ظهرت الكثير من الاقتراحات والدراسات لتوصيل خطي حلوان والمرج منها اقتراح بتوصيلهما من خلال خط حديدي يسير علي كوبري مرتفع علي الأرض ولكن تم استبعاد هذا الاقتراح لأسباب عديدة أولها أن شكله في تلك الحالة سيكون غير مألوف في مصر فضلاً علي أنه كان سيشوه جمال المدينة. والواقع أن صاحب هذا الاقتراح ومن رفضوه كانوا سيصابون بالذهول لو رأوا قاهرة اليوم بكباريها العلوية التي وإن أسهمت بقدر بسيط في حل الأزمات المرورية إلا أنها شوهت شكل المدينة. ظهر الاقتراح الثاني بتوصيل الخطين بنفق عميق مستقيم يقام بين محطتي باب اللوق وكوبري الليمون. ولكن تم استبعاد هذا الاقتراح حينها لأسباب متعددة منها فداحة تكاليفه ولظن البعض أن هناك احتمالاً بعدم صلاحية التربة لذلك. واستشهد الرافضون لتلك الفكرة ما واجهه المهندسون المعماريون من صعوبات عند إنشاء نفق السبتية. وربما المثير في الأمر أن ذلك الاقتراح هو الذي دخل حيز التنفيذ ولكن بعد قرابة 40 عاماً. كان هناك أقتراحاً ثالثاً يعتمد علي فكرة إنشاء نفق قريب من سطح الأرض يعغطي بالأسمنت المسلح بشكل يشبه مترو المتروبوليتان في باريس. والطريف أن الخط الثاني لمترو الأنفاق كان يعتمد علي اقتراح قدمه ابراهيم بك سعيد في الأربعينيات للوصل بيم محطتي باب اللوق وكوبري الليمون مروراً بشارع إبراهيم ( الجمهورية حاليا) ومنطقة عابدين. وكان المسئولون يميلون إلي هذا الاقتراح لكونه رخيص التكاليف نسبياً فضلاً عن أنه يسير بمحاذاة شوارع عامة. وكان هناك اقتراح أخر يمزج بين الأنفاق الأرضية والخطوط السطحية في المسافة بين باب اللوق وكوبري الليمون وكانت التكاليف الإجمالية لهذا المشروع في عام 1945 تقترب من المليون جنيه. ولحسن الحظ تم استبعاد هذا المشروع لأنه كان سيزيد من معاناة القاهريين في منطقة وسط المدينة. وفي عام 1949 اقترح جمال الدين حمدي وكيل المفتش العام لهندسة السكة والأشغال بمصلحة السكك الحديديه بأن يتم كهربة خطي حلوان والمرج وإيصالهما من خلال نفق يتفرع من خط حلوان عند فم الخليج إلي شارع القصر العيني ويسير إلي موقع ميدان الخديوي اسماعيل (التحرير حاليا) ثم يمر بشارع ميريت ومنه إلي شارع عدلي ثم إلي ميدان باب الحديد ويواصل النفق سيره تحت خط المرج إلي أن يتصل به فوق سطح الأرض عند محطة الدمرداش. كان طول تلك المسافة يبلغ 8 كيلومترات واقترح وكيل المفتش العام لهذا النفق محطات القصر العيني والخديوي اسماعيل ( التحرير) وتقاطع شارع فؤاد الأول (26 يوليو) وميدان المحطة (باب الحديد) وغمره. ورأي صاحب الاقتراح أن مثل هذا الخط سيسهم في زيادة سرعة القطارات علاوة علي أنه سيتيح الاستغناء عن محطات الخط من فم الخليج إلي باب اللوق وبالتالي تستريح القاهرة من وجود خط سكك حديدية بداخلها ظلت مصلحة السكك الحديدية مترددة بشأن كهربة خط حلوان لسنوات إلي أن تحقق ذلك في عام 1956 بتكاليف بلغت ملايين الجنيهات، بل أن كهربة وحدات الديزل المخصصة لنقل الركاب تكلفت حينها كي تتحول إلي استخدام الكهرباء نحو 6 ملايين جنيه. ورغن تلك التكاليف الباهظة غير أنها قفزت بالقاهرة إلي أفاق رحبة حيث زاد العمران مع زيادة عدد السكان في المناطق الواقعة علي جانبي الخط وأمكن الحد من التلوث الذي كانت تتسبب فيه مركبات البخار والديزل. والطريف أنه حينها كانت الحكومة تصر علي أن كهربة خط حلوان ما هي إلا خطوة أولي لكهربة سكك حديد مصر بالكامل وهو ما لم يتحقق حتي