انطلاق امتحانات نهاية العام 2024 بجامعة برج العرب التكنولوجية    محافظ المنيا: توريد 318 ألف طن قمح للصوامع منذ بداية الموسم    تصل ل1890 جنيها.. ننشر الحد الأقصى لصرف زيادة المعاشات 15% قبل العيد    «الدقهلية» تتسلم 1.2 مليون ذريعة سمك بلطي دعما من «حماية البحيرات»    "كل العيون على رفح".. حملة انستجرام تتجاوز 40 مليون مشاركة خلال ساعات    وزير خارجية النرويج: مصر دعمتنا في قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية    «حماة الوطن»: زيارة الرئيس السيسي إلى الصين تعزز العلاقات الثنائية بين البلدين    «القاهرة الإخبارية»: لابيد يجتمع مع ليبرمان لبحث خطة عمل لاستبدال حكومة نتنياهو    برشلونة يرفض رحيل هذا الرباعي في الصيف    روديجو يحسم الجدل حول رحيله عن ريال مدريد    وزير الرياضة يستقبل رئيس الاتحاد الأفريقي للكرة الطائرة جلوس    ملخص علم النفس والاجتماع لطلاب الثانوية العامة 2024    تأجيل محاكمة المضيفة المتهمة بقتل ابنتها في التجمع الخامس    «تعليم القاهرة» تشدد على توفير بيئة امتحانية آمنة لطلاب الثانوية العامة    مطار الأقصر الدولي يودع حجاج بيت الله الحرام في رحلاتهم الأولى لموسم 1445 ه    دراسة: الفراعنة تدخلوا جراحيا لعلاج السرطان والدليل جمجمة عمرها 4000 عام    «السرب» يتصدر إيرادات الأفلام بدور العرض.. وعالماشي في المركز الأخير    نقابة المهن السينمائية توجه رسائل للفائزين بجوائز الدولة التقديرية    تفاصيل دور جومانا مراد في «مفترق طرق» قبل العرض رقميًا    الكشف على 1622 مريضا ضمن قافلة علاجية مجانية بمركز بلقاس بالدقهلية    3 عناصر غذائية تحسن المزاج وتجنبك العصبية في الصباح.. احرص على تناولها    التحليل الفني لمؤشرات البورصة المصرية اليوم الأربعاء 29 مايو 2024    السؤال الذى لم تجب عنه الحكومة!    حماس تحمل واشنطن مسئولية المجازر المروعة برفح وتدعوها إلى وقف شراكتها في قتل الفلسطينيين    اتهام كوريا الشمالية بإرسال بالونات تحتوي على قاذورات وفضلات عبر حدودها مع كوريا الجنوبية    إسكان النواب: يجب حل مشكلات الصرف الصحي بعد مخصصاتها الضخمة بالموازنة الجديدة    مزايا تأمينية وحوافز شهرية.. جهاز تشغيل الشباب بالجيزة يعلن فرص عمل جديدة    228 طالبا ب"صيدلة الإسماعيلية الأهلية" يؤدون اختبار "مدخل إلى علم الجودة" إلكترونيا (صور)    مهدد بالإيقاف 4 سنوات.. محامي رمضان صبحي يكشف مفاجأة    دياب: نحتاج 4 مواسم لضبط مواعيد الدوري المصري مع العالم    "يرمي الكرة في ملعب ريال مدريد".. باريس يحتجز مستحقات مبابي    «المشاط» تبحث مع وزير التنمية البريطاني التعاون بمجال الزراعة والأمن الغذائي    لماذا أسلم البروفيسور آرثر أليسون؟    