· من يزرع الشوك لايحصد ورداً.. وقد زرع نظام الحكم أشواكا يصعب اقتلاعها · القيادة السياسية في أي بلد هي قمة الحكم.. إذا فسدت.. فسدت الأمة وانهارت الدولة · كل شيء في مصر يلفه الغموض وتحيطه السرية.. ولا توجد مؤسسات تدير البلد لايوجد أحد في مصر يعرف كيف تدار الأمور في هذا البلد، ومن هم صناع القرار فيه؟!.. هل تدار مصر من مقر رئاسة الجمهورية.. أم من ديوان وزارة الداخلية ومقار مباحث أمن الدولة .. أم من مقر لجنة السياسات التي يرأسها جمال مبارك نجل الرئيس .. أم من مكاتب رموز مركز القوي التي تحكم مصر، أمثال صفوت الشريف، وزكريا عزمي، وفتحي سرور، وأحمد عز، وعلي الدين هلال؟! كل شيء في مصر - الآن - يلفه الغموض وتحيطه السرية التامة.. لا توجد مؤسسات حقيقية تدير البلد، ولا توجد شفافية ولا يحزنون. هناك فقط مصالح مشتركة، وبيزنس مشترك بين الكبار .. بين رموز السلطة وكبار رجال الأعمال من الهبيشة .. والاثنان معا شكلوا ما يسمي بزواج المال والسلطة .. ولم يعد هذا الزواج سرا، أو عرفيا، بل أصبحنا نراه ونشاهده "عيني عينك" .. علاقات مشبوهة بين بعض رموز السلطة ورءوس الفساد .. وعلاقات مشبوهة بين بعض قيادات البنوك ورجال الأعمال .. وعلاقات مشبوهة بين بعض اعضاء مجلس الشعب وصانعي القرار في مصر . صفقات تعقد بين الكبار مخالفة للقانون .. وثروات يتم حصدها وإيداعها في بنوك الخارج .. وشعب يموت جوعا. الأرقام والبيانات والاحصاءات والميزانيات والايرادات والنفقات والقروض والمنح والهبات والمصروفات السرية، كلها تحولت إلي ألغاز في حياة المصريين.. الحكومة تبيع شركات قطاع الأعمال - وهي ملك الشعب - ولا أحد يعرف من الذي قام بتقييم هذه الشركات، وكيف تم البيع، وماهي حصيلة البيع .. وأين ذهبت؟ تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات، والرقابة الإدارية، مليئة بالجرائم التي يرتكبها الكبار، ورغم ذلك لا أحد يحاسب المنحرفين ولصوص المال العام. 28 عاما من حكم مبارك، ولا أحد يعرف كيف تدار مصر .. ومن هو صانع القرار فيها .. أكثر من ربع قرن هوي رصيد مصر من ركب التقدم إلي الصفر .. ربع قرن هو في حساب الزمن، قرن من الارتداد والتقهقر، وسط عالم يتقدم بسرعة الصاروخ .. أمم كثيرة قبلنا، بل لم يكن لها وجود علي خريطة العالم، نهضت وتحولت إلي نمور اقتصادية، قادرة علي مصارعة الكبار. والحقيقة التي لايريد أن يعرفها النظام الحاكم في مصر، أن من يزرع الشوك لا يحصد وردا .. وقد زرع نظام الحكم الفاسد الذي يحكمنا الآن اشواكا يصعب اقتلاعها، وقد كان حصادها فسادا وتخريبا شمل كل مؤسسات الدولة بلا استثناء. ومشكلة مصر ليست في قلة مواردها الطبيعية، ولا في قلة عقول وسواعد رجالها، ولا في زيادة تعداد سكانها كما يزعمون، ولكنها تكمن في احتكار السلطة وكبت الحريات العامة وقهر المواطن المصري وتفشي الفساد الذي أصبح منظومة حكم. ولو أتيحت لمصر موارد الأرض جميعها، فلا تستطيع أن تنهض بغير الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وتحقيق العدالة .. فهناك أمم فقيرة بمواردها وثرواتها - مثل اليابان- استطاعت النهوض والتقدم بفضل الديمقراطية والحرية وتحفيز مواطنيها علي العطاء، وهناك أمم غنية بمواردها الطبيعية- مثل الكونغو - ورغم ذلك مازالت تعيش في قاع التخلف بسبب فساد حكامها وقهر مواطنيها وسلب مواردها. والقيادة السياسية في أي بلد، هي قمة الحكم وأداة التوجيه في الأمة .. إذا فسدت، فسدت الأمة وانهارت الدولة ..ومصر تعيش الآن حالة انهيار مرعب ومخيف، لايدركه أهل السلطة، أو يدركون ذلك ويدفنون رءوسهم في الرمال، بينما ثرواتهم في بنوك سويسرا وأمريكا والخليج .. إذا حدثت ثورة الجياع، فروا بطائراتهم الخاصة خارج مصر، وتركوا شعبها يغرق. إن القضية تحتاج إلي مراجعة شاملة لملف حياتنا السياسية والاجتماعية والأخلاقية، لأن التربة المصرية مهيأة الآن لاستنبات الأعشاب السامة في ظل الظروف الخطيرة التي نمر بها، وسيبقي الإجرام متحفزا. طالما بقي الهامش الديمقراطي ضيقا ومحصورا في إطار الحزب الواحد واحتكار السلطة وغياب العدالة، وسيبقي الاحتقان السياسي مستمرا طالما بقي المصريون علي هامش الحياة السياسية، يتفرجون علي أعمال البلطجة السياسية والتزوير ونهب المال العام تجري جهارا نهارا ولا يستطيعون حيالها دفاعا. إذا لم يحدث إصلاح سياسي حقيقي، ستزداد رقعة الإجرام، طالما ظل الخروج علي النظام والقانون سلوكا عاما لا يستفز حمية الدولة، ولا يدفعها إلي سرعة الحركة لمواجهة الفساد أيا كان موقعه أو مرتكبوه.