لم يبعث الله إمرأة برسالة أو نبوءة ولكنه سبحانه وتعالى خصها بشىء عظيم وهى أن تكون حاضنة ومربية وراعية للرسل والانبياء فكل رسول وراءه أم رعته وعانت من اجله وتحملت الصعاب وهاجرت وتألمت من أجل أن يكبر صاحب الرساله ومنهن من اوحى الله لهن مثل أم موسى ومريم ابنة عمران ومنهن من بشرتها الملائكة مثل أم مريم زوجة عمران وسارة زوجة إبراهيم وآمنة بنت وهب أم خير الانام. (1) آمنة بنت وهب الزهرية القرشية هى أم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلّم، ماتت وعمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلّم ست سنوات، حيث توفيت سنة 577م. نشأت السيدة آمنة فى أسرة عريقة النسب، مشهود لها بالشرف والأدب، اتسمت بالبيان، وعرفت بالذكاء وطلاقة اللسان، وتعد أفضل امرأة فى قريش نسباً ومكانة. وتزوج عبدالله بن عبدالمطلب آمنة بنت وهب، وفى أول ليلة جمعتهما رأت آمنة أن شعاعاً من النور خرج منها فأضاء الدنيا من حولها حتى تراءت لها قصور بصرى فى الشام وسمعت هاتفاً يقول لها: يا آمنة لقد حملتِ بسيد هذه الأمة. سافر زوجها فى تجارة إلى الشام وتوفى فى تلك الرحلة فى يثرب. لم يكن أمام آمنةُ بنت وهبٍ العروس الارملة سوى أن تتحلى بالصبر على مصابها الجلل، الذى لم تكن تصدقه حتى إنها كانت ترفض العزاء فى زوجها، ولبثت مكة وأهلها حوالى شهراً أو أكثر وهى تترقب ماذا سوف يحدث بهذه العروس الأرملة التى استسلمت للأحزان. وأطالت التفكير بزوجها، حتى إنها توصلت للسر العظيم الذى يختفى وراء هذا الجنين اليتيم، فكانت تعلل السبب فتقول إن عبدالله لم يفتد من الذبح عبثا! لقد أمهله الله حتى يودعنى هذا الجنين والذى من أجله يجب عليها أن تعيش. وبذلك أنزل الله عز وجل الطمأنينة والسكينة فى نفس «آمنة»، وأخذت تفكر بالجنين الذى وهبها الله عز وجل لحكمة بديعة، فوجدت «آمنة» فى هذا الجنين مواساة لها عن وفاة الزوج، ووجدت فيه من يخفف أحزانها. وفرح أهل مكة بخبر حمل «آمنة». وتكررت الرؤى عند «آمنة» وسمعت كأن أحد يقولها «أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد، ثم تسميه محمدا». وجاءتها آلام المخاض فكانت وحيدة ليس معها أحد ولكنها شعرت بنور يغمرها من كل جانب، وخيل لها أن «مريم ابنة عمران»، «وآسية امرأة فرعون»، و«هاجر أم إسماعيل» كلهن بجنبها، فشعرت بالنور الذى انبثق منها، ومن ثم وضعت وليدها كما تضع كل أنثى من البشر. وهنا اكتملت فرحة «آمنة»، ولم تعد تشعر بالوحدة التى كانت تشعر بها من قبل. وفرح الناس وفرح الجد «عبد المطلب» بحفيده، وشكر الرب على نعمته العظيمة وسماه «محمداً»، ولما سئل عن سبب تسميته محمداً قال ليكون محموداً فى الأرض وفى السماء. حان الوقت الذى كانت «آمنة» تترقبه حيث بلغ محمدًا السادسة من عمره فاصطحبته آمنة إلى أخوال أبيه المقيمين فى يثرب لمشاهدة قبر فقيدهما الغالى، ومكثت بجوار