حريق يتسبب في تفحم محتويات شقة سكنية في منطقة الحوامدية    مصرع شخص إثر حادث انقلاب موتوسيكل في الشرقية    جيش مصر قادر    «تقدر في 10 أيام».. أماكن المراجعات المجانية للثانوية العامة في المنيا    بالأسماء.. ننشر نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بمحافظة الوادي الجديد    إدعى إصدار شهادات مُعتمدة.. «التعليم العالي» تغلق كيانًا وهميًا في الإسكندرية    الجيش الإسرائيلي: مقتل 3 جنود وإصابة 10 في معارك رفح    وزيرة الهجرة تستقبل أحد أبناء الجالية المصرية في كندا    فرقة aespa ترد على رسائل شركة HYPE للتخلص منها    السبت | «متحف الحضارة» يحتفي برحلة العائلة المقدسة    مصطفى كامل يهنئ الدكتور رضا بدير لحصوله على جائزة الدولة التقديرية    ماجواير يستعد لمحادثات حاسمة مع مانشستر يونايتد    وزير الإسكان يبحث وضع خطة عاجلة لتعظيم دور الهيئة العامة للتنمية السياحية    لجنة القيد تحت التمرين.. بداية مشوار النجومية في عالم الصحافة    «السبكي» يستقبل رئيس «صحة النواب» في زيارة تفقدية لمستشفى شرم الشيخ الدولي    جامعة القاهرة: قرار بتعيين وكيل جديد لطب القاهرة والتأكيد على ضرورة زيادة القوافل الطبية    بعد ترميمه.. "الأعلى للآثار" يفتتح مسجد الطنبغا الماريداني بالدرب الأحمر    وزارة الصحة تكشف المضاعفات الخطرة للولادات القيصرية غير المبررة.. انفوجراف    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في دعمنا العسكري لإسرائيل    المدير التنفيذي للأهلي: الخطيب لم ينفذ البرنامج الطبي الخاصة به بسبب نهائي إفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يكتبها: طارق الشناوي
حكايات فنية
نشر في صوت الأمة يوم 28 - 03 - 2010


جراح غائرة علي جبين كل المصريين
ثورة الأقباط اشتعلت في الكنيسة
· إنها بالتأكيد ليست مسرحية ولكنها صرخة ينبغي ألا نعتبرها مجرد تنفيس عن مشاعر مكلومة حزينة بقدر ما هي بمثابة إنذار لما هو قادم.. قد يكون أخطر وأفدح
· إطفاء الحريق يبدأ ليس من البيت ولكن من إغلاق مصدر الاشتعال
بكل الوسائل المتاحة يدافع الأقباط عن وجودهم وقضاياهم، أري وقد يري أيضاً غيري حتي من الأقباط أن ما يعانيه شركاء الوطن هو نتاج لما يجري لنا جميعاً.. الفساد الذي صرنا نتنفسه في كل جوانب حياتنا هو البنزين الذي يغذي نيران التطرف وأحداث نجع حمادي ثم مرسي مطروح وقبلهما الكشح وغيرها وغيرها هي مجرد عوارض، ورغم ذلك فإنني قد أجد نفسي متسائلاً لماذا عندما يخرج الأقباط غاضبين تشغلهم فقط قضاياهم الدينية باعتبارهم أقباطا ولا تتسع الرؤية لتشمل كل حدود وقضايا الوطن.. وتظل هذه هي القضية الأخطر التي ينبغي أن نقرأ تفاصيلها لا نعتب فيها علي المسيحي الذي يسأل: أين حقوقي؟.. ولا يتوقف كثيراً أمام حقوق الوطن المهضومة.. عندما تشتعل النيران في عمارة تقطنها فإن أول ما يشغلك هو إطفاء الحريق في شقتك وبعد ذلك تبدأ في البحث عن مصدر الحريق ..