الآن. لم يقتصر المشروع علي ذلك بل شمل أيضاً إقامة محطات تحويل في السيدة زينب ودار السلام وطره وحدائق حلوان وحلوان. كما تمت كهربة الإشارات عند المزلقانات وإنشاء غرفة للمراقبة المركزية بالسيدة زينب ومساكن صغيرة للعمال. الغريب أن الخط لظروف عدم توافر قطع الغيار شهد تشغيل بعض وحدات الديزل جنباً إلي جنب مع الخطوط الكهربية ولكن توقف ذلك تماماً في السبعينيات. عاد مشروع مترو الانفاق إلي السطح مرة أخري للربط بين الخطين ولكن لم يحدث ذلك حتي عاد الحديث مرة أخري بعد قرابة 8 أعوام. وحتي منتصف السبعينيات كان خط حلوان يعتمد علي قطارات كهربية تم استيرادها من ألمانياالشرقية وبلغ عددها 25 قطاراً كهربياً حصلت عليها هيئة السكك الحديدية بين عامي 1971 و1975. أضيفت تلك الوحدات إلي 25 قطاراً هولندياً دخلت الخدمة عام 1956. وبحلول عام 1976 تم تخريد 12 وحدة منها وبقيت 38 وحدة كان منا نحو 24 وحدة فقط في الخدمة تتسع لحوالي 9 آلاف راكب في الساعة خلال أوقات الذروة وربما هذا يفسر هذا الزحام الرهيب الذي عاني منه المترو في السبعينيات خاصة وأن عدد الركاب الذي كان من المطلوب نقلهم خلال أوقات الذروة حوالي 27 ألف راكب في الساعة. في نفس الوقت تم الإعلان عن مناقصة لتوريد 50 وحدة كهربية جديدة تمكن الهيئة من تشغيل القطارات بوحدتين من 6 عربات ثم ثلاث وحدات من 9 عربات لرفع كفاءة النقل خلال ساعات الذروة إلي 20 األف راكب في الساعة، بل وخططت الهيئة إلي زيادة هذا الرقم إلي 25 ألف راكب في الساعة من خلال خطة لإلغاء المزلقانات علي الخط واستبدالها بكباري علوية وأنفاق وإحاطة الخط بأسوار من الجهتين. وكان الهدف من تلك الخطط هو الحد من الحوادث التي كانت كثيراً ما تحدث علي هذا الخط نتيجة تصادم القطارات مع السيارات. وواقع الأمر أن تصادمات القطارات مع السيارات لم تكن النوع الوحيد من الحوادث الذي عاني منه هذا الخط بل كانت هناك حوادث تصادم القطارات ببعضها البعض علي الخط الواحد نتيجة أخطاء السائقين. ولهذا تم البدء في خطة متكاملة لهذا الخط، ففي عام 1976 تم الإتفاق مع شركة إيطالية علي إدخال نظام التحكم الآلي في سير القطارات علي خط حلوان وتم بالفعل تجربة وتركيب تلك الوحدات، كما تم إدخال نظام لاسلكي يمكن للسائقين من خلاله الاتصال ببعضهم البعض لتفادي الحوادث. ورغم ذلك كان هناك نوعاً ثالثاً من الحوادث يتسم بالدموية لكونه ينتج عن المحاشرة بين ركاب القطارات السائرة علي الخطين واحتكاكهم ببعضهم البعض بسبب التزاحم الشديد في بعض الحالات ولركوب الأشخاص من الجهة المخالفة في حالات أخري. كانت تلك هي وجهة النظر الرسمية في أسباب الحوادث التي كانت تتكرر بشكل دوري. ولكن الواقع يشير إلي أن تلك الحوادث الدامية لم تتوقف او تنخفض وتيرتها، ونسرد هنا بعض تلك الحوادث الكبيرة علي سبيل المثال لا الحصر. ففي 13 فبراير 1978، تعرض قطار لتاصدم من قطار أخر علي نفس الخط أثناء وقوفه علي خط المدابغ مما تسبب في حدوث وفيات لبعض الركاب وإصابة عدد كبير منهم. ربما الطريف في الأمر أن سبب توقف القطار الذي تعرض للتصادم هو وجود ثلاث جثث ملقاة أمامه يرجح أنها سقطت من قطار سابق. وتصادف في نفس الوقت قدوم قطار من خلف القطار المتوقف مما أدي إلي التصادم. ربما كان هذا النوع من الحوادث شيئاً فريداً اختص به مترو حلوان دون غيره. تصف بعض التقارير ويلتحقيقات المنشورة في السبعينيات عن المترو وحالته