انتهى اجتماع باريس بين وزراء خارجية فرنسا وأمريكا وتركيا وقطر بحضور الاتحاد الأوروبى والأممالمتحدة، بالفشل، لم ينجح المجتمعون فى الوصول لأى صيغة غير بعض مناشدات لهدنة دون أى ترتيبات. مصر التى لم تكن حاضرة فى اجتماع باريس، أطلقت أول وآخر المبادرات المعلنة للتهدئة، لكنها لم تمنع أحدًا من العمل على مبادرة أفضل. حين أطلقت مصر مبادرتها كان عدد الضحايا أقل بنحو 70% على الأقل من العدد الحالى الذى يتجاوز الألف قتيل، بعض الأطراف الإقليمية اكتفى بشن الهجوم على مصر، دون أن يثبت قدرته على تحقيق بديل واضح. بمرور الوقت وزيادة عدد الضحايا، وارتفاع فاتورة الدم والمجازر التى ترتكبها قوات الاحتلال، تتحول المبادرة المصرية من ورقة ضغط على مصر، تُهان بسببها على المنابر الإعلامية التركية والقطرية، وتتعرض للهجوم بسببها، إلى قيد كبير على معارضيها الذين لم يعد أمامهم خيار سوى جلب مبادرة أفضل، وإقناع الرأى العام بأن رفضهم للمبادرة المصرية لم يكن مجرد نكاية فى النظام المصرى لا علاقة لها بمصلحة القضية فى غزة. وحتى هذه اللحظة لم تظهر أى جهود بعيدة عن مصر تثمر بأى قدر، ولم يعد مفهومًا ما الأهداف التى تريدها الأطراف المعارضة لمصر، إذا كان كل ما تطرحه مصر لا يلقى صدى ولا استجابة منهم، وفى الوقت نفسه حين يتحركون دون مصر لا ينجحون فى الوصول لأى شىء. حتى إننا اليوم بينما يبدأ عيد الفطر المبارك ويستقبله شعب غزة وسط الدمار والقتل، تحدثت مصر عن هدنة إنسانية على الأقل لمدة أسبوع تسمح للمواطنين بالتقاط الأنفاس فى أيام العيد، وتسمح فى الوقت نفسه بتعزيز الجهود لتحقيق التهدئة الأكثر استقرارًا، لكن حماس تحدثت عن هدنة 24 ساعة فقط، بعد خرق إسرائيل هدنة أعلنتها مدتها أيضًا 24 ساعة فقط. إذا كانت الأطراف جميعها لديها وعى أن أيام عيد الفطر تبدأ، والأطراف جميعها لديها وعى بضرورة الدخول فى هدنة إنسانية فى هذا التوقيت، فما الضرر فى إعلان قبول المناشدة المصرية بهدنة 7 أيام، وقبول مناشدة الأممالمتحدة بهدنة 24 ساعة، هل فى الأمر منطق سوى رفض أى اقتراح مصرى لمجرد الرفض؟ تتلاقى الأهداف فى ضرورة وقف القتال وتخفيف معاناة أهل القطاع ورفع الحصار وفتح المعابر، بما فى ذلك مبادرة التهدئة المصرية المبكرة، لكن مصر وحدها قدمت إطارًا لتحقيق ذلك رغم كل تحفظات الأطراف الأخرى عليها، ولم تمنع الآخرين من بذل الجهد لتحقيق ما يعتقدون أنه أفضل، ويتلافوا ما يرونه من عيوب فى الحلول المصرية. لكن هذه الأطراف تبذل من الجهد فى الهجوم على مصر أكثر مما تبذل من جهد لوقف القتل فى غزة، تحاول تهميش مصر بينما تبدو عاجزة عن الحركة دونها، وتحاول تسفيه المطروح مصريًّا بينما لا تطرح ما هو أقيم، ولا تستطيع إنجاز ما يحقق تلك الأهداف المعلنة الكبيرة من رفض الاقتراحات المصرية المتوالية. البعض فى مصر يعتقد أن هناك حلا يمكن أن يتعزز من دون حماس، وهو أمر بعيد عن المنطق باعتبار الحركة هى الطرف الذى يقاتل على الأرض، لكن هناك من يعتقد أنه قادر على جلب حل دون مصر، يحاول ويحاول وينتهى إلى لا شىء، ومع ذلك يعتقد أن كل أهميته وبطولته وتأثيره الإقليمى فى المنطقة يتحقق فقط من الهجوم على مصر.