وهكذا نستطيع أن نقرأ ما يجري علي هذا النحو، دائماً هناك حريقة مشتعلة في بيت قبطي يبدأ بإطفائها ولهذا نري أكثر من مظاهرة في الشارع شاهدناها مؤخراً، قبل أقل من أسبوعين وقف أمام باب "4" في "ماسبيرو" عدد من الأقباط يرفعون شعارات تطالب الوزير "أنس الفقي" بالعدالة في التغطية الإعلامية وذلك في أعقاب ما حدث في نجع حمادي، لم يلتق الوزير بالغاضبين هذه المرةُ في الأسكندرية أعلنوها داخل كنيسة "ماري مينا" كما أشارت الزميلة "إيمان الأشراف" علي صفحات "الدستور" الكنيسة قدمت عرضاً باسم "علامة علي جبيني".. تصدر العرض صور ضحايا نجع حمادي يتوسطهم رجل قبطي وأياد تكمم فمه وصليب بالدم محفور علي جبهته.. ،ثم ينطلق صوت مسجل "البابا شنودة" وهو يعزي أسرة المجند المصري الذي استشهد مع ستة أقباط.. العرض أخرجه "ألبرت ألفي" ومثل هذه العروض المحدودة داخل إطار الكنيسة لا تعرض علي الرقابة وتعتبر في نهاية الأمر نشاطا كنسيا نظراً لأنها لا تتخطي تلك الجدران إلي الشارع والذي أعلمه أن الكنيسة المصرية ورأس الكنيسة تحديداً "البابا شنودة" لديه حرص شديد علي ألا يحدث أي تجاوز أو هجوم علي عقيدة المسلمين بل إنه يخشي من احتمال أن يسيء البعض التفسير ولهذا مثلاً في تلك المسرحية سنجد أن هناك شابا مسلما يؤدي في المسرحية دور مسيحي" وأتصور أن الاستعانة بهذا الممثل واسمه "محمد الشيخ" في مشهد واحد يحمل تحذيراً وانتقاماً والتهديد بالفعل بالمثل من الأقباط للمسلمين لأن السن بالسن ولكن تجنباً لأي غضب إسناد هذا الدور لمحمد الشيخ!!
سبق قبل خمس سنوات أن عرضت واحدة من المسرحيات داخل إطار الكنيسة بالإسكندرية كانت في كنيسة "ماري جرجس" وتناثرت الأخبار المغلوطة بأن المسرحية تسخر من الإسلام فكانت النتيجة مظاهرات غاضبة واعتداءات علي ممتلكات الأقباط.. لكن هذه المرة يبدو حتي الآن الأمر تحت السيطرة الأمنية، لا شيء يتم داخل الكنيسة إلا بعد الحصول علي موافقة البابا، خاصة في مثل هذه الأمور الشائكة وأتصور أن البابا منح المسرحية ضوءا أخضر ولا أعتقد أيضاً أن الأمن فوجئ بعرض المسرحية، أنا أطالب الكنيسة المصرية بأن تفتح أبوابها لهذه المسرحية وغيرها لكي يشاهدها كل المصريين.. أنا أعلم بالطبع أن أبواب كل الكنائس المصرية مفتوحة ولا يوجد حارس يطلب منك أن تظهر بطاقتك الشخصية قبل الدخول ليسمح لك بالدخول أو لا يسمح ولكن لماذا لا توجه دعوات للجميع ورغم ذلك فأنا أري أن هذه المسرحية وغيرها ليست شأناً قبطياً بقدر ما هي شأن مصري يهمنا كلنا.. الفن إحدي وسائل المقاومة المشروعة وإن كنت أعرف مقدماً أن مثل هذه الأعمال الفنية التي تلعب علي المشاعر الساخنة في العادة لا تحمل أي نبض فني بالمعني الحقيقي للفن وأنها أقرب إلي الصرخات، خاصة أن جمهور الحاضرين في العادة علي نفس الموجة، فهو مهيأ للتصفيق والبكاء بل والصراخ مع ما يشاهده علي المسرح.. إنها بالتأكيد ليست مسرحية ولكنها صرخة ينبغي ألا نعتبرها مجرد تنفيس عن مشاعر مكلومة حزينة بقدر ما هي بمثابة إنذار لما هو قادم.. قد يكون أخطر وأفدح.. لا أعتقد أن ما حدث من قبل ذلك في كنيسة "ماري جرجس" عام 2005 سوف يتكرر مع "علامة علي جبيني" 2010 في كنيسة "ماري مينا" خاصة أن هذه المرة المسرحية وتفاصيلها معلنة علي الجرائد وقد نجد C.D و D.V.D منتشراً بين الأيدي وعبر النت.. كل هذا ممكن أن نراه أمامنا إلا أن الأهم إذا أردنا حقيقة المواجهة بالفن أن نقدم أعمالاً فنية درامية مسرحية وسينمائية وتليفزيونية لا تغض الطرف عن الأحداث الطائفية ولا تعتبرها أعمالاً فردية إجرامية مرددة آراء الدولة وفي نفس الوقت تبتعد عن الحساسية لأن الإطار الكنسي مثل الإطار الإسلامي يضع أمام حرية التعبير أسواراً أخري أشد ضراوة مما تضعه الدولة.. أنا أعلم أن الرقابة في بلدنا سوف تواجه بالرفض والمصادرة لأي عمل فني يتناول الأحداث الطائفية برؤية لا تتوافق تماماً مع إعلان الدولة الرسمي بأنها أحداث فردية ولكنها تظل في كل الأحوال خطوة ينبغي أن نبدؤها.. وساعتها سوف يكتشف الجميع أن إطفاء الحريق يبدأ ليس من البيت ولكن من إغلاق مصدر الاشتعال.. إنه الفساد وفي التعليم والصحة وغياب العدالة.. تلك هي الأرض التي تنبت بذور الطائفية في بلدنا
**********
فيلم الأوسكار "خزانة الآلام" يرفع شعار :
يعيش الجندي الأمريكي وتموت المقاومة العراقية!!
