إذا ذهب المواطن العربي إلي البحر الميت - أكثر المناطق علي وجه الأرض انخفاضا - لابد له أن يسرح قليلا وهو يقف علي شاطئه، ناظرا إلي إسرائيل علي بعد مسافة قليلة منه في الضفة الأخري قبل أن يتساءل: لماذا العرب هم الأكثر انخفاضا وهبوطا وخضوعا، بينما الإسرائيليون أكثر صعود أو قوة وغطرسة؟! سؤال لا علاقة له كثيرا بالمناسبة التي حضرتها في البحر الميت والتي سموها «جوردون أووردز» ووصفوها بأنها أول جائزة ثقافية فنية في الأردن.. وهو مولد شبيه بكل موالد الجوائز العربية.. المهم عندهم وعندنا حضور أكبر عدد من الفنانين العرب حتي لو «فصلوا» الجوائز من أجلهم بأسلوب الترزية، ثم يلتقطون الصور وينفض المولد وهم يسرفون في الحديث عن المهرجان التاريخي والاحتفال الأسطوري والنجاح الباهر.. والمشكلة في رأيي تبدأ من النجوم العرب الكبار أنفسهم، والذين وصلت بهم النرجسية الشديدة والذاتية الغريبة إلي حد أنهم لا يحضرون مهرجانا أو استفتاء أو حفل توزيع جوائز، إلا إذا ضمنوا الحصول علي الجائزة التي يريدونها ..يرفعون شعار: لن أحضر إلا إذا حصلت علي جائزة أحسن مخرج أو أحسن ممثل أو أحسن ممثلة، ويضطر منظمو مهرجانات الجوائز إلي الخضوع لهذا الابتزاز، لانهم أيضا لا يهمهم مصداقية الجائزة ولا يعنيهم في المقام الأول إلا حضور الفنانين الكبار.. والسؤال : لماذا لا يحضر الفنانون الكبار لمشاركة زملائهم فرحتهم بالجوائز، حتي لو كانوا من الصاعدين أو الوجوه الجديدة؟ لماذا يشترطون هذا «الشرط النرجسي» «فيها لا اخفيها» الذي أفقد الجوائز أهميتها وقيمتها ومعناها؟! قال لي أحد منظمي المهرجان: لو منحنا الجوائز لرانيا يوسف ونيللي كريم وخالد الصاوي وإياد نصار «وحده» فلن يحضر الكبار.. ونجاح المهرجانات يقاس بعدد النجوم البارزين الحاضرين.. هذا هو مفهومهم، مع أن مصداقية الجوائز أهم من النجوم، وهي المقياس الأول والأخير لنجاح أي استفتاء .. الخطيئة الثانية لمهرجانات الجوائز العربية بعد الخضوع لنرجسية النجوم هي الخضوع لمنهج «القبيلة» أو «الكعكة».. أي توزيع الكعكة علي المصريين والسوريين والأردنيين لإرضاء الجميع ..إرضاء كل القبائل الفنية وهو الخطأ الفادح الذي وقعت فيه جائزة «جوردون أووردز» .. فلضمان حضور النجمين الكبيرين : المصري يحيي الفخراني والسوري بسام كوسا «لأن كليهما لن يحضر إلا إذا حصل علي ما يريد» تم منحهما جائزة أحسن ممثل عربي مناصفة مع أن كل الجوائز الأخري فردية ماعدا هذه الجائزة، ولأن إياد نصار في نظر الكثيرين أفضل ممثل عربي هذا العام فقد منحوه جائزة أحسن ممثل أردني وأرضوا بذلك الجميع، وهلل إياد للجائزة مع انها تقليل من شأنه، فقد حصل عليها بموجب «أردنيته» وانطلاقا من منهج «الكعكة» لإرضاء الجميع مع أنه يستحق جائزة أفضل ممثل عربي .. ولضمان حضور المطرب العراقي منحوه جائزة أحسن مطرب عربي لعام2010 ، مع أنه لم يقدم شيئا مميزا هذا العام ومنحوا جائزة أحسن مطربة عربية لإليسا .. وحسب معلوماتي، فإن الفنانة أنوشكا رفضت الصعود للمسرح لتقديم جائزة إليسا لعدم قناعتها بالاختيار، وأنها قالت: محتمل أن تستحق لقب أفضل ألبوم إلا أنها لا تستحق لقب أفضل مطربة عربية.. هذه معلوماتي .. أما أنوشكا فقد بررت عدم صعودها بأنها أخبروها متأخرا جدا بأنها هي التي ستقدم جائزة أفضل مطربة وبالتالي لم تكن جاهز. أغرب ما في جوائز أفضل مطرب ومطربة أن أسماء المتنافسين والمرشحين خلت من المصريين، وهو تعمد واضح لا لبس فيه.. فالذين تنافسوا علي لقب أفضل مطرب عربي هم : حسين الجسمي ووائل جسار وكاظم الساهر، واللواتي تنافسن علي لقب أفضل مطربة عربية هن: إليسا ولطيفة وأصالة ولا وجود لأسماء بحجم عمرو دياب وهاني شاكر وتامر حسني وشيرين عبد الوهاب وأنغام.. والفنانة الكبيرة نادية الجندي كانت غاضبة، لأن مسلسلها عن الملكة نازلي لم يدخل في أي جائزة، وكانت تريد أن تحصل علي لقب أحسن ممثلة عربية، فعوضوها بتكريم ملائم توسطت فيه قائمة المكرمين، وهي تستحق التكريم لتاريخها الفني الكبير. اعتراضي فقط علي منهج «الكعكة».. أي توزيعها علي الجميع لإرضائهم ولضمان وجودهم في المهرجان.. وحسب معلوماتي أيضا، فإن نادية الجندي كانت تنوي الاعتراض وهي علي المسرح لاستبعاد الملكة نازلي من الجوائز إلا أنها فرملت نفسها في اللحظات الأخيرة في ظل وجود الأميرة ريم زوجة الأمير علي بن الحسين، التي صعدت علي المسرح لتكريم الفنانين الكبار.. وذهبت جائزة أحسن ممثلة عربية للمثلة السورية «سلافة معمار» ومعلوماتي من أعضاء في لجنة التحكيم أن الجائزة كانت ستحصل عليها غادة عبدالرازق وتم تعديلها في اللحظات الأخيرة.. المهزلة الكبري تتعلق بجائزة أحسن مخرج.. كنا جميعا نستعد للاحتفال بتسليمها للمخرج المبدع محمد ياسين عن مسلسل الجماعة الا أننا فوجئنا بأنها ذهبت للمخرج السوري نجدت أنزور وسط ذهول الجميع.. اعتقد أن اختيار نجدت جاء في اطار الخطيئتين اللتين تحدثت عنهما: خطيئة الخضوع لابتزاز الاسماء الكبيرة وخطة منهج توزيع الكعكة لإرضاء المصريين والسوريين.. غادرت البحر الميت أكثر البقاع انخفاضا في العالم كله، وأنا علي يقين أننا أيضا الأكثر انخفاضا وانحدارا أو هبوطا علي مستوي الجوائز والمهرجانات الثقافية والفنية.