سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المحمدي قنصوة: إلغاء حكم إعدام هشام طلعت ومحسن السكري ليس هزيمة لنا فعلاقتنا كمحكمة بالقضية تنتهي فور إعلاننا للحكم.. والقاضي الذي يصبح نجماً لم يعد قاضياً وائل الإبراشي يكتب:
· القضاة: الفضائيات تناقش الشهود وأدلة الاتهام وعاوزه تدخل مسرح الجريمة علشان تصور.. طيب مانجيب بقي الإعلام يحكم في المنازعات والقضايا · مطلوب ميثاق شرف جديد ينظم كيفية تناول الفضائيات للقضايا المنظورة أمام المحاكم قال لي رئيس إحدي النيابات وهو في قمة الغضب : معقول اللي بيحصل ده؟! قلت له : خير .. واصل كلامه وقد ازداد غضبه : هاييجي منين الخير والفضائيات تحولت إلي ميلشيات وأصبحت خطرا علي العدالة .. طيبت خاطره قائلا : اهدأ إيه اللي حصل .. ازداد انفعاله واستطرد : منين ييجي الهدوء مع الفضائيات وكاميرات التليفزيون وجيوش العاملين والمصورين والفنيين.. قبل أن أطيب خاطره من جديد عاجلني صارخا : الفضائيات بكاميراتها عاوزة تدخل مسرح الجريمة .. عندي جريمة قتل وبينما نقوم بالمعاينة فوجئنا بجيوش القنوات الفضائية تتشاجر مع الشرطة وبيقولوا : من حقنا نصور ورافعين شعارات من نوع: حرية الإعلام فوق الجميع.. وواصل دون أن ينتظر تعقيبي : ياأستاذ قول للناس بتوعكم «إلا مسرح الجريمة».. العبث في مسرح الجريمة «يبوظ القضية» ويهدر العدالة.. وللتدليل علي كلامه روي لي رئيس النيابة أنه كان يحقق في جريمة قتل أخري منذ أسابيع وأخذ يعاين مسرح الجريمة بدقة متناهية وشديدة، ووجد في يد القتيلة شعرة حريمي تمسك بها في قبضتها.. هذه الشعرة أدت لإدخال زوجة البواب كمتهمة في الجريمة بعد أن كانت كل الأدلة تتجه إلي البواب فقط وثبت بالفعل بعد ذلك أنها شريكته في ارتكاب الجريمة.. وصرخ غاضبا: تخيل أنت لو طارت هذه الشعرة أو عبث البعض بمسرح الجريمة، وتخيل أنت لو دخلت جيوش الفضائيات مسرح الجريمة ومحت البصمات والأدلة، ثم أنهي كلامه صارخا : ياأستاذ انتم عندكم حالة سعار فضائي وجنون إعلامي.. والعدالة هي الضحية وأخذ يردد : «إلا مسرح الجريمة» .. ابعدوا الفضائيات والكاميرات عنه. قبلها وفي نادي القضاة همس في أذني المستشار المحمدي قنصوه .. رئيس المحكمة التي أصدرت حكمها بإعدام المتهمين محسن السكري وهشام طلعت مصطفي في قضية سوزان تميم، وهو الحكم الذي أعلنته محكمة النقض منذ أيام : «إلا مناقشة أدلة الاتهام» وأخذ يحدثني عن الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الفضائيات في قضية مقتل سوزان تميم وهي الأخطاء التي دفعت المحكمة إلي إصدار قرار بحظر النشر في القضية خاصة تلك المتعلقة بمناقشة الشهود وأدلة الاتهام. وفي السنوات القليلة الماضية حدثت وقائع كثيرة وجرت في الأنهار مياه غزيرة أظهرت بما لا يدع مجالا للشك أن هناك أزمة عميقة بين الإعلام والقضاء.. بين الإعلاميين والقضاة خاصة بعد تنامي القنوات الفضائية الخاصة التي أصبحت المشكل الأساسي لوعي الناس والتي اندفعت بفعل التنافس الشديد وتسابقت لتحطيم كل ماهو ممنوع. المشكلة أن وسائل الإعلام تتغذي علي قضايا الرأي العام التي تعد بمثابة