عربة تتحرك بالريموت كنترول نداء يطلب من الجميع إخلاء المنطقة يترافق مع تلك الرؤية المتوترة، عربة مدرعة تتحرك في عمق الكادر.. نساء يلهثن هلعاً بينما المخرجة "كاترين بيجلو" تتابع كل ذلك بالكاميرا المحمولة التي تتيح لها أن تنتقل لأعلي فنري أسطح المنازل المتهدمة وبعض العيون تتلصص لتتابع ما يجري أو تتحرك زاوية الكاميرا المحمولة لأسفل قليلاً لنري محلات الجزارة والبقالة وأصحابها يحاولون البقاء من أجل استمرار الحياة لكنهم يجبرون علي الرحيل.. الكل في حالة رعب حتي الحيوانات تشارك البشر في الهلع.. الهدف الذي يترقبه الجنود الأمريكيون هو بناية سوف تنتقل من خلالها متفجرات.. في هذه اللحظة نستمع إلي صوت أذان ينطلق من الجامع.. العربة الآلية "الريبوت" تعثر علي شيء ما يؤكد وجود متفجرات.. أغنام تظهر في الطريق حتي تزداد مساحة الترقب.. العربة تتوقف، قائد الألغام يضع علي جسده تلك البذلة الثقيلة التي توفر له حماية من المتفجرات ويستخدمها عادة رجال نزع الألغام بينما الكاميرا تتحرك هذه المرة من خلال نظرة أحد القناصة، نري المواطنين أعلي السطح من خلال عدسة هذا القناص وفي البنايات المجاورة يلتقي عسكري نزع الألغام مع شاب عراقي يريد أن يجري حواراً لكنه يبتعد عنه.. يموت البطل بعد دقائق قليلة من الفيلم الذي أدي دوره "جاي بيرس" بعد أن اغتالته يد المقاومة العراقية لكننا كمشاهدين نفقد التعاطف مع المقاومة لأن المخرجة تحرص علي أن يظل المتفرج مأخوذاً بهذا البطل الشجاع الذي يواجه الألغام أما المقاومة العراقية فإنهم مجرد واضعي ألغام.. داخل نعش الجندي الأمريكي لا يبقي أي شيء من بطل الفيلم سوي خوذة وبعض بقايا شعر الرأس.. كانت هذه المشاهد الأولي لفيلم "خزانة الآلام".. وتستمر الحياة، ينضم إليهم مقاتل جديد في هذه اللحظة، نري قطا يعرج وكأن الصورة تنقل لنا أيضاً آلام الحيوانات ومصيرها المرتقب، جندي نزع الألغام الجديد لا يعنيه الموت ولا ينتظر منهم حتي حمايته ولهذا يفجر قنابل دخان تحول دون متابعته.. من أبدع اللقطات تلك التي نري فيها سيارة عراقي علي الطريق وجهه مصوب إليه المسدس لا تسمح لنا المخرجة بالتعرف علي هؤلاء العرب.. دائماً المخرجة "كاترين بيجلو" لا تنسي أن الكاميرا المحمولة تمزج ما بين جنود نزع الألغام والأرض والحيوانات التي تمشي عليها ثم البشر في المنازل بقدر كبير من التسجيلية التي لا تخون الموقف الدرامي لكنها تدعمه بدرجة حرفية عالية.. اللقطة التي قدمت لنا هذا المواطن العراقي لا تتركه بل تتابعه في لقطات مختلسة أخري.. أيام المهمة تتناقص يومياً إنها عام كامل تظهر علي الشاشة مكتوباً ما تبقي من أيام الحرب والجحيم لأن كل لحظة تحمل الموت.. الفيلم يقدم تحدي الموت ثم التعايش معه.. اختيار الكاميرا المحمولة والتخلي في لحظات كثيرة عن وضوح الرؤية يمنح الإحساس الدائم بتلك المسحة التسجيلية، ويلون الفيلم أيضاً بمذاق إبداعي واحد.. الجندي الأمريكي إنسان أولاً، هذا هو أول الأهداف التي حرصت عليها المخرجة فهو يحاول إنقاذ رجل عراقي شارف علي الموت في إحدي الهجمات!!
