فى الانتخابات الرئاسية السابقة وتحديدًا فى جولتها الثانية التى جرت بين محمد مرسى والفريق أحمد شفيق، تقدم عدد من الشخصيات العامة التى كانت تحظى بوجود فى الوسط السياسى، الثقافى والأكاديمى، ومعهم مجموعة من راغبى الشهرة ومحدَثى العمل العام، تتوسطهم خلايا إخوانية جرى تنشيط بعضها، والبعض الآخر طلبت منه الجماعة أن يظل نائمًا حتى يلعب دورًا مرسومًا له فى إقناع من يتردد للسير فى ركاب مخطط الجماعة. عمومًا قدمت هذه الشخصيات نفسها إلى الرأى العام المصرى بأنها أصوات العقل والحكمة الحريصة على تحقيق أهداف الثورة من عيش وحرية وعدالة اجتماعية. بدأت هذه المجموعة تتحدث عن مخاطر فوز شفيق بالرئاسة، وأن ذلك يعنى فشل الثورة، دَعَوْا إلى مساندة محمد مرسى، مؤكدين أن فوز محمد مرسى يحقق أهداف الثورة، وارتدى أنصار الجماعة ثوب الثورة وباتوا ثوريين يتحدثون عن الثورة وأهدافها. نسقوا تحركاتهم مع عدد من الإعلاميين وقاموا بتسويق محمد مرسى للرأى العام المصرى باعتباره مَن سوف يحقق أهداف الثورة، والذى سوف يحترم إرادة المصريين ويقف بجانب بسطاء المصريين، فهو واحد منهم. وقفوا بجانب مرسى وأبرموا معه عهدًا سُمِّى «اتفاق فيرمونت» وفاز الرجل بالمنصب فى انتخابات أحاطت بها الشبهات وذهبوا معه إلى ميدان التحرير للاحتفال بالفوز، وبدأ الرجل ممارسة مهام منصبه وأقدم على سياسات من زمن الاستبداد، وعمل كمسؤول ملف الرئاسة فى الجماعة وليس رئيسًا لمصر، أصدر إعلانه الدستورى الذى حصن فيه ذاته وقراراته وسار على درب الديكتاتورية والاستبداد، هنا ولّت هذه المجموعة الأدبار واختفت تمامًا ولم نسمع منها ما يفيد الاعتراض على ديكتاتورية مرسى وتجاوزاته بحق المصريين، وهناك من خرج للشعب المصرى يعلن اعتذاره عما فعل، ويطلب من الشعب أن يسامحه، لأنه خُدع فى مرسى والجماعة، وهناك من حاول ارتداء ثوب الحكمة مرة ثانية عبر كتابة عبارات على مواقع التواصل الاجتماعى تفيد الاعتراض على بعض من قرارات مرسى وسياساته، فى حين كان يلتقى بالجماعة وينسق الخطوات معها، بل ويقدم الغطاء لمرسى فى مواقف عديدة (الجلسة الخاصة بإثيوبيا وسد النهضة). عندما خرج الشعب المصرى مرة ثانية فى ثلاثين من يونيو لاسترداد ثورته، ونادى قواته المسلحة بأن تقوم بدورها فى حماية الأرض والشعب، التزم هؤلاء الصمت انتظارًا لما سوف تسفر عنه التطورات. ونجحت الثورة بإعلان الثالث من يوليو الذى وضع خارطة للمستقبل، ودخل مرسى ورفاقه السجون ليحاكَموا على ما ارتكبوا من جرائم بحق مصر والمصريين. هنا بدأ هذا الفريق يهمس بصوت خفيض بأن ما جرى هو انقلاب عسكرى، انقلاب قام به الجيش ضد رئيس مدنى منتخب، وأنه يمثل انتكاسة للمسيرة الديمقراطية فى البلاد. وبمرور الوقت ومع تصاعد أصوات العواصمالغربية فى وصف ما جرى بأنه انقلاب، ارتفعت أصوات عدد من أعضاء هذه المجموعة تردِّد ما يصدر عن العواصمالغربية. وصفوا دستور 2014 بأنه دستور الفاشية العسكرية، وهو الدستور الذى شارك فى وضعه ممثلون عن كل ألوان الطيف فى المجتمع المصرى، وهو الدستور الأكثر رقيًّا وتحضرًا فى تاريخ الدساتير المصرية. وعندما استجاب المشير عبد الفتاح السيسى لمطالب غالبية المصريين بترشيح نفسه فى الانتخابات الرئاسية، انتفض أعضاء هذه المجموعة، مؤكدين أن ترشح الرجل يعنى أن ما جرى فى الثالث من يوليو هو انقلاب عسكرى، وأن مصر بذلك تعود إلى زمن حكم العسكر، وهناك من سار خطوات أبعد بالقول إن انتخابات 2014 ستكون صورة من انتخابات 2005، ولم يتوقف هؤلاء لقراءة ما يجرى فى الشارع المصرى، ولا الضمانات المقدمة لحرية ونزاهة الانتخابات، ولا توقفوا أمام استطلاعات الرأى العام التى تؤكد أن المشير سوف يحسم الانتخابات من الجولة الأولى بنسبة كبيرة، أى أن رجل لا يحتاج إلى تزوير أو تلاعب فى نتائج الانتخابات. قالوا ذلك ولم يغلق باب الترشح للانتخابات بعد، تحدثوا عن تزوير انتخابات تفصلنا عنها قرابة الشهر ونصف الشهر، لم يمنعهم أحد من الترشح أو ترشيح من يريدون، ولم يرفض أحد مطالب محدد لمراقبة الانتخابات ومتابعتها لحظة بلحظة. باختصار ما نسمعه اليوم من تشكيك فى الانتخابات الرئاسية هى أصوات موسمية سبق لها تسويق مرسى، واليوم عادت إلى الظهور مجددًا لاعتبارات مختلفة، هى فى مجملها شخصية تتلعق بالذات المتضخمة أو شبكة العلاقات المصلحية أو حديث خافت من خلايا لا تزال نائمة أو عادت إلى النوم مع الإطاحة بحكم المرشد والجماعة.