غذائها الرئيسي، مثل قضية هشام طلعت وسوزان تميم وقضية هبة ونادين والمشكلة الأكبر أن كل قضايا الرأي العام منظورة أمام المحاكم والنيابات.. ومن هنا يأتي الصدام.. فضاء يحلق وقضاء يقيد.. قنوات أو برامج فضائية تدافع عن حق المشاهد في المعرفة.. وهيئات ومنصات قضائية تدافع عن حق المتهم في محاكمة عادلة ساحتها الوحيدة هي المحكمة التي يحاكم أمامها، وليس القنوات الفضائية التي تحولت إلي قضاء مواز ومنصات قضاء تناقش الشهود وأدلة الاتهام وتصدر الأحكام. السؤال : كيف نوازن بين حق المشاهد في المعرفة وحق المتهم في محاكمة عادلة بعيدا عن تدخلات القنوات الفضائية؟ وكيف نوازن بين حرية الصحافة وحق القضاة في أن نحافظ لهم علي هيبتهم ووقارهم؟! ونظرا لأهمية وحساسية وخطورة القضية، فقد اتفقت كلية الإعلام جامعة القاهرة مع نادي القضاة علي تنظيم وعقد مؤتمر مهم بعنوان «الإعلام والقضاة» تحت رعاية رئيس مجلس الشعب الدكتور فتحي سرور ووزير الدولة للشئون القانونية والبرلمانية الدكتور مفيد شهاب ورئيس جامعة القاهرة الدكتور حسام كامل وترأس المؤتمر المستشار أحمد الزند رئيس نادي القضاة والدكتورة ليلي عبد المجيد عميد كلية الإعلام.. بعض المشاركين تبنوا وجهة نظر قائمة علي تحذير الإعلام من الاستمرار في مهزلة تناوله لشئون القضاء والقضاة والقضايا المنظورة أمام المحاكم وعلي رأسهم الدكتور أحمد الصاوي العميد السابق لكلية الحقوق جامعة القاهرة، وهو شخصية محترمة إلا أنه من شدة حرصه علي حماية القضاء والقضاة من الغزوات الفضائية غالي في لهجة التحذير والتخويف حيث قال: يجب علي الإعلام أن يبتعد عن القضاء والقضاة، وأنه بهذه الصورة التي هو عليها مفسدة للقضاء وقدسية القضاة ودعا إلي وضع خطوط حمراء لايجب أن تتجاوزها الصحافة أو وسائل الإعلام عند التعامل مع القضاة والقضاء، وهي وجهة نظر تحذيرية يتبناها عدد كبير من القضاة الغاضبين من الإعلام.. عبرت عن وجهة نظري وملخصها: أولا: يجب أن تفهم التطور الحادث في المجتمع واستيعاب أن القنوات الفضائية أصبحت هي المشكل الأساسي لوعي الناس، بل أقول إنها أصبحت بديلا عن الأحزاب والقوي السياسية وبالتالي فإن أي حديث عن تنظيم العلاقة بين الإعلام والقضاء لايجب أبداً أن يكون هدفه هو العودة إلي الخلف وتقييد القنوات الفضائية فحرية الإعلام المرئي تخدم المجتمع، وهي التي أدت إلي زيادة ثقافة الاحتجاج عند الناس لاجدوي من المناقشة إذ كان الهدف هو التآمر علي القنوات الفضائية كمقدمة لتقييدها أو إلغاء بعض برامجها أو إغلاقها. ثانيا: يجب الإجابة علي سؤال مهم: هل القضاء مجتمع بشري أم مجتمع ملائكي.. هل القضاة بشر يصيبون ويخطئون، أم أنهم أصحاب قداسة لاتمس؟ الإجابة هي أن القضاة بشر وليسوا مقدسين..