تقدم لحظات التشويق لمحات تثير المتفرج ، وذلك عندما نري علاقة بين ضابط نزع الألغام وبائع الأشرطة C.D طفل لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره ويجيد كلمات قليلة بالإنجليزية تتيح له التواصل، هذه اللقطات تضيف للفيلم دفئاً لأن السيناريو سوف يحرص دائماً علي تأكيد كل تلك الومضات الإنسانية التي تتناثر بين جنباته.
كل شيء ينتهي بعدما نسخر من الموت، تتغلب علي الموت بالسخرية منه، فضابط نزع الألغام يذهب في رحلة عبثية من أجل أن يعيد قفازه الذي نسيه ليعرضه في هذه اللحظة إلي الموت المؤكد، لكنه ينجو ويصبح الحديث عن جدوي ما يفعلونه مع زملائه، ما الذي يتبقي، خوزة أو نصف خوزة وبقايا شعر هذا كل ما يتم الحفاظ عليه للإنسان.. وهنا تبرز روح الفيلم معلنة عن نفسها إنها ترفض كل هذا العبث الذي يتدثر باسم الحرب.. لا يتوقف الفيلم عن تقديم الجانب الإنساني للجندي الأمريكي وهو يحقق مع بعض العراقيين المشتبه بهم ولا تملك سوي أن تشعر بالتقدير لهذا الجندي!!
الانفجارات صوتها دائماً يسيطر علي الحدث وتبادل إطلاق النيران مع رجال المقاومة العراقية مستمر.. كل ذلك يمنح الفيلم علي مستوي كتابة السيناريو قدرا لا ينكر من التشويق، لكننا أبداً لا نعرف شيئاً عن هؤلاء الذين يدافعون عن أراضيهم ضد المغتصب.. ما هي "خزانة الآلام" Hurt Locker إنها خزانة الذخيرة التي بحث عنها ولم يجدها إلا مع زميله المقتول.. كانت الدماء قد غمرتها تماماً.. فلم يجد من وسيلة لاستخدامها سوي أن يبصق علي دماء رفيق الكفاح ويمسحها، كررها أكثر من مرة ليؤكد مدي رخص الإنسان.. ثم وضع الذخيرة في المدفع لينشر هو الآلام.
هذا التعبير "خزانة الآلام" كان أول استخدام أمريكي له أثناء حرب "فيتنام" والتي شكلت نقطة فارقة جداً في تاريخ العسكرية الأمريكية، وكان درساً قاسياً لا يزالون يذكرونه حتي الآن، ومن الممكن أن تراها أيضاً في ملابس رجل نزع الألغام التي تجعله أشبه بالإنسان الفضائي.. نتابع أحداث الفيلم لقطة مكبرة لرجال المقاومة العراقيين، نري نصف وجه الرجل الذي يدافع عن أرضه ثم التفجير النهائي.. حرصت المخرجة علي أن نري بعد ذلك الجنود الأمريكيين وهم يبحثون عن مثلجات.. مهمة يقتل فيها بشر وتنتهي باحتساء عصير فواكه.. لكن المهمة لا تتوقف عند ذلك الحد، شاهدنا رجلا عراقيا لا يزال يقاوم ويقتل.. ملامح الجنود الأمريكيين في لقطة أخري نهاية لهذا المشهد الدموي يبدو عليها الندم وهكذا المخرجة دائماً حريصة علي ألا يفقد المتفرج تعاطفه مع الجنود الأمريكيين حتي وهم يقتلون رجال المقاومة العراقية!!
