لابد للمرء أن يتفاءل عندما يري حديثا تليفزيونياً أو يقرأ مقالاً للأستاذ عبد الحليم قنديل خصوصا إذا كنت تعرفه منذ ظلام عهد ما قبل ثورة يناير. لقد كان سيادته دائما متفائلا ومتوقعا للثورة رغم الظلام السائد والهراوات المنحطة التي تنهال علي رأس الشعب وعلي رأسه هو بالذات ورفاقه في حركة «كفايه» وغيرها من حركات المقاومة ضد نظام مبارك الفاسد،المزور والمتصهين. الآن بعد أن قامت الثورة واتسعت محاولات إفشالها أو احتوائها ،وبعد أن انخدعنا جميعا في المجلس العسكري وحكوماته المتتالية نجد الأستاذ قنديل علي رأس المحذرين من هذا الافشال أو هذا الاحتواء،فيقول في جريدة صوت الأمة،بعد أن عاد لرئاسة تحريرها مع الثورة،واصفا تصرفات المجلس العسكري: "لا للتباطؤ الذي يوحي بالتواطؤ" ويقول يوم 27 مارس 2011 موجها كلامه أيضا للمجلس العسكري: "مصر تغلي يا جنرالات" . ولا يسعني في هذا الإطار إلا أن أحييه وأن أقترح عليه احتمالا هاما أرجو أن يتسع صدره له: "أليس من المحتمل أن يكون المجلس العسكري المباركي وحكوماته المتتالية، هو نفسه الثورة المضادة؟ مع التأكيد علي أن المجلس العسكري المباركي ليس الجيش الوطني المنحاز للثورة وللشعب". كان من المفهوم قبل الثورة أن يظهر الأستاذ قنديل في القنوات الأجنبية (الجزيرة، المنار، إلخ) و لا يظهر في القنوات المصرية، أما أن يستمر هذا الوضع حتي بعد الثورة فذلك ما يصعب فهمه علي ذهني البسيط. وفي حديث ممتع مع الجزيرة مباشر. مصر مساء الجمعة 25 مارس 2011 قال الأستاذ عبد الحليم قنديل الكثير من الأشياء الصحيحة والشجاعة عن الثورة والثورة المضادة كنت أتمني أن يسمح له أن يقولها علي القنوات المصرية. إلا أنه أيضا قال ما معناه" إن ثورة 25 يناير 2011 هي ثورة ضد الانقلاب الذي قام به السادات عام 1971 علي نظام عبد الناصر. لأن بعض الليبراليين يعتقدون أن هذه الثورة( 25 يناير) قامت ضد كل ذلك وما قبله وذلك خطأ". وأعتقد أن ذلك خطأ من جانب الأستاذ قنديل لعدة أسباب: 1- أن ما يعتقد ذلك ليس الليبراليون فقط ولكن عدد من القوي السياسية الأخري. 2- أن السادات الخائن والعميل صاحب اتفاقيات كامب ديفيد الخيانية قد استطاع القيام بهذا الانقلاب الخطير (والذي تلاه العديد من التطورات السلبية التي أوصلتنا إلي نظام مبارك المتصهين) هو نتيجة منطقية لإخفاقات النظام الناصري الوطني علي كل المحاور. فبأي منطق يمكن لثورة 25 يناير أن تنقلب علي انقلاب السادات دون أن تنقلب علي الإخفاقات التي أدت إليه سواء بوعي أو بشكل عفوي؟ إن حركة الجيش في 23 يوليو 1952 هي بدون أي شك حركة وطنية، تحررية وتقدمية دعمها الشعب ولم تؤثر في مصر فقط ولكن في كل العالم العربي والعالم الثالث كله. كما أنها أنجزت في بداياتها إنجازات وطنية واقتصادية واجتماعية كبيرة لا يمكن إنكارها. ولكنها حققت بعد ذلك إخفاقات علي كل المحاور لايمكن أيضا إنكارها وعلي رأسها هزيمة 1967 الكارثية والتي مازلنا نعيش تحت آثارها المدمرة حتي الآن كما أخفقت بشدة في جانب الديمقراطية وأيضا أنتجت من الكوادر الفاسدة من ظلوا من دعائم النظام الساداتي والنظام المباركي وبعضهم ما زالوا طليقين