توصلنا إلى استنتاج مؤداه أن مشكلة الحياة السياسية فى مصر تتمثل فى النخبة المدنية، فقد نكبت مصر بنخبة مدنية منتهية الصلاحية، تقادمت عمريا وشاخت سياسيا، عملت فى غالبيتها الساحقة ضمن نظام مبارك، وبعضها امتد به العمل إلى نظامى عبد الناصر والسادات، منهم من عمل مع الجماعة وتعاون مع مرسى ونسق مع التيار السلفى، منهم من لا يؤمن بالديمقراطية، ولا علاقة له بالتنوع والتعدد، لا يتورع عن اللعب بأوراق قميئة سبق ولعب بها نظاما السادات ومبارك وهى ورقة الطائفية البغيضة، منهم من كان –ولا يزال– غارقا فى الفساد بكل مكوناته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. جثمت النخبة التى شاخت على مقاعدها وتلك التى جاءت من عالم البيزنس، لا سيما المرتبطة بشبكات فساد ضخمة، على أنفس أحزاب سياسية، شكلت شللا حولها، وأدت فرص أجيال عديدة، أحاطت نفسها بجيل أصغر تربى على قواعد عمل النخبة الأكبر سنا والأثرى ماليا، وبدت مستعدة للجلوس عند أقدام الصف الأول. السؤال هنا هل لدى هذه الأحزاب صفوف تالية من الشباب النقى المحب لبلده والقادر على تقديم نموذج مغاير فى القيادة والعمل السياسى؟ الإجابة بالقطع هى نعم، ولكن هذه النماذج المعتزة بذاتها والتى تملك رؤية وطنية تتعرض للتهميش داخل الأحزاب السياسية، بل تتعرض للإقصاء لحساب دراويش قادة الأحزاب والذين يسيرون وفق تعلميات القيادة وتوجيهاتها، وهو أمر فى حال استمراره يرجح إلى استمرار أزمة الأحزاب السياسية المدنية لفترة طويلة ممتدة. فى تقديرى، إن معالجة مشكلات وأزمات الأحزاب المدنية تتمثل فى تغيير القيادة فى غالبية هذه الأحزاب، وتولى جيل جديد من الشباب مهام القيادة، هذا هو الوضع الطبيعى الذى يحدث فى كل الأحزاب على مستوى العالم، ولكن الآفة المصرية الخاصة بحب السيطرة والاستمرار فى المواقع تفعل فعلها، بحيث نجد أجيالا شاخت على كراسى السلطة والمعارضة أيضا، مع مقاومة شديدة للتغيير، استخدام سياسة العصا والجزرة فى التعامل مع الهيئة الناخبة داخل الأحزاب، والتنكيل بمن يجرؤ على الترشح فى مواجهة المسيطر، ومثلما يلاحق النظام معارضيه الذين يترشحون فى مواجهة رجاله، هكذا يفعل بعض قادة الأحزاب السياسية. وفى تقديرى أيضا أنه لا مستقبل للحياة الحزبية فى مصر إلا بتبلور تكتلات شبابية داخل بعض من هذه الأحزاب، التخلص من ميراث الكبار، الاتفاق على بدء عملية تداول حقيقى للسلطة داخل الأحزاب السياسية على النحو الذى يضخ دماء شابة إلى قمة هرم هذه الأحزاب، ومن ثم يتم إنهاء ظاهرة التشبث بالكراسى على قمة الأحزاب السياسية المدنية. إن ما جرى من تغيير فى مصر على مدار السنوات الثلاث الماضية قد فتح الطريق أمام توسيع إطار النخبة السياسية، بعد أن كانت مغلقة بقوة فى عهد نظام مبارك، فقد جرى ضخ دماء جديدة، وحدث «تدوير للنخبة»، بحيث تقلد المناصب شخصيات كانت مستبعدة تماما من قبل نظم الحكم السابقة، كما جرى النزول بسن الترشح لمواقع عديدة فى الدولة، بقى أن تجتاح هذه الظاهرة الأحزاب السياسية المدنية، فتعصف بشخصيات شاخت على مواقعها، وتضخ دماء جديدة فتنتعش هذه الأحزاب بعد أن ذبلت على يد نخب شاخت على مواقعها وأفسدت الحياة السياسية بعد أن لوثت الاقتصادية.