قبر زوجها ما يقارب شهرا كاملا، وهى تبكى وتتذكر الأيام الخوالى التى جمعتها مع زوجها بينما «محمد» يلهو ويلعب مع أخواله. وإثر عاصفة حارة وقوية هبت عليهم تعبت «آمنة» فى طريقها بين البلدتين. فشعرت «آمنة» بأن أجلها قد حان وكانت تهمس بأنها ستموت، ثم أخذها الموت من بين ذراعى ولدها الصغير وفارقت هذه الدنيا. وانهمرت أعين الطفل بالبكاء بين ذراعى أمه، فهو لم يدرك معنى الموت -بعد-، فأخذته «أم أيمن» فضمت المسكين إلى صدرها وأخذت تحاول أن تفهمه معنى الموت حتى يفهمه. وعاد اليتيم الصغير إلى مكة حاملا فى قلبه الصغير الحزن والألم، ورأى بعينيه مشهد موت أعز الناس وأقربهم إلى قلبه؛ أمه آمنة بنت وهب. (2) مريم بنت عمران فى جو ساد فيه الظلم والاضطراب، كانت الحياة التى يعيشها بنو إسرائيل بائسة، فقد أفسدوا دينهم وحرّفوا عقيدتهم، وفى خضم هذا الفساد كان يعيش عمران بن ماتان وزوجته حَنّة بنت فاقوذ، يعبدان الله وحده ولا يشركان به شيئًا. وفى يوم من الأيام جلست حنة بين ظلال الأشجار، فرأت عصفورة تطعم صغيرها، فتحركت بداخلها غريزة الأمومة، فدعت اللّه أن يرزقها ولدًا. وتقبل الله منها دعاءها، ولكن حكمته اقتضت أن يكون الجنين أنثى، فكانت السيدة مريم. لكن القدر كان يخفى لمريم اليتم، فقد توفى أبوها وهى طفلة صغيرة، وأخذتها أمها إلى الهيكل؛ استجابة لنذرها، ودعت الله أن يتقبلها. ولما رآها الأحبار قذف الله فى قلوبهم حبها، فتنازعوا على من يكفلها. قال نبى الله زكريا -عليه السلام- وكان أكبرهم سنا: أنا آخذها، وأنا أحق بها؛ لأن خالتها زوجتى - يقصد زوجة أم يحيى. مرت السنون وأصبح زكريا شيخًا كبيرًا، ولم يعد قادرًا على خدمة مريم كما كان يخدمها، فخرج على بنى إسرائيل، يطلب منهم كفالة مريم، فتقارعوا بينهم حتى كانت مريم من نصيب ابن خالها يوسف النجار. وبينما مريم منشغلة فى أمر صلاتها وعبادتها، جاءها جبريل بإذن ربها على هيئة رجل ليبشرها بالمسيح ولدًا لها، فأخذ جبريل بكمها، ونفخ فى جيب درعها، فحملت حتى إذا ظهر حملها، استحيت، وهربت حياءً من قومها نحو المشرق عند وادٍ هجره الرعاة. فخرج قومها وراءها يبحثون عنها، ولا يخبرهم عنها أحد. فلما أتاها المخاض تساندت إلى جذع نخلة تبكى وتقول (قَالَتْ يَا لَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا). وتوفيت مريم بعد رفع عيسى -عليه السلام- بخمس سنوات، وكان عمرها حينئذ ثلاثًا وخمسين سنة، ويقال: إن قبرها فى أرض دمشق. (3) أم موسى عليه السلام وإسمها لوخا بنت هاند بن لاوى بن يعقوب، وقيل إسمها يوكابد، وقد عاشت بمصر مع بنى قومها بنى إسرائيل فى عهود الفراعنة وكان قومها قد قدموا مصر زمن يوسف عليه السلام. ويحكى أن أحد الفراعنة فى هذا الزمان قد زين له الكهنة الخلاص من بنى إسرائيل لشرورهم واستجاب بذبح الأولاد الذكور وترك الإناث للخدمة فى قصور السادة، وفى هذا