رئيس الوزراء المكلف: برنامجنا الحكومى سيتركز على مكافحة الفساد الأعوام الأخيرة كانت الأسوأ في تاريخ العنف.. وبغداد أكثر دول العالم فسادا فى ما يبدو محاولة لنزع فتيل الأزمة السياسية التى تعصف بالعراق، قرر رئيس الوزراء المنتهية ولايته نورى المالكى، تخليه عن منصب رئيس الوزراء لصالح حيدر العبادى، معلنًا ذلك فى خطاب بثه التليفزيون الرسمى للعراق، كما أعلن عن تنازله عن الدعوى التى أقامها ضد رئيس الجمهورية فؤاد معصوم. وجاء قرار المالكى بعد تزايد الضغوط الداخلية والخارجية عليه للتنحى وبعد محاولات عدة بذلها من أجل البقاء فى منصبه، إذ اصطدم رئيس الوزراء المنتهية ولايته، بتخلى معظم الحلفاء عنه. المالكى قال فى الخطاب إن العراق كان يعيش فى عزلة عن العالم الخارجى وواجه موجة جديدة من الإرهاب فى أوائل 2012، مؤكدًا أن العراق استعاد دوره الإقليمى والدولى، مضيفًا: «أطلقنا مبادرات وحققنا قفزة نوعية فى المجالات كافة بإطلاق جولات التراخيص للنفط والغاز للمرة الأولى فى تاريخ العراق». كما أكد المالكى أنه لا يريد أى منصب حكومى، وأنه استبعد خيار القوة لتفادى العودة إلى الحكم الديكتاتورى. ودعا السياسيين إلى «استخدام الآليات الدستورية فى التعبيىر عن آرائهم»، كما تعهد بالبقاء على العهد فى الدفاع عن العراق وشعبه، مشيرًا إلى أن المستهدف كان العراق، لا المالكى. قرار المالكى بالتنازل عن المنصب، استقبلته الأوساط السياسية المحلية بنظرة تفاؤل، إذ اعتبر تيار الإصلاح الوطنى بزعامة إبراهيم الجعفرى، أن القرار سيكون سببا فى تسهيل خطوات تشكيل الحكومة المقبلة. وقال الحزب فى بيان له إن «تيار الإصلاح الوطنى يُحيى الموقف الشجاع المسؤول لنورى المالكى، والمتمثل فى دعمه لمرشح التحالف الوطنى حيدر العبادى». وعلى الصعيد الدولى رحبت الولاياتالمتحدةالأمريكية بقرار المالكى بسحب ترشحه لصالح العبادى، وكذلك الأممالمتحدة، التى اعتبرت أنها خطوة «تاريخية» للعراق. وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، قال: «إننا نحيى القرار المهم والمشرف لرئيس الوزراء المنتهية ولايته نورى المالكى، لدعم رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادى فى جهوده لتشكيل حكومة جديدة، بالإضافة إلى وضع برنامج وطنى يتسق مع الجدول الزمنى للدستور العراق»، واعتبر أن هذا القرار يهيئ لانتقال تاريخى وسلمى للسلطة فى العراق. وفى أول كلمة له بعد قرار المالكى، قال العبادى إن برنامجه الحكومى سيتركز على مكافحة الفساد المالى والإدارى، موضحًا: «نرغب فى ترشيق الحكومة وسنضع استراتيجية جديدة تتناغم مع الوضع الحالى». ميدانيًّا، أفاد مصادر فى محافظة صلاح الدين، أمس (الجمعة)، بأن خمسة مسلحين من «داعش» قُتلوا فى إحباط هجوم على مصفى بيجى شمال تكريت، موضحة أن «مسلحى تنظيم داعش قاموا فى ساعة متأخرة من الليلة الماضية، بقصف مصفى بيجى، بستة قذائف هاون، مما أسفر عن إلحاق أضرار مادية دون وقوع خسائر بشرية». وأضاف المصدر الذى نقلت عنه قناة «السومرية نيوز» العراقية: «المسلحون حاولوا الهجوم بعد ذلك على المصفى، إلا أن القوات الأمنية تمكنت من صد الهجوم وقتل خمسة من المهاجمين». التاريخ يعيد نفسه.. «كل حلفاؤك خانوك يا مالكى» جميع الفرقاء اتفقوا على الإطاحة بالرجل الذى واجه اتهامات بالعنصرية كتب- السيد سليمان: «كل حلفاؤك خانوك يا ريتشارد» جملة شهيرة أطلقها ملك إنجلترا وقائد الجيوش الصليبية ريتشارد قلب الأسد بعد اكتشافه المؤمرات التى أعدها حلفاؤه من ملوك وأمراء أوروبا للقضاء على حياته والتخلى عنه، وما أشبه الليلة بالبارحة فقد تخلى كل الحلفاء عن رئيس الوزراء العراقى السابق نورى المالكى. اتفق على الإطاحة بالرجل الذى واجه اتهامات بالعنصرية كل الأضداد أمريكا، وإيران، والسعودية، والمرجعية الشيعية، والسنّة على اختلاف ألوانهم