يظل الاختناق المروري عاملا مؤثرا في كثير من المدن المصرية الكبري بوجه عام وفي القاهرة بوجه خاص. لما يمثله من عبء ثقيل علي كل المواطنين, حاول كثيرون وضع حلول له, ورغم ذلك تزداد الأزمة يوما بعد يوم. وبدلا من ان يكون التكدس في ساعات محدودة, بات يحدث في كل وقت تقريبا ليلا ونهارا. ومع أن الحلول التي انتهجتها الحكومة ممثلة في الكباري والانفاق والطرق الدائرية والمحاور الجديدة, فإن الأزمة لم تنته, بل في كثير من الاوقات يحدث التكدس والاختناق المروري علي طرق بعينها دون سبب واضح. يكفي معرفة أن عدد السيارات المرخصة وصل إلي4.8 مليون سيارة حتي نهاية العام الحالي, بينما تدخل القاهرة الكبري يوميا ما يقارب2 مليون سيارة من كل الأنواع. وهو رقم كبير جدا قياسا إلي المساحة التي يتحرك فيها هذا العدد الهائل من السيارات, والتي لا يزيد قطرها علي100 كيلو متر من الطرق. كانت طرق القاهرة القديمة التي بدأ انشاؤها منذ عشرات السنين, مخططا لها ان يسير بها علي أقصي تقدير بضعة آلاف من السيارات, وفي ذلك الوقت لم يكن عدد سكان مصر يتجاوز ال17 مليون نسمة, والآن وصل عدد سكان القاهرة وحدها إلي ما يفوق هذا الرقم بكثير, فضلا عن الزائرين الذين يدخلونها يوميا لقضاء المصالح المختلفة. وهو ما يجعل الطاقة الاستيعابية للطرق اليوم, رغم التوسعات وامتدادات الطرق التي انشئت في كل اتجاه تقريبا, لا تتحمل هذه الأعداد الهائلة من السيارات. لمواجهة الأزمة, هناك اقتراحات متعددة, مثل نقل أو توزيع الوزارات والمصالح والهيئات التي تملأ قلب القاهرة الي اطرافها لتخفيف الضغط المروري علي المحاور الرئيسية وسط العاصمة. وتبلور اقتراح آخر بإنشاء عاصمة جديدة, واقتراح ثالث بتقسيم الوزارات علي عدد من المحافظات القريبة من القاهرة. وكل هذه الاقتراحات لم تجد طريقها للتنفيذ لأسباب كثيرة. وحتي يتم الأخذ بأي منها, فمن الضروري أن يتم البحث في حلول تؤدي إلي تخفيف الاعتماد علي السيارات الخاصة ورفع الاعتماد علي المواصلات العامة. الفكرة هنا ببساطة هي تطوير وسائل النقل الجماعي, ومعالجة عيوبها المتمركزة في سوء حالتها وكثرة أعطالها. وإذا أخذنا مترو الانفاق كمثال سنجده وسيلة فعالة خاصة بعد جعل زمن التقاطر لا يزيد علي3 دقائق منعا للتكدس, لاسيما بعد الأحاديث المتكررة عن انتشار انفلونزا الخنازير. وفي المقابل لنا نتخيل حال القاهرة لو تعطل المترو لمدة ساعة واحدة فقط أو حتي اقل من ذلك. إذا كان من غير الممكن إجبار أصحاب السيارات الخاصة علي عدم استخدامها, فمن الممكن إغراء نسبة منهم للتخفيف من الاعتماد علي السيارات الخاصة إلي النقل الجماعي شريطة توفير وسائل مواصلات متميزة في خدماتها, الأمر الذي يمكن ان يغري بعضهم لاستخدام تلك الوسائل بديلا لسياراتهم. وهنا يمكن أن يلعب القطاع الخاص دورا هاما. علي أن يتم تدعيم تلك المشروعات كما تم دعم مشروع التاكسي الجديد. فعلي سبيل المثال لو تم انشاء خط اتوبيس مكيف ذي مقاعد جيدة وخدمة متميزة لا يحمل راكبا الا إذا كان له مقعد خال من مدينة6 أكتوبر إلي وسط القاهرة, علي أن يتم تلاشي عيوب التجربة السابقة. ومن الممكن أن يكون سعر هذه الخدمة أكثر قليلا من خمسة جنيهات, مما سيجذب الكثير ممن يستخدمون هذا الطريق ويتحملون في ذلك الكثير من المعاناة حين يستخدمون سياراتهم الخاصة. فبهذه الحسبة سيجد بعض المواطنين أنه قد ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد, أراح أعصابه من عناء القيادة وسط الزحام الشديد, ووفر استخدام سيارته كما وفر صيانتها, كما أزاح عن كاهله هم البحث عن مكان لركن سيارته وسط القاهرة. إن نجاح هذا المشروع حال تعميمه سيؤدي الي توفير الطاقة المتمثلة في البنزين, كما سيخفض تلوث البيئة, وسيؤدي إلي تقليل كثافة السيارات وبالتالي تقليل حالة التكدس التي تشهدها شوارع القاهرة الآن. وهناك نهر النيل والذي ما زلنا مقصرين في استخدامه كوسيلة فعالة ومناسبة ورخيصة لنقل الافراد والبضائع. وكثيرا ما طرحت افكار ومشروعات لتطويرالملاحة النهرية, ولكن لم يحدث التقدم المطلوب.لذلك فالالتفات إلي الاستفادة من النقل النهري قد يخفف مجموعة كبيرة من الأعباء والمشاكل الواقعة علي عاتق المرور.