الاحتفال بعد ذلك بالانتصار مع الجنود ليلاً في معسكرهم وهنا يبدأ الثلاثة الأبطال كل منهم يروي حكايته الشخصية، تفاصيل دقيقة تقدمها المخرجة ونكتشف بعد ذلك مصير الطفل ذا الاثني عشرة سنة نراه جثة حيث يتحول جسده إلي خزانة لوضع الألغام في جسده لتنفجر في وجه الجنود الأمريكيين.. كالعادة الجندي الأمريكي ينزع اللغم من جسد الطفل ويحمله في لقطة إبداعية لا تنسي وتنتهي ببكاء الجنود الأمريكيين علي فقد زميل لهم حيث تنفجر في جسده إحدي القنابل البدائية وعندما يأتي للبطل الأمريكي له طفل آخر يحاول أن يبيع له D.V.D يرفض وكأنه يخشي عليه من الموت!!
رجل الألغام يتصل بأسرته في أمريكا يستمع إلي صوت زوجته وطفله الرضيع ولا يرد.. لقطة وحيدة نري فيها الجو الأسري الأمريكي بعيداً عن الألغام وأصوات الانفجارات والدماء والقتل الذي يتربص بهم.. نشعر بأنفاس الجنود وغبار الصحراء وترقب الإنسان العراقي لما يجري به وما يجري حوله.. كيف تقاوم الأسرة العراقية مشهدا مهما يقتحم ضابط المخابرات منزلا بحثاً عن السر وراء قتل الطفل العراقي، تطرده المرأة العراقية ولا يرد عدوانها مشهداً آخر للدلالة علي إنسانية الغزاة.. ثم مشهد لجندي أمريكي مصاب ثم الرجل الذي يستعد لتنفيذ عملية انتحارية هو يحرص علي حياته، ألغام علي جسده يريد التخلص منها.. إنسان كان يريد أن يقتلهم وهم يريدون له الحياة، نعم الملمح الإنساني هو المسيطر علي هذا المشهد لصالح - كالعادة - الجنود الأمريكيين.. رجل نزع المتفجرات يذهب رغم المخاطر لإنقاذ العراقي من الموت والعراقي يردد أنا صاحب عائلة لا أريد أن أموت بهذه الطريقة ويواصل عندي أربعة أطفال.. رجل نزع الألغام يصر حتي اللحظة الأخيرة علي أن يساعده، يكتشف أنهم قد قيدوه حتي لا يستطيع التراجع في أي لحظة ولهذا يقول له آسف لا أستطيع، ونشعر بتعاطف مع الجندي الأمريكي الذي يصاب وهو يحاول إنقاذه.. بينما تحلق طائرة ورقية في السماء لا تعبأ بما حدث علي الأرض!!
عبثية الموت شظية قد تقتل في أي لحظة.. تبدو في الحياة وكأننا نرمي الزهر، إما حياة أو موت.. إنها لعبة يمارسونها وكالعادة تؤكد علي إنسانية الجنود الأمريكيين والأطفال يرشقون العربة المصفحة بالحجارة وهم لا يردون حتي العدوان.. يعود بطل الفيلم للوطن في لقطة داخل السوبر ماركت ثم في المنزل يبحث عن أعشاب خضراء ليواجه بها الصحراء سوف يصطحبها معه عندما يعود للعراق.. مرة أخري يعود إلي العراق نري رجل الألغام مع جنود آخرين يرتدون الخوذة وتتعمد الكاميرا أن تنقل لنا قدميه وهو يتحرك بثبات علي الأرض وكانت إحدي قدميه معرضة للبتر ثم صوت موسيقي تصويرية تملأ مشاعرنا شجناً ليصبح إحساسنا "خزانة الآلام".. الفيلم يستحق الأوسكار علي مستوي حرفية الإبداع لمخرجته "كاترين بيجلو" التي قدمت رؤية إبداعية بإحساس يقطر صدقاً رغم أنها علي المستوي الفكري لم يكن يعنيها سوي الجندي الأمريكي أما البطل العراقي الذي يدافع عن أرضه فليذهب هو وآلامه إلي الجحيم!!
