طالعت باهتمام شديد مقال الدكتور/ عمرو الشوبكي في المصري اليوم بتاريخ 25/11/2013 بعنوان (اختصاصي اختصاصي)، متضمنا وجهة نظر سيادته في ازمة وضع هيئات الدولة في الدستور الجديد، ومنها الجهات والهيئات القضائية.ويقر سيادته أن من حق أى مؤسسة أن تدافع عن اختصاصاتها،لكنه يذكر ان ذلك يجب أن يسبقه تفكير عميق فى مدى مساعدة هذا الاختصاص على تحقيق (العدالة الناجزة)، وليس فى (التكويش) على اختصاصات لا تفيد العدالة وتضرها على اعتبار أن هذا هو (ما ورثناه عن أجدادنا) ! واستخدام مصطلح (التكويش) من قبل الدكتور الشوبكي يجعلنا نتوقف قليلا عند دلالاته، اذ هو ذات المصطلح الي تستخدمه هيئتا النيابة الادارية وقضايا الدولة لوصف مجلس الدولة مع ان العكس تماما هو الصحيح.و(العدالة الناجزة) هو ذات الشعار البراق الذي يرفعونه اعضاء الهيئتين دون مضمون حقيقي. ويذكر سيادته ان الاختصاصات المقدسة أمر ضار بالجميع، سواء كان ذلك ينسحب على المؤسسات والهيئات الحكومية أو غير الحكومية، ففكرة (الاختصاص فوق الجميع) تعنى الجمود والبقاء فى المكان، وانه لا توجد مؤسسة فى العالم تفرح بأن اختصاصاتها لم تتغير على مر السنين، فالطبيعى أن تتخلى عن أشياء وتكتسب أخرى، إلا إذا كانت مؤسسة جامدة لا ترغب فى التطور، إنما البقاء فى المكان. ونودان نضع تحت بصر الجميع، تعليقا على ما تقدم، ان مجلس الدولة لم يزد اختصاصا واحدا عما كان مقررا له منذ عام 1946، فقد تولى بموجب القانون رقم 112 لسنة 1946 ولاية القضاء في المنازعات الادارية الغاء وتعويضا (ومنها المنازعات الصادرة ضد قرارات السلطات التأديبية)، وتولى الافتاء ومراجعة العقود التي تكون الدولة طرفا فيها، وتولى الصياغة التشريعية لمشروعات القوانين المقدمة من الحكومة والمراسيم والقرارات ذات الصفة اللائحية. فلا جديد اذن وان الاختصاصات المقررة لمجلس لمجلس الدولة معمول بها في معظم الدولة الاخذة بتطبيق نظام القضاء المزدوج، فالجهة التي التي تتولى الفصل في المنازعات الادارية تتولى الافتاء القانوني والصياغة التشريعية، ويمكن مراجعة اختصاصات مجلس الدولة الفرنسي والبلجيكي واليوناني والتركي والهولندي وغيرها كثير. وهذه الاختصاصات مقامة على اسس علمية وفلسفية واضحة، والا لما كانت هذه الدول ان تبقى عليها وان ترسخ منها وقتا بعد وقت. ولقد وقف مجلس الدولة معترضا على نزع الاختصاص ليس دفاعا عن امر مقدس او رغبة في مقاومة التغيير والتطوير، بل فعل ذلك لانه يعلم جيدا ان هذه ستكون مجرد البداية نحو تفكيك هذا الجهاز الذي له تاريخ يشهد به الجميع. وكنت اتصور من جميع المهتمين بشئون العدالة ان يقدموا اقتراحاتهم وتصوراتهم نحو تطوير منظمومة العدالة باجراءات تشريعية وتنفيذية بهدوء ، وليس من خلال تفكيك المؤسسات الناجحة التي تعمل لخدمة المجتمع. ومحاولات هيئة قضايا الدولة في هذا الخصوص محاولات متكررة وقديمة، فلقد حاولوا تولى مهام الافتاء القانوني عام 1949 وهذا ثابت من مضابط مجلس الشيوخ واستطيع امدادكم بها ، وحاولوا ذلك في الثمانينيات، وهذا ثابت من نتائج مؤتمر العدالة 1986، ولازالوا يحاولون في 2013، وهي محاولات تخالف المنطق العلمي واصول العدالة والتجارب المقارنة، وفي ذلك حديث علمي يطول، واسألوا اهل التخصص ان كنتم لا تعلمون. وظني أن الجهات القضائية لو كانت رأت دراسة حقيقة متخصصة من لجنة نظام الحكم او أعضاء لجنة الخمسين لتورزيع الاختصاصات على اساس من النظم المقارنة والمبادئ الدستورية المستقرة لكانت تجاوبت مع اللجنة فى حوار علمى لتحقيق الوضع الامثل للسلطة القضائية، اٍلا ان الجهات القضائية ومنها مجلس الدولة وجدت اللجنة تتبنى أقتراحات عشوائية وغير منطقية تفتقر اٍلى أى سند من النظم المقارنة أو السوابق الدستورية، وتتجاهل حقيقة الدور الذى قامت به كل هيئة على مدار تاريخها، ومدى نجاحها أو فشلها فى القيام بدورها ولذلك حدث الخلاف والتشتت والهجوم من البعض لمحاولة أقتناص جزء مما يعتقدونه مغنما قابلا للتقسيم، وفى المقابل حدث الدفاع عن الاختصاصات القائم على اسس موضوعية معمول بها فى الدول التى تطبق النظام المزدوج ولهذا كان يتعين على اللجنة اٍعتماد المنهج العلمى فى مناقشة الأختصاصات وتوزيعها وليس رغبات وأمنيات الجهات فى خلق أدوار لا تتناسب مع وضعها القانونى. ان المنطق العادل لاي تعديل دستوري او تشريعي ينبغي ان يكون للافضل وللتحسين وللتطوير، وليس للمجهولالغامض !!! والدستور ليس حقلا للتجارب ان اردنا له عمرا طويلا، والتحسين والتطوير لا يتاتى الا من خلال الدراسات والاحصائيات والنقاش العلمي الهادرئ المتبادل، وليس من خلال السب والتشهير ومهاجمة المؤسسات من خلال اشخاصها ومحاولة الحط من قدرها وقدرهم، تلك المحاولات التي لن تزيدهم الا اصرارا وعزما على المضي في طريقهم ليس دفاعا عن انفسهم، انما دفاعا عن الحق والمنطق والمشروعية. والحقيقة ان العدالة تاذت كثيرا من جميع تلك التصرفات والافعال.