تبدو النخبة السياسية الطافية على سطح الاحداث السياسية فى مصر طوال السنوات الثلاث الماضية فاقدة للقدرة على فهم الواقع الشعبى المتفاعل بقوة والمتثبث بالتغيير وتحقيق مصالب الثورة المستمرة . وعلى الرغم من تدفق الوعى والحماس لدى الجماهير التى تجاوزت اعدادهم ال 45 مليونا مع رغبتهم العارمة فى المشاركة الاجتماعية والسياسية لبناء مستقبل افضل لمصر والوطن العربى والانسانية كلها الا اننا نرى النخبة السياسية مريضة ومشتتة وجزئية فى مواقفها وعاجزة عن التواصل الفاعل مع الجماهير وخلافا للثابت بعد الثورات الشعبية الكبرى المعادلة عندنا مقلوبة حيث افرزت الثورات فى مصر ودول الشرق والغرب افراد وقوى سياسية جديدة يصعدون على قمة الاحداث برؤى نوعية واداء فاعل وتاثير شامل فى المجتمع .. وقد اكدت دراستى عن النخب المصرية ان الثورات الشعبية فى مصر منذ ثورة القاهرة الكبرى ابان الحملة الفرنسية 1798 مرورا بثورة عرابى 1881 ثم بلورة معنى الولاء الوطنى مع مصطفى كامل 1907 وبعده ثورة سعد زغلول- عدلى يكن 1919 فثورة الشعب فى 1936 وطوال الاربعينيات ثم ثورة يوليو 1952 بقيادة الزعيم عبد الناصر قد لعبت كل منها دورا بارزا فى انتاج النخبة والقيادات السياسية المعبرة عن كل من تلك الثورات عبر فرز شعبى طبيعى وصادق ، ولم نرى ثورة منهم تقع قياداتها فى خطيئة الاعتماد على عناصر من النخبة التى قامت ضدها الثورات كما يحدث مع الثورة المصرية المستمرة من يناير 2011 حتى الان ، ويبدو اننا امام كشف قديم باسماء محددة غالبيتها معطوبة وفاشلة وفاسدة ويتعمد اصحاب القرار والسلطات المختلفة فى مصر الاختيار منه رغم الثورتين والتفويض والدستور المتفق عليه وتشكيل 5 وزارات وسقوط رئيسين وحالة الحرب ضد الارهاب التى نعيشها والتى تهدد الاستقرار والخلل الجوهرى الذى اصاب نخبتنا السياسية تعود جذوره الى فاروق اخر ملوك مصر قبل ثورة يوليو حيث توسع فى انتاج النخبة المصنوعة عبرشراء ولاء المعارضين بعطايا ومبالغ مالية – الجعل – ليكون الولاء للملك .. كما لعب الاستعمار الانجليزى ذات اللعبة لكسب تاييد السياسيين الفاسدين له ، وكانت السرايا تختار افرادا من ذات الاتجاه السياسى وتساعدهم على انشاء حركات واحزاب مشابهة للحزب الاصلى ( انشقاقات حزب الوفد واحزاب القصر نماذج واضحة ) او تدعم صحفا بعينها ترفع الشعارات الوطنية وتلعب دورا لصالح الاستعمار ( صحيفة اللواء للشيخ على يوسف نموذجا ) .. واستمرت الظاهرة بعد ثورة يوليو ولكن بهدف اخر يقوم على استيعاب الدولة واجهزة النظام الناصرى للمعارضين ضمن منظومة المصلحة العامة للدولة والدعم للنظام السياسى فوجدنا عدد من الاخوان الذين شاركوا فى اغتيال عبد الناصر 1954 تابوا واصبحوا من العاملين فى مؤسسة الرئاسة وكذا قيادات اليسار المصرى التى اقتنعت بوطنية التجربة الناصرية تحل احزابها السرية عام 1964 والليبراليون ومنهم الوفديين وقيادات الحزب الوطنى الجديد وانضموا جميعا بوعى واقتناع لاجهزة الدولة ومنها الرئاسة والصحافة والخارجية والثقافة والاتحاد الاشتراكى الحاكم وغيرها وايدوا الدولة الوطنية المصرية فى مشروعها النهضوى الاستقلالى العروبى وصعد منهم الوزراء والقادة السياسيين فى مختلف القطاعات . وبعضهم ضمن افراد النخب المصرية الحالية ممن يعظمون الولاء الوطنى رغم اختلافاتهم السياسية . ثم جاء الرئيس السادات واستخدم ذات السياسة من استيعاب المعارضين داخل عباءة الدولة ولكن بطريقته الخاصة حيث غير مسار عبد الناصر واستعاد الاليات السياسية الملكية فتوقف عن احترام الفرز الطبيعى للنخبة السياسية والذى كان يتم عبر العائلات الممتدة والتفوق العلمى والفرز المؤسسى والولاء للوطن ولجا الى اسلوب صناعة