مواطنون لا ملائكة إلا أن ذلك لايعني نزع الوقار عنهم أو المساس بهيبتهم.. نعم العلاقة مع القضاة لها خصوصيتها والحل في التوازن بين حق المشاهد في المعرفة وحرية الإعلام من ناحية والحفاظ علي هيبة ووقار القضاة من ناحية أخري. من حق الإعلام أن يتناول قضية قاض انحرف أو سقط في قضية فساد من أي نوع، مادامت الوقائع موثقة ومن حق الإعلام أن يناقش قضية ندب القضاة كمستشارين في الهيئات والوزارات الحكومية لأنها تنال من استقلالية القضاة والقضاء، ومن حق الاعلام أن يتناول قضية الإشراف القضائي علي الانتخابات ويناقش دون خوف ما يثيره البعض بين الحين والآخر من أن هناك قضايا بعينها تذهب لقضاة بعينهم.. من حق الإعلام أن يخوض في كل هذه القضايا شريطة الالتزام بالضوابط المهنية والأخلاقية. السؤال الذي طرح وفرض نفسه هو: هل توجد أخطاء وخطايا إعلامية تتعلق بتناول القضايا المنظورة أمام المحاكم؟ الإجابة: نعم لدرجة أن بعض الفضائيات تحولت إلي قضاء مواز يحاكم المتهمين ويصدر أحكاما، ولايجب أن ننكر أننا جميعا نقع في هذه الأخطاء بدافع المنافسة والبحث عن سبق جديد.. السؤال الأهم: ما هو الحل؟.. الحل الذي اقترحته هو ميثاق شرف صحفي يتعلق بكيفية تناول القضايا المنظورة أمام المحاكم بشكل يوازن بين حق المشاهد في المعرفة وحق المتهم في محاكمة عادلة، بشرط أن يصنع الميثاق أصحاب الشأن معاً: الصحفيون والقضاة، ولا تضعه الحكومة كما اعتدنا فكل مشروعات القوانين أو المواثيق التي تضعها الحكومات يكون هدفها الأساسي هو التقييد والخنق. ألقي المستشار المحمدي قنصوة كلمة بديعة بدأها بالتنويه بتواضع شديد إلي أنه لايفهم في مصطلحات الصحافة، وأنه يتحدث كقاض قال: أفهم أن مهمة الصحافة هي تنوير المجتمع ومهمة القضاء هي الفصل في المنازعات.. والقضاة بشر وليسوا ملائكة، فعمل القضاة عمل بشري ولكن القضاة ليسوا نجوم مجتمع، وإذا سألتني: ما رأيك في القاضي الذي يتسابق ويلهث وراء وسائل الإعلام إجابتي واضحة وقاطعة: إذا فعل القاضي ذلك لم يعد قاضيا، أكرر وأقول: آسف من يفعل ذلك ليس قاضيا.. وإذا سألني البعض: ما رأيك في تدخل الإعلام في عمل القضاة.. إجابتي: الإعلام مفسدة للقضاء إذا تدخل في عمل القضاة.. «نجيب بقي الإعلام يحكم في المنازعات والقضايا».. قالها المستشار المحمدي قنصوة محذرا من هذه الظاهرة الخطيرة التي انتشرت مؤخراً. وأضاف متسائلا: القضية واضحة علينا أن نسأل أنفسنا ما هو المحظور علي الإعلام؟ الإجابة: أن يقوم مقام القضاء.. المحظور هو التدخل في عمل القاضي وهو: الفصل في المنازعة. المستشار المحمدي قنصوة حدد إذن الباب الذي يفض الاشتباك بين الإعلام والقضاء وهو ألا ننافس القضاة في وظيفتهم الأساسية وهي: الفصل في المنازعة، كان من الطبيعي أن يسأل البعض المستشار المحمدي قنصوة عن حكم محكمة النقض في قضية سوزان تميم وهو الحكم الذي ألغي حكم الإعدام.. سألته: هل تنظر إلي حكم محكمة النقض علي أنه هزيمة لك؟ وكانت إجابته: ليست هزيمة ولا حاجة.. علاقتنا كمحكمة بالحكم تنتهي فور صدور الحكم وبمجرد أن أعلنت حكم المحكمة في قضية سوزان تميم انتهت علاقتي نهائيا بالقضية.. ومحكمة النقض تقول لنا إن المحكمة أخطأت في كذا وفي كذا. مناقشات مهمة أتمني أن تستمر لتنظيم العلاقة بين الإعلام والقضاء بشكل يوازن بين حرية الإعلام والعدالة.. بين حق المواطن في المعرفة وحق المتهم في العدالة.. بين فهم دور الإعلام والحفاظ علي هيبة ووقار القضاة.. والحل ميثاق شرف جديد يضعه أصحاب المهنة.