من العنوان تتضح الفكرة الرئيسية للمقال فسوف اتناول قرار إزالة فيلم حلاوة روح من دور العرض ولا استطيع أن استخدم تعبير "منع" لأنه عُرض ووقعت الواقعة وحقق السبكي الإيرادات المطلوبة ليخرج لنا لسانه مجددا. الغريب أن يعيد الدكتور محلب هذا الفيلم للرقابة مرة أخرى رغم موافقة الرقابة بالمرة الأولى على هذا الفيلم وإجازة عرضه دون حذف فهل يعني ذلك أن الرقابة إن حذفت المشاهد الساقطة والخليعة سوف يكون استجابة لضغط حكومي وليس لأنها مقتنعة بانحطاط هذا الفيلم وتأثيره على القيم والآداب العامة؟؟ وهل قام الدكتور محلب برؤية الفيلم أم خشى أن يقول الجمهور قد أجازوا " حلاوة روح " و منعوا " نوح " رغم إجازته هو الآخر من قبل المصنفات الفنية ورفض الأزهر له؟ وكم اشعر بالحزن أن قضية هيفاء باتت قضية رأي عام تفرد لها القنوات مساحات عريضة في محاولة لإلهاء الرأي العام عن قضايا أكثر أهمية ولا اعني بكلامي أن الإبداع الفني وعلاقته بالأخلاق ليس له أهمية ولكن الفيلم قد اٌفرد له حجما أكبر من قدره لتناول قرار منعه في وقت حُجب بها تناول قضية أكثر أهمية مثل استخدام الفحم وأزمة الطاقة مع حلول فصل الصيف.. ولعل ما يثير اشمئزازي حقا هو أن الرقابة قد أجازت عرض حلاوة روح واكتفت بالقول بإنه فيلم للكبار فقط كعادة القوانين المصرية الفضفاضة فلم تكلف نفسها عناء تحديد من هو الكبير وما تعريفه أو ماهيته ؟ وهل الكبير هذا من يمتلك بطاقة رقم قومي ؟ أم من تخطى 18 عاما أم من بلغ السن القانونية؟؟ إن الدكتور محلب قد لعبها جيدا واكتسب تقدير واحترام وتعاطف الكثيرين لكنه في ذات الوقت أثار مخاوف بشأن عودة عصر تدخل السلطة الدينية أو السياسية في العملية الإبداعية و" إن جينا للحق فيلم حلاوة هيفا قصدي حلاوة روح مفيهوش أي إبداع سوى جسد هيفا الذي يذكرنا بجميلات الإغريق فيما عدا ذلك فهو إسفاف وانحطاط أخلاقي بحت" ولكن قرار المنع يخيف الكثير من المبدعين من تدخل السلطة السياسية لاحقا بشأن التابوهات السياسية وعصر الخطوط الحمراء. أؤمن يقينا بأن سياسة المنع أو الحجب دوما ما تأتي بعكس ما هو مرجو فحجب فيلم هيفاء سوف يدفع ضعاف النفوس والباحثين عن الإثارة إلى مشاهدته عبر الإنترنت وحتى من لا يكترثون سوف يشاهدونه حتى يفهموا أسباب المنع. وأود أن أحيط سيادة رئيس الوزراء علما بأن لهيفاء مسلسلين برمضان أحدهما سوف يعرض عبر شاشة MBC مصر والآخر عبر قناة هلا OSN وسوف يتابعها الصغار والكبار لأنها هيفاء ولأننا لم نحسن تنشئة أطفالنا كي يستطيعوا اختيار السيئ من الجيد بل اعتاد الآباء والأمهات أيضا سياسة المنع والحجب دون تبرير أو توضيح مما يستثير الصغير ويغريه ليدخل عالم الكبير. وعودة للكارثة الكبرى المتمثلة في الرقابة وعدم تدخلها أولا منذ أن عُرض عليها الفيلم وبالتالي فإن قرار المنع لن يأتي بنتائج مثمرة كليا لأن الناس قد استثيرت كي تشاهده إما عبر دعاية الفيلم أو عبر الأخبار التي تلاحق الجمهور حول هذا الفيلم ومشاهده الساخنة. إن السبكي لن يخسر كما نعتقد فقد حقق الفيلم إيرادات جيدة قبل مصادرته كما أن الفيلم يعرض بدور عرض خارج القطر المصري فضلا عن أن السبكي سوف يبيع حقوق عرضه لعدة قنوات وربما يكون ذكيا ليقوم بتوزيع الفيلم عبر سي ديهات يقوم ببيعها لكبرى المتاجر العاملة في ذلك الحقل. الحقيقة إن الجرم الأكبر يقع على الرقابة التي لا تضع معايير وضوابط على الأفلام ولا اقصد بضوابط قيود على حرية الإبداع بل مجرد خطوط إرشادية للعمل ففي بلاد بره ومن بينها أمريكا " بعد الشر علينا من التقدم يعني " تقوم الجهات المعنية بتصنيف الأفلام وفقا لأعمار المشاهدين ولا يتم وضع هذا التصنيف عند وجود أفلام تحتوي على مشاهد جنسية فقط بل في مطلق الأحوال حتى إن الأفلام المرعبة أو الأفلام التي تناقش قضايا حساسة أو تلك التي تحتوي على ألفاظ بذيئة يتم رفع عمر المشاهدة لها حماية للصغار من تلك الألفاظ أو الأفكار أو المشاهد. ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل إن تلك الأفلام تُعرض في دور عرض خاصة بالكبار " بس مش أي كبار" حيث يقوم المسئول عن شباك التذاكر بمراجعة البطاقات الشخصية للمشاهدين للتأكد من أن سنه يلائم التصنيف العمري للفيلم..بينما في مصر عادي إما تشوف أطفال داخلة فيلم هيفا ! ودور العرض عايزة تكسب وخلاص ! في أمريكا " بعد الشر علينا يعني " ممنوع منعا باتا استغلال الأطفال في أداء مشاهد تمثيلية جنسية مع بطل أو بطلة ؛ فطالما أنه لم يبلغ السن القانونية فلن يؤدي تلك المشاهد وهو ما ينص عليه قانون حماية الطفل بالولايات المتحدة أما في مصر فيا بخت " الطفل كريم الأبنودي اللي مثل مشاهد معينة مع هيفا وتم استغلاله جسديا ونفسيا بالفيلم والبلوة السودة أن والدته ترحب بشهرة الابن وعادي جدا" إن السبكي هو شيطان ويبحث عن المال وأمثاله من المنتجين التجاريين يملأون العالم ولكن ليس ذنب القوي أن من يقف أمامه ضعيفا والسينما المصرية ضعيفة أمام القدرات الإنتاجية للسبكي بل إن الدولة لا تشجع الأفلام المستقلة ذات الميزانيات القليلة أو المتوسطة ولا توفر لها أي دعم وبالتالي فإن الجمهور لا يجد أي أنواع أخرى ولا يجد سوى سينما السبكي لتستقطبه بلحم رخيص وأغنية هابطة وهز وسط وقصة ركيكة وكام لفظ أبيح يردده الشباب وانتهى الفيلم وامتلأت جيوب السبكي ليصنع سلسلة لا تنتهي من تلك القباحة والرداءة. أما المنتجون الآخرون قد تركوا السينما وشأنها واتجهوا للتعاقد مع شركات الدعاية والإعلان لإنتاج المسلسلات الرمضانية التي يعاد عرضها وبثها عبر الفضائيات والتي تتيح لهم أرباحا خيالية جراء الإعلانات وإعادة البث مرة أخرى على قنوات أخرى إن السبكي لا يكذب فهو محدد الهدف " الراجل عايز يكسب وحقه يكسب طالما لاقي جمهور غير واع وغير مدرك وعايز يهلل ويطبل على جسد عار وخلاص" إن الثقافة والتعليم والتنشئة السليمة والتربية الإعلامية للأطفال هي أدوات تجعل أطفالنا يستطيعون تمييز المضمون الصالح من الطالح وتجعلهم يحسنون التعرض لمضامين ترتقي بهم وبعقليتهم أما سياسة المنع والحجب دون تبرير سوف تدفعهم لاتخاذ منحى آخر ومتابعة ما يشاءون في غياب الوالدين عبر التليفزيون أو الإنترنت فالحجب لم يعد يجدي نفعا وبات يضر أكثر ما ينفع .. والسلاح الحقيقي لمواجهة التدني الفني والأخلاقي هو التربية والتنشئة والتثقيف وتقديم أنماط ومضامين إعلامية ودرامية وسينمائية أكثر ثراءا وجذبا وإمتاعا وقتئذ سوف يخسر السبكي وأمثاله المعركة أما إذا استمر الحال على ما هو عليه فسوف يربح السبكي ويظل الوحش الكاسر المسيطر على عقول أجيال حالية وقادمة تُربى على أفلام العشوائيات والاغتصاب والتحرش والكبت الجنسي. السبكي لم يخطئ ولكننا أخطأنا في حق أنفسنا لأننا نعطيه مبررا ماديا قويا للاستمرارية فيما يفعله.. وسواء انجذب الجمهور لحلاوة روح أو حلاوة هيفا إحنا لبسنا في حلاوة سودة ومسمومة تدمر عقليات وثقافة وقيم وأخلاقيات أبنائنا..