النخب الموالية له حتى انه استدعى الاخوان المسلمين واعطاهم المناصب والامكانيات واطلقهم على الشعب يخربون لمصالحهم الخاصة حتى اغتالوه فى النهاية ولكن مازال منهم – حنى الان - من يتقلد المواقع النخبوية فى اجهزة الدولة والاقتصاد ويعمل بداب ضد مصلحة الشعب ويدعم الارهاب الاسود ماديا ومعنويا ويحسب للسادات انه كان يدرك بدقة اتجاه الراى العام ولكن بطريقته الخاصة فاذا كان الراى العام يميل الى الديموقراطية وانشاء الاحزاب صنع السادات والدولة احزابا متنوعة وبقيادات يرضى عنها السادات حيث انشاء ثلاثة منابر داخل الاتحاد الاشتراكى 1974 ثم قرر تحويل المنابر لاحزاب ويصبح فى مصر ستة احزاب فقط ( الوطنى والعمل والاحرار والتجمع والامة وانضم الوفد اليها بحكم قضائى ) ومن يريد ممارسة السياسة عليه الانضمام لها والالتزام بقيادتها المختارة رئاسيا والتى استمرت فى مقاعدها بلا تغيير الا بالوفاة .. واستمر الرئيس المعزول مبارك على ذات النهج مع تشويه نوعى فى التطبيق حيث سمح بقيام احزاب بادارة امنية خالصة فاضاف عقما جديدا لصناعة النخب السياسية حيث حدد انشطتها وعوق برامجها وعزلها جميعا عن الشارع على الرغم من ان عدد الاحزاب بلغ 24 حزبا قبل ثورة يناير 2011 .. ويبدو ان السادات ومبارك لم يفكرا فى دعم النخب السياسية الطبيعية الوطنية او استخدام السياسة فى مواجهة الازمات وتوحيد الامة ودعم النظام السياسى ومقومات الدولة الوطنية ، بل اعتمدا على المواجهات الامنية فقط وهذا ما اضاف نوعية مصنوعة جديدة للنخب المصرية بتصعيد بعض القيادات المعدة للعمل الامنى لتلعب ادوارا سياسية واخفقت – فى الاغلب - فيما لاتعرف عنه شيئا وبعدا اخر اثر فى نوعيات النخبة المصنوعة التى نراها اليوم تمثل فى تعمد بعض الدول الاجنبية لعب ادوارا سياسية فى مصر لاهداف خاصة وراينا فى نهاية التسعينيات نرى تحالف قلة من الاحزاب والمنظمات المصرية مع نظرائها فى الغرب ، وعبر شعار دعم الديموقراطية وتتدفق اموال التمويل من الاحزاب والمنظمات عابرة القارات بلا تدقيق من الممول او الدولة المصرية فنشا فى مصر فصيل يحترف السياسة الممولة وهو صناعة خارجية بملامح مصرية وبلا عمق اورؤية تجسد الولاء الوطنى ينقلون بلا فهم ويعولمون بلا حرص على الخصوصية المصرية اما الجانب الايجابى فى النخبة السياسية المصرية فهم نتاج فرزثورة الشعب المصرى الممتدة ضد الظلم والفساد والتبعية والتى انفجرت فى وجه السادات فى 1977 ثم ضد مبارك منذ عام 1986 حيث افرزت نخبا طبيعية شابة متميزة ومتنوعة التخصصات عبر الحركة الطلابية والاحزاب السرية الناصرية والشيوعية والاسلامية ونخب الكفاءات عبر المؤسسات الجامعية والتخصصية ونخب المبدعين عبر شلل المثقفين والفنانيين والكتاب والصحفيين ومعظمهم تعرض لعمليات مطاردة وتشويه واحيانا ترويض واحتواء من السلطة والنخبة المصنوعة ذاتها هذه هى امراض النخبة التى ورثناها من الحقب السابقة وتنهش فى بناء واداء النخبة السياسية المصرية التى تقود الراى العام بعد ثورة يناير .. فى مواجهة نخبة ثورية شبابية جاءت بالثورة ومعها تفتقد الخبرة وتتطلع الى مستقبلها بعناد وداب .. يجب ان نواجه نخبتنا السياسية الطافية على السطح بامراضها المزمنة واخطائها الفادحة حيث تؤدى مواقفهم الملتبسة والمتناقضة الى مزيد من الصراعات والانقسام وتعويق العطاء الجمهيرى واستقرار الدولة .. لقد ان الاوان لتقديم نخب جديدة وطنية قادرة على الفعل السياسى لتقود الشعب فى طريق تحقيق مطال ثورته الانسانية خلف رئيسه المنتخب .. لان الحرب ضد الارهاب تحتاج رجالا ولاؤهم للوطن والمواطن قادرين على مواجهة التحديات ومعهم شعب يصنع دائما المعجزات ولا يرفض القيادات المصنوعة .. والله غالب