لزمن الإخوان ضحايا من المصريين الشرفاء الذين خرجوا يعبِّرون عن رفضهم حكم المرشد والجماعة، ضحايا أبرياء خرجوا للدفاع عن بلدهم مصر، للاعتراض على تغيير هُوِيَّة وطنهم، بعضهم دفع حياته ثمنًا لدفاعه عن وطنه، والبعض الآخر تَعرَّض للاعتقال والضرب والإهانة. ولزمن الإخوان ضحايا من نوع آخَر هم مَن راهن على حكم المرشد والجماعة، باع ضميره، وخان كل ما كان يقول إنه يؤمن به من حرية، وديمقراطية، وليبرالية، أو عدالة اجتماعية. الغالبية الساحقة من هؤلاء عملت مع نظام مبارك بشكل أو بآخر، حاولت دخول لجنة سياسات الوريث ولم تنجح فى الترقِّى والاقتراب من نجل الرئيس الأسبق، وهناك من تعاون مع أجهزة مبارك الأمنية وقبض الثمن فورًا عبر إدخاله فى مشروعات تدر ربحًا سريعًا بصرف النظر عن تخصُّصه من عدمه. استفادت هذه النوعية من البشر من نظام مبارك وراهنت على التربُّح من ورائه، وما إن تَرنَّح النظام وبدأ فى التهاوى حتى خرج كل هؤلاء يُدِينون مبارك ونظامه، ومنهم من قدّم نفسه باعتباره ثوريًّا، يؤمن بالثورة من أجل فقراء الوطن وبسطائه. حرصوا على الظهور فى الميادين والفضائيات للحديث عن مساوئ نظام مبارك، ومنهم من حرص على عضوية كل لجنة تشكَّل تحمل سمة من سمات الثورة. وكانت السمة المشتركة لدى كل هؤلاء الحرص على تشكيل حزب سياسى جديد سواء بشكل مستقلّ أو بالاتفاق مع آخرين. حصد الإخوان أكثرية مقاعد البرلمان، وحازوا مع رفاقهم السلفيين قرابة ثلثى المقاعد، وبدا للبعض من رجال زمن مبارك أن الإخوان جاؤوا للاستقرار فى السلطة عقودًا طويلة، ومن ثم كان قرار التعاون مع الجماعة والعمل فى خدمتها والتنسيق معها لدرجة أننا وجدنا من كان عضوا فى لجنة سياسات الوريث يتولى مهمة مقرِّر لجنة العزل السياسى لرجال الحزب الوطنى ولجنة السياسات، وكان أكثر قسوة وعنفًا فى الهجوم على رفاق الأمس ومن جلسوا معه فى لجنة السياسات، هناك من تعاون معهم وهو يعلم تمامًا أنها جماعة مُعادِية للحريات ولحقوق الإنسان وتعادى الديمقراطية وتكفِّر المخالف معها فى الرأى. وهناك من سارع من رجال زمن مبارك إلى إبرام الصفقات مع الجماعة، قبِل بالعمل فى خدمة الجماعة ومخططاتها، اعتقد أيضًا أن الجماعة جاءت لتحكم سنوات طويلة ومِن ثَم كان قرار العمل فى خدمة الجماعة للاستفادة الشخصية مثلما كان قرار العمل فى خدمة نظام مبارك، لا يهمّ هذه المجموعة على ما ترفع من شعارات، وطن أو إنسان، حرية أو ديمقراطية، ما يهم هو الحسابات الشخصية والمصالح الذاتية سواء تمثلت فى ارتباطات بالخارج أمريكيًّا أو أوروبيًّا، مناصب أو مزايا مشابهة لما كان يحصل عليها فى زمن نظام مبارك. بَنَت هذه المجموعة حساباتها على أساس الارتباط بالجماعة ومنَّت نفسها بجنى المكاسب لسنوات طويلة قادمة، لذلك عطَّلَت هذه المجموعة فكرها ووقفت عقلها تمامًا قُبَيل ثورة الثلاثين من يونيو 2013، فقد رددوا على اختلاف انتماءاتهم السياسية والأيديولوجية وتنوُّع خلفياتهم الدراسية، رددوا كلام عصام العريان بأن 30 يونيو مثل 20 يونيو، لن يحدث شىء يُذكَر، وأقصى عدد يمكن أن يشارك فى المسيرات والمظاهرات هو نحو خمسة آلاف. كان التقدير نابعا من التمنِّى أكثر منه تقديرًا واقعيًّا. جاءت 30 يونيو فعصفت بالإخوان وأخذت معها آحلامهم ونسفت حساباتهم، فثاروا ثورة عارمة وفقدوا ما تبقى لديهم من حصافة، هناك من خرج ليعلن أن ما حدث هو انقلاب عسكرى وأن الدستور الجديد الذى احتفت به غالبية المصريين هو دستور الفاشية العسكرية، وهناك من أخذ يفتش عن بقايا زمن الإخوان كى ينسِّق معهم ويعرض عليهم خوض الانتخابات البرلمانية القادمة على قوائم أحزاب مدنية وباسمها. لكل ذلك أقول بوضوح شديد توقف أمام أصحاب مقولة الانقلاب العسكرى وتأمل ارتباطاته على مدار السنوات الماضية فسوف تجده عمل مع نظام مبارك وخدم مع الوريث بشكل أو بآخر، ثم حوَّل الولاء سريعًا للجماعة، وجاءت 30 يونيو لتطيح بأحلامه، ففقد حصافته ولم يعُد لديه سوى حديث الانقلاب العسكرى.