشخص نرجسيا ويسيطر عليه شعور زائف بالأهمية والعظمة وتضخم الذات. فمن تضم قائمة أصدقائه1000 صديق, يحس أنه أهم عشر مرات من آخر لديه100 صديق فقط. ولاحظت الباحثة أن هذه الشخصيات تسيطر عليها الميول الاستعراضية بصورة واضحة, ويحاولون دائما أن يكونوا مركز اهتمام الآخرين, لدرجة أنهم يمكن أن يكتبوا عن أنفسهم أشياء صادمة أو يبوحون بأدق أسرار حياتهم الشخصية, حتي يحصلوا علي تعاطف الآخرين, أو حتي عطفهم. وهذه الشخصية النرجسية علي فيسبوك يكون رد فعلها عدائيا وعنيفا لأي تعليقات ساخرة أو ناقدة علي ما تكتبه. وتقول كارول إن هذه الظاهرة بدأت تنتشر بصورة كبيرة بين الطلبة في بريطانيا, وأن هذه الظاهرة مستوردة من الولاياتالمتحدة, حيث المناهج الدراسية وطرق التدريس تزرع في الطلبة هناك الروح الفردية وفي دراسة قمت بها مع الأستاذ جمال غيطاس عن استخدام فيسبوك في ثورة25 يناير, وجدنا ظاهرة تثير الانتباه وهي أن ثلث المشاركات والتعليقات المرتبطة بالثورة علي فيسبوك خلال ال18 يوما جاءت من صفحات كانت موضوعاتها قبل الثورة تحمل طابعا عبثيا وبلا معني وتسيطر عليها حالة من اليأس والقنوط والشطط, لكنها في لحظات الثورة تحولت لمتابعة الحدث الكبير والمشاركة فيه, تارة بالتعليق وتارة بالمتابعة وفي أحيان قليلة بالتعبير عن الرغبة في المشاركة علي أرض الواقع. فما معني ذلك؟!قد يكون حب الانتماء إلي قضية كبيرة جزءا من الإجابة, ولكن الأمر يحتاج إلي علماء اجتماع وعلماء نفس لتفسير الموضوع. وهناك ندرة في الدراسات عن المستخدمين العرب للشبكات الاجتماعية عموما وفيسبوك خصوصا, مع أن هناك نحو55 مليون مستخدم ل فيسبوك في العالم العربي, منهم نحو12 مليونا في مصر وحدها, أكثر من ثلثهم أعمارهم تتراوح بين18 و24 عاما. وهناك من يري أن فيسبوك تسبب في تلويث المعرفة والثقافة وأنه آلة ضخمة لإنتاج الشائعات ونشرها, لأن كثيرين علي فيسبوك يصدقون كل شيء ويقولون أي شيء دون تحقيق أو تدقيق, وأنه أرشيف ضخم من الثرثرة والصخب الإلكتروني يمكن أن يستخدمه علماء الاجتماع في المستقبل ليعرفوا كيف كان سبع سكان الأرض يضيعون وقتهم!!