هل السينما هي ابنة الثورة أم الثروة؟!.. الفكر الجديد يخلق سينما أم أن الاقتصاد هو الذي يمنح للسينما أسباب النماء والتقدم؟! .. أم أنها تركيبة سحرية تتعانق فيها الثورة والثروة؟! .. الثورة تخلق مردوداً فكرياً والثروة تخلق أيضاً نمطاً سلوكياً يفرض بالضرورة ثقافة جديدة تحتاج إلي وسائل جديدة مغايرة وفي الخليج العربي يفوح عبق ثقافي أو إرادة تدعمها قوة اقتصادية من المؤكد أنها سوف تخلق قوة ضاربة في مجال السينما لأن هناك بالفعل فناً تليفزيونياً وغنائياً أصبح له تواجده في الخليج. وانتقل بفعل الفضائيات إلي مختلف أرجاء الوطن العربي.. ولا تستطيع سوي أن تعتبر أن المهرجانات السينمائية التي نراها في الخليج هي عنوان لما سوف يأتي بعد ذلك من رواج سينمائي خليجي.. كانت البحرين هي الأسبق في إقامة المهرجانات السينمائية ولكن لم تستطع الصمود فلقد حضرت قبل 12 عاماً مهرجان البحرين الأول للسينما العربية.. وحتي كتابة هذه السطور لم يعقد الثاني.. عبر المهرجان البحريني عن طموح جماعة سينمائية يقودها "بسام الزوادي" وهو مخرج وباحث سينمائيقدم حتي الآن ثلاثة أفلام روائية آخرها "حكاية بحرينية" وفي هذه الدورة من مهرجان الخليج تم تكريم "الزوادي" باعتباره أحد رواد سينما الخليج، حيث إنه أخرج أول أفلامه "الحاجز" قبل نحو 22 عاماً وصمت 12 عاماً ليقدم فيلمه الثاني "زائر" حتي إننا عندما كنا نلتقي نقول له فيلم "الحاجز" صنع حاجزاً بينك وبين صناعة الأفلام "بسام" تخرج في معهد السينما المصري. الدول الخليجية من خلال فنانيها بعضهم يطالب بتدخل الدولة للإنتاج لكن بعض المبدعين يرون أن الدولة إذا قررت الإنتاج فهي بالضرورة سوف تتبني أفكاراً تريد التعبير عنها بينما الفنان من حقه أن يمتلك حريته المطلقة في التعبير وأن يختلف مع الدولة في الآراء وأن مساحة الخلاف هي تحديداً المنطقة الحرة التي يتحرك خلالها الإبداع الفني وأنه كلما زادت مساحة تلك المنطقة انتعش الإبداع.. تأخرت دول الخليج أكثر من 114 عاماً عن الدخول للصناعة السينمائية.. وفي مهرجان "كان" قبل نحو أربعة أعوام شاهدت معركة حامية الوطيس كان عنوانها من هو أول فيلم روائي سعودي طويل.. "عبد الله المحيسن" بفيلمه "ظلال الصمت" أم "إيزادور مسلم" بفيلمه "كيف الحال".. وانتقل الصراع من مهرجان "كان" إلي مهرجان "القاهرة" ومنها إلي "دبي".. وبالطبع فإن روتانا منتجة فيلم "كيف الحال" لديها إمكانيات مادية ضخمة ولهذا شاهدنا إعلانات في مهرجان "كان" علي أغلفة كبري المجلات العالمية مثل "فارايتي" و"سكرين" وهي تؤكد أن "كيف الحال" هو أول فيلم سعودي، بينما الفيلم الثاني "ظلال الصمت" فإن منتجه ومخرجه "عبد الله المحيسن" لا يمتلك ما يتيح له أن يتحمل تكبد مثل هذه النفقات.. بالطبع لا يمكن مقارنة الملياردير الأمير الوليد بن طلال بالمليونير - علي أحسن الفروض- "عبد الله المحيسن".. وبالطبع شاهدت الفيلمين وكان الفارق الزمني بينهما في توقيت العرض دقائق قليلة جداً حيث عرضا في نفس اليوم وما أن انتهي عرض "الصمت" حتي بدأ عرض "الحال".. ورأيي أن الفيلمين لا يعبران عن الطموح المنشود ولا يقدمان عزاء واجباً لسنوات الانتظار الطويل.. ولكن الفيلمين ألقيا بحجر حرك المياه الراكدة وأتصور أن هناك مشروعات قادمة لأفلام سعودية تمتلك رؤية أكثر نضجاً، خاصة أن هناك عشرات من دور العرض يجري حالياً إنشاؤها في المملكة العربية السعودية.. التي كانت وقبل سنوات قليلة مضت تحظر بناء دور العرض؟! أما الفيلم الخليجي البحريني الذي شاهدته واستمتعت أيضاً به فإنه "حكاية بحرينية" للمخرج "بسام الزوادي".. هذه الحكاية المليئة بالشجن والدموع والتي تعود إلي يونيو عام 1967 قدم المخرج تنويعات علي قهر المرأة في المجتمع الخليجي وأغلب الشخصيات ينتهي بها الحال إلي الاستسلام إلي المخدرات أو إلي الانتحار.. لكننا نري في النهاية بصيصا من نور لفتاة تقرر أن تتحدي كل الظروف والعادات والتقاليد التي تقهر المرأة لكنها في حقيقة الأمر تعبر عن قهر الرجل.. التحرر ربما تجده يأتي علي المستوي الرمزي من النعش الخشبي الفارغ الذي خرجت الأسرة عام 1970 وهي تشيع من خلاله الرئيس جمال عبد الناصر والذي يمثل للخليج وبالتحديد لأهالي البحرين رمزاً للمقاومة وللتحرر.. في الفيلم رؤية سينمائية متقدمة علي مستوي الصورة والصوت..شهد الخليج مهرجانات متعددة بدأت مع "دبي" 2004 ثم "أبو ظبي" 2007 ثم "الدوحة" 2009 وكل هذه المهرجانات تضع دائماً السينما العربية في البؤرة برغم تطلعها لعرض أفلام من مختلف دول العالم ،ولكن السينما العربية هي التي ترصد لها الجوائز المالية الضخمة وفي نفس الوقت بدأت هناك بوادر لأفلام روائية طويلة من الخليج وفي تلك الدورة مثلاً من مهرجان "الخليج" وكما ذكر رئيس المهرجان عبد الحميد جمعة بأنه تقدم للمشاركة 1500 فيلم قصير وتسجيليا وتمت الموافقة علي 10% فقط للعرض في فعاليات المهرجان.