الوقت العصيب حملت أم موسى به، ووضعته وخافت عليه خوفا شديدا، وقد أوحى الله عز وجل إليها فإذا خفت عليه فاقذفيه فى تابوت وألقى التابوت فى اليم ولا تخافى. (4) «راحيل بنت لابان» هى أم سيدنا يوسف.. وظلت سنوات طويلة لاتنجب من زوجها سيدنا يعقوب، توجهت إلى الله، ودعته أن يهب لها غلاما ذكيا من يعقوب. وإستجاب الله عز وجل دعاء «راحيل» وأجاب نداءها، ورحم ضعفها، وأكرمها، فحملت من نبى الله يعقوب، ثم ولد له غلاما سمته يوسف، ثم حملت «راحيل» فولدت غلاما هو بنيامين وهو شقيق يوسف عليه السلام. وتابعت «راحيل» حياتها فى كنف ولدها يوسف إلى أن لقيت ربها وهى راضية مرضيه. (5) سارة أم اسحاق (6) وهاجر أم اسماعيل تزوج إبراهيم عليه السلام ساره وهى صغيرة.. عمرها ستة عشر سنة.. وكانت جميلة وانطلق معها من العراق إلى فلسطين إلى الشام إلى مصر وهناك كان فيها ملكاً جباراً باطشا وقد جاءته الأخبار بدخول امرأة من أجمل نساء البشر، فطمع ولم يراعِ ذمة ولا أخلاقًا، ولا كرامة، ولا عفة فأرادها لنفسه، وأرسل جنوده، وقال: إسألو الرجل الذى معها، فإن كان زوجها فاقتلوه هكذا بكل جراءة !! فلما جاءوا إلى إبراهيم عليه السلام ورأى فى وجوههم الشر أجابهم بعد أن سألوه عنها بقوله: هى أختى، يقصد أخته فى الإسلام فأخذوها، وجيء بها إلى الملك الفاجر الظالم، فلما أراد أن يمد يده إليها، دعت الله عز وجل بدعاء فيه معانى العفة والشرف: [اللهم إن كنت آمنت بك وبنبيك وأحصنت فرجى إلا على زوجى فاكفنى هذا الفاجر فاستجاب الله دعاءها، فلما مد يده.. شُلت وجمدت مكانها ولم يستطع الحراك، فأخرجوها وأعطاها الأموال والكرامات، وأهداها أمة جميلة اسمها هاجر وعادت إلى إبراهيم عليه السلام، وتمنى الولد، خاصة أنه قد تقدم به العمر ولاحظت سارة رغبة زوجهافى الولد، فقدمت له هاجر ليتزوجها فرُزق من هاجر بإسماعيل عليه السلام. وكان عمر إبراهيم آنذاك 86 سنة ثم يأتى الابتلاء من الله سبحانه وتعالى حين أمر إبراهيم أن يأخذ هاجر وابنها وينطلق بهما إلى أرض الجزيرة، فأخذها عليه السلام إلى مكة فى وادى بين الجبال هناك تركها إبراهيم عليه السلام هى ورضيعها فتعجبت!! مرت بها الأيام، ونفذ الماء والزاد لكنها لم تشتك، ولم تعترض على أمر الله فأخذ الرضيع يبكى من العطش، فبدأت تتصرف بغريزة الأم الخائفة على ولدها فأخذت تجرى، تبحث عن أى شىء وانطلقت إلى أقرب التلال إليها الصفا لكن لا حياة هناك، فنظرت إلى التل الآخر المروة سبع مرات حتى تفجرت الماء من تحت أقدام إسماعيل. ونعود إلى سارة التى بقيت فى تلك الفترة مع زوجها إبراهيم عليه السلام، فتقدم بها العمر وبلغت [90] سنة، وزوجها إبراهيم عليه السلام [120] سنة، أرسل الله سبحانه الملائكة لتبشره بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب وأن زوجته ستعيش مدة طويلة إلى أن ترى ابن إسحاق، يعقوب وهى فى هذه السن