*********
قاطع «كل حاجة »
نشرت الجرائد خبر حرص النجم الكبير "حسن يوسف" علي أن يذهب إلي العرض الخاص لفيلم "قاطع شحن" للتهنئة وذلك لأن ابنه "عمر حسن يوسف" يشارك في البطولة للمرة الثانية.. لست أدري علي وجه الدقة ما الذي قاله نجمنا الكبير بعد نهاية العرض.. أغلب الظن و- ليس كل الظن إثما - أنه أشاد بالفيلم هكذا تعودنا في مثل هذه الأمور داخل الوسط الفني.. "عمر" ابن "حسن يوسف" و "شمس البارودي" يواصل استكمال سلسلة أبناء الفنانين الذين يتابعون مشوار آبائهم في التمثيل والغناء حتي صار عليك بعد تفشي هذه الظاهرة أن تسأل ليس عن ابن الفنان الذي مارس نفس نشاط والديه الفني، ولكن أن تبحث عن ابن الفنان الذي لم يفعلها.. والإجابة ربما تنحصر في الفنانة "أمينة رزق" لأنها ببساطة لم تتزوج ولم تنجب ولكن مين عارف ربما يظهر لها ابن أو ابنة مثلما حدث قبل ثلاثة أعوام وظهرت ابنة لنجيب الريحاني في السبعين من عمرها والغريب أنها أيضا ًتحلم بالتمثيل؟!
نعود إلي "قاطع شحن" إنه التجربة الثانية ليست فقط لعمر حسن يوسف، ولكن أيضاً لمخرجه "سيد عيسوي" الذي قدم قبل اربعة أعوام فيلمه الأول "بحبك وبموت فيك".. الفيلم الغرض الوحيد منه هو تعبئة شريط سينمائي في أقل فترة زمنية، وبأقل ما يمكن أيضاً من الأموال من أجل أن يصبح هذا الشريط فيما بعد مادة فيلمية من الممكن استثمارها فضائياً.. كالعادة فإن القصة المحورية والتي نشاهدها في 90% من الأفلام الأخيرة هي هؤلاء الأبناء الذين يعانون من البطالة وهكذا يصبحون مطمعاً لمن يريد استغلالهم في تهريب المخدرات.. العنوان الذي كتبه السيناريست "أسامة رؤوف" يأخذ من مفردات الحياة الآن ملمحا عصريا "قاطع شحن" و "مهنج" و "جيجا" و"كلمني شكراً" وغيرها من التعبيرات دخلت إلي حياتنا عن طريق الشباب وصارت تشكل مفردات لا غني عن استخدامها اليومي، ولكن ينبغي أن نتجاوز ذلك إلي ما بعد العنوان لنكتشف أننا بصدد فيلم سابق التجهيز وكأننا رأيناه عشرات المرات ومجموعة الفنانين مثل "شادي شامل" ، "عمر حسن يوسف" ، "شذي" ، "ياسمين الجيلاني" ، إيمان أيوب" هم بمثابة النجوم المتوفرة في الساحة والذين لديهم بقايا من الفراغ ومن الممكن أن يرضي منهم مادياً بأقل القليل.. أغلبهم لديه تجربة أو أكثر كبطل، لا ننسي مثلاً أن "شادي" كان بطلاً لمسلسل "العندليب" ولكن كل منهم لم يستطع أن يحقق تلك الشرارة بينه وبين الناس، تلك التي تشير عادة لاسم الفنان في علاقته مع الجمهور وهكذا إذا ذهبت إلي "قاطع شحن" فأنت تضيع وقتك لن تجد لا ضحك ولا حب ولا فن ولا شحن.. كان "حسن يوسف" قبل نحو 50 عاماً يقدم في الستينيات أفلاماً مرحة شاركت في القسط الوافر منها "سعاد حسني".. شكل "حسن يوسف" نموذج الشاب خفيف الظل، الذي يقدم في نهاية الفيلم موعظة غير مباشرة للجميع لكي يلتزموا بالسلوك القويم، كان هناك دائماً إطار فني وكان لحسن تلك اللمحة الخاصة وهذا الإشعاع والجاذبية التي تتوفر للنجم عندما تتأكد علاقته بجمهوره.. أتمني أن يطلب "حسن يوسف" من ابنه أن يشاهد بعض هذه الأفلام ويعيد شحنه فنياً لأننا بصدد فيلم بالفعل "قاطع شحن"!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.