الإسكان: جار تنفيذ 64 برجا سكنيا بها 3068 وحدة.. و310 فيلات بتجمع صوارى في غرب كارفور بالإسكندرية    الانتفاضة الطلابية بأمريكا.. ماذا يحدث في حرم جامعة كاليفورنيا؟    دور العرض ترفع أحدث أفلام بيومي فؤاد من شاشاتها.. تعرف على السبب    بحضور السيسي.. تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    سفير روسيا لدى واشنطن: اتهامات أمريكا لروسيا باستخدام أسلحة كيميائية في أوكرانيا بغيضة    طقس أسيوط اليوم.. جو ربيعي وانخفاض درجات الحرارة لمدة يومين    ارتفاع في أسعار الذهب بكفر الشيخ.. عيار 21 بكام؟    ماذا يستفيد جيبك ومستوى معيشتك من مبادرة «ابدأ»؟ توطين الصناعات وتخفيض فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة 50% وفرص عمل لملايين    قوات الجيش الإسرائيلي تقتحم مخيم عايدة في بيت لحم وقرية بدرس غربي رام الله ومخيم شعفاط في القدس    "الحرب النووية" سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة    ملخص عمليات حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي يوم الأربعاء    إجراء عاجل من الفلبين ضد بكين بعد اشتعال التوترات في بحر الصين الجنوبي    رامي ربيعة يهنئ أحمد حسن بمناسبة عيد ميلاده| شاهد    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 2 مايو 2024    حملة علاج الادمان: 20 الف تقدموا للعلاج بعد الاعلان    بحضور السيسي، تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    نسخة واقعية من منزل فيلم الأنيميشن UP متاحًا للإيجار (صور)    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    مشروع انتاج خبز أبيض صحي بتمويل حكومي بريطاني    تعرف على أحداث الحلقتين الرابعة والخامسة من «البيت بيتي 2»    الصحة: لم نرصد أي إصابة بجلطات من 14 مليون جرعة للقاح أسترازينيكا في مصر    الصحة: مصر أول دولة في العالم تقضي على فيروس سي.. ونفذنا 1024 مشروعا منذ 2014    ضبط عاطل وأخصائى تمريض تخصص في تقليد الأختام وتزوير التقرير الطبى بسوهاج    تشيلسي وتوتنهام اليوم فى مباراة من العيار الثقيل بالدوري الإنجليزي.. الموعد والتشكيل المتوقع    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على الإعلامية "حليمة بولند" في الكويت    تأهل الهلال والنصر يصنع حدثًا فريدًا في السوبر السعودي    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    «البنتاجون»: أوستن أكد لنظيره الإسرائيلي ضرورة ضمان تدفق المساعدات إلى غزة    أمطار تاريخية وسيول تضرب القصيم والأرصاد السعودية تحذر (فيديو)    تامر حسني يوجه رسالة لبسمة بوسيل بعد الإعلان عن اغنيتها الجديدة.. ماذا قال؟    وليد صلاح الدين يرشح لاعبًا مفاجأة ل الأهلي    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    عاطل ينهي حياته شنقًا لمروره بأزمة نفسية في المنيرة الغربية    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    أهمية ممارسة الرياضة في فصل الصيف وخلال الأجواء الحارة    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    كوكولا مصر ترفع أسعار شويبس في الأسواق، قائمة بالأسعار الجديدة وموعد التطبيق    بسام الشماع: لا توجد لعنة للفراعنة ولا قوى خارقة تحمي المقابر الفرعونية    الأنبا باخوم يترأس صلاة ليلة خميس العهد من البصخة المقدسه بالعبور    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    الخطيب يطالب خالد بيبو بتغليظ عقوبة افشة .. فماذا حدث ؟    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    أخبار التوك شو|"القبائل العربية" يختار السيسي رئيسًا فخريًا للاتحاد.. مصطفى بكري للرئيس السيسي: دمت لنا قائدا جسورا مدافعا عن الوطن والأمة    حيثيات الحكم بالسجن المشدد 5 سنوات على فرد أمن شرع فى قتل مديره: اعتقد أنه سبب فى فصله من العمل    انخفاض جديد في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الخميس 2 مايو بالمصانع والأسواق    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إغلاق حساب بى بى سى
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 08 - 2009

كان ذلك فى يناير، عندما دعا اللورد كارتر الوزير الحاصل على لقب لورد والمكلف بتجميع المسارات المتباينة لسياسة الاتصالات الرقمية البريطانية فى تشريع قيادة البى بى سى إلى اجتماع فى مكتبه بالدور الثامن قرب كنيسة ويستمنستر.
وأبلغ كارتر مارك تومبسون، العقل المفكر للمؤسسة، وسير مايكل ليونز الرئيس القوى ل«بى بى سى تراست» وهى هيئة إدارتها بضرورة التوقف عن «إلقاء المواعظ» بشأن حق بى بى سى الحصرى فى رخصة التليفزيون الذى يدفعها البريطانيون وتصل قيمتها إلى 3.6 مليار جنيه استرلينى (5.9 مليار دولار). وقال ستيفن كارتر للرجلين إنه يجب تغيير الوضع الذى كانت تذهب فيه حصيلة ضريبة رخصة التليفزيون والتى يسددها سنويا كل من يمتلك جهازا تليفزيونيا فى بريطانيا حصريا لصالح البى بى سى منذ فترة بعيدة.