السياسية، والأكراد. وإبان فترة حكم الرجل التى استمرت نحو ثمان سنوات لا يكاد يمر يوم فى العراق بهدوء ومن غير أن تعكر صفوه حادثة انتحارية، أو انفجار سيارة مفخخة أو قنبلة مزروعة على جانب طريق.. حتى صار العنف والقتل طبقا يوميا، على المواطن العراقى المغلوب على أمره أن يعتاده ويتعامل معه على أنه أمر واقع معيش. وطبقا للتقارير العالمية، فإن الأعوام الأخيرة، وتحديدا عام 2013، تعد الأسوأ فى تاريخ العنف بالعراق منذ عام 1985 أيام الحرب العراقية - الإيرانية. فخلال شهر واحد وهو يوليو الماضى سقط أكثر من 3383 قتيلا وجريحا، وهى الحصيلة الأكثر دموية فى البلاد منذ سنوات. وظهر المالكى فى التليفزيون الرسمى وبجانبه العبادى وساسة شيعة آخرون متحدثا عن خطر «إرهابى» كبير يشكله متشددو تنظيم الدولة الإسلامية. وقال: أعلن أمامكم اليوم ولتسهيل سير العملية السياسية ولتشكيل الحكومة الجديدة سحب ترشيحى لصالح الأخ الدكتور حيدر العبادى، وكل ما يترتب على ذلك، حفاظا على المصالح العليا للبلاد. أما على صعيد الحصاد الاقتصادى للرجل، فإن آخر تقرير لمنظمة الشفافية العالمية لهذا العام احتل العراق المرتبة الأولى، فبين أكثر دول العالم فسادا، وإن وعود رئيس الحكومة عام 2011 بمكافحة الفساد لم تنجح نتيجة سيطرة الإرادات السياسية على مؤسسات مكافحة الفساد. وتوقعت المنظمة الدولية أن يشهد العراق تحديات فساد كبرى بمجال النفط فى الفترة المقبلة، بسبب سياسات الحكومة الخاطئة. ثم أضافت المنظمة أن 25% من الشعب العراقى تحت خط الفقر، وأن نسبة البطالة ازدادت بمعدل 20 فى المئة فى الفترة الأخيرة. وانتُخب المالكى لتشكيل أول حكومة عراقية دائمة منتخبة فى شهر مايو من عام 2006، وذلك بعد أن تخلى رئيس حزب الدعوة الإسلامية رئيس الحكومة إبراهيم الجعفرى عن ترشيحه للمنصب بعد معارضة شديدة من الكتل السنية والكردية له. وكان الوضع الأمنى فى بداية ولايته قد أصبح أكثر سوء، حيث بدأت عمليات الخطف والتهجير والقتل الطائفى فأطلق فى عام 2007 خطة لفرض القانون، وكان من بين أعمال هذه الخطة عملية صولة الفرسان على ميليشيات جيش المهدى فى البصرة والناصرية وبغداد وبعض المحافظات التى كانت شبه خاضعة لسيطرة الجماعات المسلحة، وعمليات أم الربيعين فى الموصل، وذلك لتفكيك تنظيم القاعدة، بالإضافة إلى عدة عمليات عسكرية فى المناطق الساخنة إلا إنها باءت فى معظمها بالفشل. وعاش المالكى فى سورياوإيران لسنوات عدة بعدما غادر العراق فى مطلع الثمانينيات بسبب نشاطه فى صفوف حزب الدعوة. وولد رئيس الحكومة العراقية المتنحى فى الحلة بوسط العراق عام 1950، ودرس فى كلية أصول الدين وحصل على شهادة ماجستير فى اللغة العربية. عاد المالكى أخيرا إلى اسمه الحقيقى، وهو نورى كامل المالكى، بعد أن ظل يُعرف باسم جواد المالكى، وهو يُكنّى بلقب «أبو إسراء» وقد حمل هذه الأسماء البديلة خلال فترة عمله كمعارض ضد النظام العراقى السابق. وقد غادر المالكى العراق فى العام 1980، بعدما صدر بحقه حكم بالإعدام، وتوجه مع عدد كبير من قيادة حزب الدعوة إلى إيران. ولكن فى منتصف الثمانينيات غادر المالكى إلى سوريا مع الجعفرى بعد الانشقاق الذى أصاب حزب الدعوة وقسمه إلى جناحين أحدهما مؤيد لإيران والثانى رفض الانضمام إلى صفوف الجيش الإيرانى لمقاتلة الجيش العراقى خلال الحرب بين البلدين فى الثمانينيات. وينظر إلى رئيس الوزراء الجديد حيدر عبادى على أنه شخصية أقل استقطابا ولديه فرصة لتوحيد العراقيين ضد المسلحين الذين سيطروا على أجزاء كبيرة من البلاد فى الشمال والغرب، بما فى ذلك أكبر سد فى العراق وخمسة حقول نفطية. وإعلان المالكى سيرضى على الأرجح الأقلية السنية، التى هيمنت على العراق خلال حكم صدام حسين، لكنها تعرضت للتهميش على يد المالكى، الذى كان شخصية غير معروفة نسبيا عندما تولى السلطة عام 2006 بدعم أمريكى قوى.