فتذكر الصحفية ماجده الجندي في مجلة صباح الخير في فبراير 1978 وصافة محطة باب اللوق ذات صباح قائلة: "أكوام من البشر تغطي أرصفة المحطة بصورة تجعلنا نحسد السردين في علبه وداخل حجرة زجاجية مواجهة للأرصفة يجلس ناظر المحطة أو معاونها ممسكاً بميكروفون يدير من خلاله الأكروبات." والمقصود بالاكروبات التي ذكرتها الكاتبة تغيير مكان وصول قطار حلوان للرصيف وحينها تسود حالة من الهرج والمرج بين الركاب فمنهم من يقفزون من النوافذ للحاق بالقطار ومنهم من يتسلقون الأرصفة للظفر بمكان ولو بضعة سنتيمترات داخل عربات القطار التي يبدأ فيها الراكب نوع أخر من الأكروبات. تقول الكاتبة ماجده الجندي أنه ما أن يتحرك القطار حتي يبدأ الركاب في تحصين أنفسهم ضد ركاب المحطات القادمة الذين لا أمل لهم ولا رجاء في الركوب وتبدأ الصيحات التي تناشد الركاب إغلاق النوافذ قبل أن يقفز من خلالها الركاب علي الرصيف إلي داخل العربة، بينما تحتمي السيدات والبنات ببعض المواقع. وتحدثنا الكاتبة عن محطة دار السلام التي كانت تسمي في السبعينيات بالصين الشعبية للكثافة السكانية العالية فيها والتي تتضائل أمام كثافة السكان فيها اليوم. وتلك المنطقة كانت يوماً ما منطقة زراعية بني معظمها وحتي السبعينيات كانت هناك بعض الأراضي المزروعة بالخضروات كالخس والكرنب والفجل التي كان بعض الفلاحين يحاولوا أن يستقلوا بها القطار لبيعها في القاهرة وبالتالي كانوا يزاحمون الركاب في عربات مكتظة بالركاب بأضعاف طاقتها. الواقع أن الهيئة المسئولة عن مترو حلوان كان لديها بعض العذر في تدني مستوي الخدمة والسلامة علي الخط، فكثير من الوحدات كانت معطلة وينقصها قطع الغيار التي لم يتم الحصول عليها لأن الميزانية لا تسمح. ومع كل حادث كانت الحكومة تعد بتحسين أحوال الخط ولكن كان يتم تنفيذ القليل من تلك الوعود. وعلي الرغم من ذلك، كان مترو حلوان يتفوق في تلك الفترة علي أي وسيلة مواصلات أخري بالقاهرة. ولهذا تم البدء في خطة متكاملة لهذا الخط، ففي عام 1976 تم الإتفاق مع شركة إيطالية علي إدخال نظام التحكم الآلي في سير القطارات علي خط حلوان وتم بالفعل تجربة وتركيب تلك الوحدات. ولهذا تم البدء في خطة متكاملة لهذا الخط، ففي عام 1976 تم الإتفاق مع شركة إيطالية علي إدخال نظام التحكم الآلي في سير القطارات علي خط حلوان وتم بالفعل تجربة وتركيب تلك الوحدات. عن سلوكيات غريبة من الركاب والسائقين الحادث الثاني في عام 1980 كان يتعلق بقطار توقف لإضاءة السيمافور باللون الأحمر قبالة محطة كتوسكيا توقف القطار التالي علي مسافة 30 متراً منه ثم جاء القطار الثالث علي نفس الخط مندفعاً بسرعة هائلة ليصدم القطار الثاني الذي اندفع بدوره في اتجاه القطار الأول ليسفر هذا الحادث الغريب عن مصرع شخص وإصابة 72 أخرين تطايروا في الهواء ليسقطوا خارج القطار. وتكشف التحقيقات الخاصة بالحادث عن سلوكيات مؤسفة للركاب والسائقين. فبالنسبة للركاب خلصت التحقيقات إلي أن السائق الثالث الذي صدم القطارين استخدم فرامل القطار من مسافة تزيد عن 40 متر ولكن القطار لم يتوقف نتيجة لعبث بعض الركاب بيد الفرامل في مقصورة القيادة الموجودة بمؤخرة القطار، كما كشفت التحقيقات أن بعض السائقين علي خط حلوان كانوا يستغلون الإرسال اللاسلكي بينهم والذي كان الهدف منه هو توفير وسيلة اتصال فيما بينهم تساعدهم علي مواجهة المواقف الطارئة في الاستماع لمباريات الأهلي