ولم يحاسبهم حتي الآن المجلس العسكري وحكومته (المحسوبين زورا علي ثورة 25 يناير). إن ثورة 25 يناير ثورة شعبية شاملة تفوق في حجمها ونسبة المشاركة الشعبية فيها وتداعياتها ثورة 1919 وهي أول ثورة شعبية في مصر منذ ثورة 1919 وإعتبارها ثورة فقط ضد انقلاب السادات علي النظام الناصري ليس فقط غير صحيح كما هو موضح عاليه إلا أنه يقلل من حجم وأهمية هذه الثورة بشكل غير علمي وغير موضوعي. وأنا علي ثقة كبيرة أن الأستاذ قنديل سوف يعيد النظر في هذا الموضوع أو أن يناظرني حتي نصل إلي مفهوم صحيح وموضوعي لهذه الثورة العظيمة. كما أن قيامه بحصر من لا يتفقون معه في هذه النظرة الخاطئة( من وجهة نظري) في الليبراليين (وفقا لتعريفه هو لليبراليين الذي صرح به لشاب من أبناء أحد الزملاء المناضلين) هي أيضا نظرة غير صحيحة. لذلك فإنني أدعو كل الزملاء من جميع الاتجاهات الذين يختلفون مع الأستاذ قنديل في هذا التوصيف لثورة 25 يناير أن يطرحوا وجهات نظرهم للمناقشة من أجل إثراء الحوار. والحقيقة أن مثل هذا النقاش حول المفاهيم الأساسية هو شيء علي أعلي درجة من الأهمية بعد ثورة 25 يناير، فبعد سنين من الركود الفكري والسياسي ودخول الملايين لساحة السياسة لأول مرة أصبح من الضروري تحقيق أعلي درجة من الوضوح حول كل القضايا علي جميع المحاور: الوطنية، الديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية. وسوف تنطلق في الشهور القادمة عشرات الأحزاب بإذن الله، وكلها سوف يكون لها دورها المهم في تطوير وتنظيم جماهير الثورة من أجل مفاهيم وأهداف مشتركة في خدمة الوطن وخدمة النضالات الوطنية الشريفة ذات التوجهات الديمقراطية المعادية للاستعمار والصهيونية وضد الظلم والفساد ومع الحرية والعدالة الإجتماعية. فالحقيقة أن الكثير من اليفط التاريخية فقدت معناها وقيمتها في العقود القليلة الماضية وأصبح المضمون كما هو موضح عاليه هو الأساس بشرط أن يكون هذا المضمون ومكوناته مفهوما بمعني مشترك من الجميع وبذلك نستطيع تحديد نقاط الاتفاق والاختلاف بشكل موضوعي وليس كسوء فهم أو خلاف في تسمية نفس الأشياء بأسماء مختلفة أو أشياء مختلفة بنفس الأسماء. وحيث ان المعرفة قد اتسعت وتداخلت بشكل كبير في العقود الأخيرة وأصبح كل موضوع يشمل الكثير من التخصصات بمعناها الكلاسيكي فأصبح من الضروري خلق لغة مشتركة بين مختلف التخصصات وأيضا مصطلحات تنطبق علي مختلف الأشياء بشكل تجميعي صحيح. ويبدو أن نظرية المنظومات هي أفضل طريقة لتحقيق ذلك . لذلك كله فإن هذا الحوار المبدئي حول طبيعة ثورة 25 يناير العظيمة يكتسب أهمية خاصة في هذه الظروف وذلك لا يقلل من الأهمية القصوي للموقف المحدد والموحد من المجلس العسكري وحكومته بعد أن تحول " التباطؤ الذي يوحي بالتواطؤ" إلي مواقف وقوانين وتصرفات معادية للشعب والثورة واستمرار حماية مبارك وعائلته. هذا التحول جعل شعار الأستاذ قنديل يتطور في وقت قصير جدا إلي أن:" مصر تغلي يا جنرالات" وهو تحذير تطوع سيادته بتقديمه من قبل لنظام مبارك المتصهين دون جدوي وبدلا من أن يشكره مبارك علي هذه النصيحة لوجه الله اضطهده، أرجو ألا يفعل المجلس العسكري ذلك.