رغم أن الصدف والظروف قد ساعدت على وجود بعض العلاقات المميزة التى قد تساعدنى على تخطّى بيروقراطية الدولة، ورغم وجود مكتب تشهيلات مرورية رسمى داخل النادى، يريحك من العناء مقابل مبلغ مادى معقول، ورغم وجود أفراد تشهيلات يستخدمهم أصدقائى لنفس الغرض، لكن ربما لسذاجتى اعتقدت أن الأمور قد تغيرت، وأن من حق المواطن العادى أن يحصل على معاملاته دون تعنت، وفعلا فعقب الثورة مباشرة فى 2011 ذهبت لترخيص سيارتى، وكان يوما سهلا، وتعاملا إنسانيا وتغيرا حقيقيا ملحوظا، ذهبت لترخيص سيارة زوجتى من شهرين فى مرور زايد، لم يكن مرهقا كثيرا، ربما لأن مرور زايد ليس عليه ضغط، وإن كانت المخالفات من مرور أكتوبر، أخذت يوما مستقلا، وبسبب وقوع السيستم (لأن السيستم فى مصر لسه تاتا أبح فبيقع كتير)، المهم ثلاثة أيام كاملة. ومنذ أسبوع ذهبت لتجديد رخصة سيارتى، وإن كان الموضوع خاصا لكنه يأخذ صفة العام، لأن فى مصر 7 ملايين مركبة، هذا غير الدراجات البخارية والتروسيكلات والتكاتك، هذا غير الرخص الشخصية التى ربما تتجاوز الأربعين مليون رخصة، بمعنى أصح معظم الشعب المصرى يتعامل مع هذا المرفق المهم، لاحظت عودة تناكة الموظفين إلى درجاتها العليا، ساعتين فى أول يوم لاستخراج الملف، حيث من الضرورى أن يكتب لك الموظف ورقة بها رقم السيارة وتوقيعه، وكأننا من الأميين، ويتلكأ الموظف لمدة ساعة حتى يستخرج لك الملف، وكل هذا لزوم الشىء، حتى يصبح لمكاتب التشهيلات وأفراد التشهيلات قيمة فى ما يقومون به، ونحن نراهم يذهبون ويجيئون بأوراقهم من خلف الحاجز الزجاجى. وحتى يصبح لحضور الآنسة رشا ضرورة، فى اليوم التالى ذهبت للمهندس فى الشباك رقم 11 الخاص بمطابقة البصمة، من الثامنة والربع وأنا أنتظره، حضر فى التاسعة والربع، فقال لى أين الملف؟ فقلت له لقد استخرجته أمس، قال لى، أمس إجراء، واليوم إجراء آخر، فقلت له، فلتعطنى ورقة، فأجاب بالرخصة، ذهبت ووقفت فى الطابور مدة طويلة، حتى وصلت إلى العسكرى، فقال لى أين الورقة؟ فقلت له بالرخصة، فقال لى، لازم الورقة من الموظف، وهنا فلتت أعصابى واقتحمت مكتب المقدم معتز الضبع، وكان عنده الموظف إياه، فقلت غاضبا، يعنى يرضيك يا باشا، أقف من الثامنة والربع، ويأتى الموظف فى التاسعة والربع، فقال لى ومين قال إن الموظف موعده الثامنة والنصف؟ فقلت له، أمال كام يا باشا؟! فقال لى العاشرة! (حكومة نظيف كانت الثامنة والنصف، وقالوا عن حكومة محلب إنها حكومة الساعة السابعة، لكن هناك جزرا منعزلة فى مصر حكومتها فى العاشرة)،ليس موضوعنا يا باشا، أنا قلت له أعطِ لى ورقة، فقال بالرخصة، وبعد نصف ساعة فى الطابور طلعت بالورقة، فقال لى بسيطة، خصوصا أن غضبى قد ازداد، وبدأت تحتدّ نبرة صوتى، وكتب الموظف الورقة، ورجعت لأقف فى الطابور مرة أخرى، لكننى كان قد ارتفع صوتى فى المرور، معلنا عن الغضب العارم. وبعد ساعة جاء الملف أمام الموظف، وأخذ يقول إن الماتور محتاج رفع، لكن حتى لا تقول إننى أضطهدك، هعدّيها، وكنت أمام أمرين، أتحدّاه واضطر لاستدعاء بعض العلاقات المميزة، أو أتركه يبعبع ويخرج ما فى جعبته، قال: إحنا بنعرف ربنا، وأنا لو طحنت مواطن وكومته من اللى موجودين بره دول (والكلام ليكى يا جارة، أخد ثلاثة أيام جزا ب35 جنيها طز). ولولاش شوية الصيع اللى نزلوا التحرير ثلاث سنين وبوظوا البلد ماكانش حصل كده (يقصد ما كانش صعلوك مثلى يستطيع التطاول داخل مرفق للداخلية)، هذه هى العقيدة العائدة من جديد وبقوة، وبعد ذلك أخذت الرخصة 6 أشهر فقط رغم تقديمى على ثلاث سنوات، وعندما سألت عن السبب؟ قالوا عندما يأتى الملف من أكتوبر لزايد، سألت عن المدة، فقالوا 6 أشهر، أنا عملت لك استعجال، (المسافة من أكتوبر لزايد 10 كيلو) 6 شهور بالاستعجال، ومش بعيد يحرقوا الملف بعد هذا المقال، المرور هو الترمومتر الحقيقى للعلاقة بين المواطنين والشرطة.. إن شاء الله البلد هتنضف، بجهد جيل من الشباب لن يسمح بغير ذلك، سيادة الرئيس ما زال أمامك عمل كثير.