والزمالك! وحادث ثالث في العام التالي يشبه هذا الحادث الذي ذكرناه أسفر عن إصابة 71 شخصاً منهم 20 أصيبوا بإصابات خطيرة. في عام 1976، كانت وزارة النقل قد أنتهت من الدراسات الخاصة بإنشاء الخط الأول لمترو الأنفاق بطول 42 كيلومتراً. حينها كان المقرر أن يبدأ العمل في الخط بحلول عام 1977 ويتم افتتاحه للجمهور في عام 1980. وبالتالي بدأت الخطوة الأولي لتحقيق الحلم القديم بتوصيل خطي حلوان والمرج. حينها صرح المهندس علي الداغستاني نائب رئيس مجلس هيئة مشروعات النقل بأن المترو سيظل أعلي الأرض من حلوان إلي السيدة زينب ثم يمر بنفق في المسافة من السيدة زينب وحتي ميدان رمسيس. وأضاف حينها أنه من المقرر أن يتم تسيير قطار كل دقيقتين ونصف بحيث تصل كفاءة الحركة بالخط إلي 60 ألف راكب كل ساعة في الاتجاه الواحد وبالتالي يمكن لهذا الخط استيعاب حوالي 32% من حجم المرور في القاهرة. تحسنت الأمور بعض الشئ مع بدء تشغيل وحدات جديدة تشبه تماماً الوحدات الحالية علي خط حلوان. زاد عدد الوحدات تدريجياً حتي وصل عدد القطارات العاملة علي الخط إلي 258 قطاراً بمعدل قطار كل 7 دقائق في ساعات الذروة وكل 10-15 دقيقة في الأوقات العادية. حينها بلغ عدد الركاب أكثر من 600 ألف راكب يومياً منهم 75 ألف راكب بين الساعة السادسة والثامنة صباحاً. وتشير بيانات هيئة السكة الحديد في تلك الفترة إلي أن عدد الركاب يبلغ نحو 25 ألف راكب في ساحات الذروة وينخفض في الساعات العادية إلي 1500 فقط في الساعات العادية، وأن هناك 16 قطاراً تتحرك كل ساعة في أماكن مختلفة وعلي 23 محطة هي إجمالي محطات خط حلوان. وتشير الأرقام إلي أن 12% من ركاب مترو حلوان كانوا من سكان شبرا ولكنهم يعملون في حلوان و11% منهم يسكنون في مصر الجديدة والعباسية والوايلي وعين شمس والمطرية والزيتون بينما كانت الغالبية العظمي من راكبي مترو حلوان هم من سكان منطقة وسط القاهرة وبلغت نسبتهم 35% من إجمالي الركاب. لم يتم اتخاذ خطوات إيجابية في مشروع مترو حلوان قبل عام 1981 حينما طلب المهندس مصطفي كمال حامد نائب رئيس مجلس إدارة السكه الحديد لشئون هندسة السكة والمنشآت وكان في الوقت ذاته مشرفاً علي تنفيذ مشروع مترو الأنفاق تخصيص موقع محطة لأبو الريش كمحطة نهائية مؤقتة لمترو حلوان إلي أن تنتهي أعمال الحفر والانشاءات في المسافة بين السيدة زينب وباب اللوق والتي يبلغ طولها 1700 متر. وبالفعل بدأت هيئة مترو الأنفاق في المطالبة بإخلاء محطة باب اللوق وكان ذلك إيذاناً بإحالة محطة باب اللوق علي المعاش في عام 1982 بعد 1975 عاماً من الخدمة الشاقة. وحينها خصصت هيئة النقل العام 36 أتوبيساً لنقل ركاب المترو مجاناً من موقع محطة باب اللوق إلي موقع محطة أبو الريش. وظلت تلك الاتوبيسات تعمل إلي أن تم الانتهاء من أعمال الحفر والإنشاءات في تلك المنطقة. ومع تلك التطورات، وصلت قصة قطار حلوان إلي نهايتها ليبدأ فصل جديد عاصره غالبية القاهريين ونعني به هنا مترو الأنفاق الذي أوشك الجزء الأول من مرحلته الثالثة التي تصل العتبة بالعباسية علي الدخول في الخدمة الفعلية. كان لقطار حلوان فضل كبير في النهضة الصناعية التي قامت في تلك المنطقة خاصة في فترة ما بعد ثورة يوليو. وزادت أهمية هذا الخط الذي يخدم الملايين اليوم مع انتقال جامعة حلوان إلي حلوان بعد أن ظلت كلياتها متناثرة في أماكن متعددة لسنوات طويلة ومع التوسع العمراني في مدينة 15 مايو.