140 مليون جنيه.. تكلفة إنتاج «سرايا عابدين» تكلَّف مسلسل «سرايا عابدين» 140 مليون جنيه، حسب تصريحات شركة الإنتاج، وهذا المبلغ يقارب خمسة أضعاف تكلفة بناء قصر عابدين نفسه قبل 151 عامًا، تكلَّف قصر عابدين الحقيقى 700 ألف جنيه فقط، بالإضافة إلى مليونَى جنيه تم إنفاقهما على الديكورات والأثاث، فى عام 1863 طلب الخديو إسماعيل من المهندس الفرنسى روسو، بناء قصر ليكون مقرًّا للحكم على أنقاض قصر صغير امتلكه عابدين بك الأرناؤوط وهو قائد عسكرى وسياسى خدم مع محمد علِى باشا، ومات قبل بداية بناء القصر بنحو 36 عامًا، اشترى إسماعيل باشا منزل عابدين بك من أرملته وتم تسمية القصر باسم «عابدين»، تكريمًا للقائد الذى خدم بإخلاص محمد علِى، أنقذ عابدين بك محمد علِى من مخطط لاغتياله حينما كشف له عن مؤامرة تستهدف حياته، وقاد حملة مصرية أرسلها محمد علِى لمحاربة الحركة الوهابية فى الجزيرة العربية، لكنه هُزم، لاحقًا أصبح محافظًا للمنيا ثم حاكمًا لدنقلة بالسودان، ومات فى عملية تمرّد. قصر عابدين فى الدراما من الأمور التى يركِّز عليها مسلسل «سرايا عابدين» أجواء وكواليس القصر الداخلية، حكايات الخدم والحشم ومطبخ القصر والوصيفات، وهى حكايات مصادرها التاريخية شحيحة للغاية، إذ إن أغلب التاريخ المكتوب عن هذه الفترة يركِّز على الأحداث التاريخية والسياسية، وربما لهذا المسلسل مُتَّهم باستلهام هذه الأجواء من الأجواء التى قدَّمتها الدراما التاريخية التركية، مثل مسلسل «حريم السلطان». يمثّل قصر عابدين تاريخيًّا نقطة تحوُّل تاريخية للمصريين، إذ هبط الحاكم من مقره العالى المحتجب عن العامة فى القلعة ليقيم فى قصر الحكم فى وسط القاهرة، وجعل هذا الأمر من السهل على العامة الوصول إلى قصر الحكم، وصل إليه الزعيم أحمد عرابى عام 1881، إذ قدّم مطالب الأمة والجيش للخديو توفيق، وقد ظهر قصر عابدين ضمن أعمال درامية أخرى، لعل أشهرها مسلسل «بوابة الحلوانى» الذى تكوَّن من ثلاثة أجزاء عُرض أولها عام 1992 وكتبه محفوظ عبد الرحمن وأخرجه إبراهيم الصحن، وتناول على عكس «سرايا عابدين» تاريخ مصر من خلال خطين دراميين، الأول يتناول فترة حكم إسماعيل باشا، وجسَّد دوره الممثل محمد وفيق، والخط الدرامى الثانى تناول الحياة اليومية للمصريين من خلال عائلة الحلوانى التى عاشت فى قرية فرما التى أصبحت مدينة بورسعيد بعد حفر قناة السويس، كما ظهر القصر فى أعمال أخرى، منها مسلسل «الملك فاروق» الذى كتبته لميس جابر وأخرجه حاتم علِى، وجسد فيه الممثل تيم الحسن دور الملك فاروق، وأبرز المسلسل الحادثة الشهيرة لمحاصرة دبابات الجيش الإنجليزى لقصر عابدين، لتخيير الملك بين الموافقة على حكومة النحاس باشا أو التنازل عن العرش. أخطاء بالجملة الاتجاه العالمى فى تقديم الدراما التاريخية يميل بشكل كبير إلى الالتزام، إلى حد الوسوسة، بتفاصيل الواقع حتى يتقبَّل المشاهد خيال الكاتب الذى يقدم حوارًا بين شخصيات تاريخية، لا أحد يمكن أن يؤكد على وجه الدقة انفعالات شخصيات جلست وتحاورت فى غرف مغلقة، لكن هناك صورًا وربما فيديوهات أو حتى آثارًا مادية لأثاث هذه الغرف وطرازها المعمارى وألوانها، هناك معلومات حول الثقافة والأدب والفنون فى كل عصر وزمن، ولا يليق بعمل فنى يتحرَّى الدقة التخلِّى عن أهمية التفاصيل، تخيَّل أنك تشاهد فيلمًا تم إنتاجه حديثًا تدور أحداثه فى السبعينيات والبطل وأصدقاؤه يستمعون إلى أغانى حميد الشاعرى ومحمد فؤاد ونوال الزغبى وغيرهم من نجوم الغناء فى التسعينيات، ألن يثير هذا عجبك؟ هذا ما حدث مع اختلاف الزمان والموسيقى فى الحلقة الثالثة من «سرايا عابدين»، وفى حفل عيد ميلاد الخديو إسماعيل رقم 30، حيث عزفت الفرقة الموسيقية جزءًا من الحركة الثالثة من السيمفونية الثالثة للموسيقار النمساوى يوهان برامز، وهو أمر يستحيل تاريخيًّا وخطأ لا يمر على المراجع الموسيقى للعمل الذى يتناول فترة تاريخية غنية فنيًّا تدور فى قصر والى مصر، البذخ الشديد فى الإنفاق على عمل ملحمى ملىء يجعل من الصعب قبول أخطاء تاريخية وفنية، العمل يتناول الخديو إسماعيل الذى كان مولعًا بالفن التشكيلى والموسيقى والعمارة، وقد حكم الخديو إسماعيل مصر من سنة 1863 حتى 1879، فى حين أن برامز لم يؤلِّف سيمفونيته الثالثة إلا سنة 1883، أى بعد عزل الإنجليز للخديو إسماعيل من الحكم بأربع سنوات، وبعد حفل عيد الميلاد الثلاثين للخديو بثلاثة وعشرين عامًا، هذا النموذج من الأخطاء تكرَّر فى حالات أخرى، منها بداية بناء قصر عابدين، حدثت والخديو إسماعيل عمره 33 عامًا، وحينما انتهى العمل فى بنائه بعد 10 سنوات وأقام فيه بالفعل وعمره 44 عامًا، وقد برَّر البعض هذه الأخطاء بجملة وضعها صُنَّاع العمل على التتر، وهى أن العمل مستوحى من أحداث تاريخية، وهذا التنويه كما يفهمه أى متخصِّص فى الدراما على أنه مبرر يمنح كاتب العمل حرية تخيّل تفاصيل داخل العمل وليس حرية العمل دون تدقيق، فمن المباح للكاتب تخيّل تفاصيل الحوار بين الشخصيات أو حتى استحداث شخصيات ثانوية تسهم فى العمل دراميًّا دون أن يتم تحريف الحقائق العامة المجردة، ولأن «سرايا عابدين» الذى كتبته الكويتية هبة مشارى حمادة، عمل تاريخى ملحمى مبنى على شخصيات معروفة وتواريخ لا يختلف عليها أحد، فمن غير المفهوم إهمال مراجعة تلك التفاصيل قبل العمل الذى تكلَّف ملايين ويحمل بالفعل صورة فخمة وأنيقة وحشدًا هائلاً من النجوم والديكورات لا يتكرَّر بسهولة، ربما لا تعنى المشاهد غير المدقق تفاصيل مثل زمن إنشاء القصر أو زمن تأليف مقطوعة موسيقية أو الإتيكيت المتبع وقتها الذى شهد على سبيل المثال مناداة الخديو بلقب جلالتك بدلاً من جناب الخديو أو مولاى الخديو، حصل إسماعيل باشا على لقب «خديو» عام 1867 أى بعد أحداث الحلقات الأولى للمسلسل، وهو أول مَن يحصل على هذا اللقب الذى يعنى الأمير أو صاحب الرفعة، فى حين لقب صاحب الجلالة يصاحب فى العادة الملوك والسلاطين، وقبل حصوله على لقب خديو كان والى مصر ويُناديه مَن حوله بهذا اللقب، ومثل هذا الخطأ وغيره غريب بالفعل على عمل تاريخى تم تحقيقه والإنفاق عليه ببذخ. هناك أحداث أخرى تتجاوز المنطق التاريخى، منها إجراء طبيب القصر صلاح عبد الله، للجارية الجديدة «شمس»، غادة عادل، عملية تعيدها بِكرًا وهى عملية لم تظهر فى مثل هذا الزمن.