وقال شخص قريب الصلة من المحادثات: «كارتر أبلغهما أن عليهما التوقف عن الحديث عن رسوم ترخيص بى بى سى، أو حتى، رسوم الترخيص التليفزيونى، وبدء التفكير فى، رسوم الترخيص الرقمى، المستخدم فى مشروعات مختلفة يثمنها الجمهور». وكان ذلك أول إشارة لا لبس فيها لتغيير موقف حكومة العمال من أهم مصادر تمويل واحدة من كبرى محطات البث. وكانت الحكومة فى غاية الجدية عندما هددت بإجبار المحطة على السماح بأن يشارك آخرون فى الاستفادة من التمويل.
وكثيرا ما تدخل ال«بى بى سى» فى معارك مع الحكومة، خاصة بشأن رسوم الترخيص. ولكن هذه المرة كانت الأمور مختلفة. ويقول مسئول حكومى كبير «تواجه كل المؤسسات الإعلامية الأخرى فى المملكة المتحدة كارثة». وأضاف «بسبب الركود، ولأن تجزئة الجمهور بين مئات القنوات تمزق إيرادات الإعلانات، ولأن التطورات التكنولوجية جعلت هذه آخر فرصة لتشكيل المستقبل... فإن الصبر بدأ ينفد».
وعندما قدم لورد كارتر مسودة القانون فى الشهر الماضى، فى صورة بيان بعنوان «بريطانيا الرقمية»، فإنه أعلن عن: طرح اقتراح يتضمن استخدام 130 مليون جنيه استرلينى من أموال رخصة التليفزيون لتمويل برامج إخبارية إقليمية على قناة آى تى فى المنافسة، التى لم تعد تستطيع تحمل تكلفة إنتاج مثل هذه المواد غير المربحة.
ورفض سير مايكل الفكرة، بدعوى أن رسوم الترخيص سوف تصبح «أموال رشوة» يتم صرفها وفقا لهوى الحكومات المتعاقبة، مضيفا «لن تجلس الإدارة صامتة، وتسمح بحدوث ذلك». وأدى ذلك إلى رفع درجة حرارة الخلاف. وفى هذا الشهر، اتهم بن برادشو وزير الدولة للثقافة قيادات ال«بى بى سى» بأن «تفكيرها خاطئ» و«مضلل» بسبب رفضها التشارك مع محطات الإذاعة الأقل ثراء.
وتعرضت بى بى سى التى تمتعت بوضع احتكارى طوال 33 عاما، وشاركت لمدة 27 عاما أخرى فى احتكار ثنائى مع آى تى فى إلى فترة من التراجع، كانت فيها القدرة الإبداعية والجمهور وحتى النجاحات الصحفية، تنسب إلى المنافسين. ولكن فى العقد الماضى، انعكست هذه العملية. فقد حققت تدفقا قويا من العائدات الدولية، وحققت قفزات تكنولوجية، مثل خدمة الآى بلاير، وهى خدمة فيديو رائدة على الإنترنت.
ويقول بيتر بازالجيت الرئيس السابق لقسم الإبداع فى محطة «إندمول» للإنتاج إن ذلك يرجع جزئيا إلى أن الجانب الأيمن الإبداعى من مخ الشركة تم تسخيره لصالح الفص الأيسر التقنى. ويضيف «الآى بلاير هو المثال على ذلك: فالتكنولوجيا الذكية تظهر محتوى ذكيا، وصار ذلك رمزا وفكرة سائدة تماما».
وعلاوة على ذلك، تأتى هذه الإنجازات فى لحظة حاسمة بالنسبة لوسائل الإعلام العالمية. هل سيستمر الناس فى مشاهدة برامجها للتسلية والمعلومات على أجهزة التليفزيون أو الكمبيوتر أو حتى أجهزة أخرى أحدث؟ وهل يكون ذلك فى صورة صغيرة تعرض على أجهزة التليفون المحمول أو على شاشات تقليدية ضخمة؟ غير أن هذا النجاح بالتحديد هو الذى يجعل الحياة صعبة بالنسبة ل«بى بى سى» وفقا لما يقول تيم سيوتر من مؤسسة «بيرسبكتيف أسوشيتس» للاستشارات.
ويقول السيد سيوتر « إنها خلاقة بشكل جيد، ومربحة بشكل جيد، ومبتكرة بصورة جيدة، وتبدو كما لو كانت فى طليعة التطور. وكل هذه الأمور تجعلها تبدو منظمة كبيرة للغاية وناجحة»، ويضيف: «ونتيجة لذلك، تواجه بى بى سى سلسلة من الضغوط والحجج تختلف نوعيا عن كل ما واجهته من قبل».
وتُعتبر بى بى سى سواء فى داخل بريطانيا أو خارجها واحدة من أفضل شركات الإعلام عالميا، من حيث البرامج، والخدمة الصحفية، وحضورها القوى على شبكة الإنترنت. ويتزايد انتشارها كل شهر عبر نطاق «بى بى سى وورلدوايد»، الذراع الإعلانى الذى يبيع البرامج المشهورة وإعلانات السلع فى جميع القارات. غير أن الأطراف الخارجية، سواء المنافسون أو صناع السياسة، يرون غطرسة فى قوة بى بى سى المالية، حيث يتمتع كبار المديرين بوظائف آمنة ذات رواتب عالية تعزلهم عن حقائق عالم الإعلانات. ويرى فيها المنافسون عملاقا غير قادر على كبح شهوته للانتقال إلى ميادين تكنولوجية جديدة.
وفى ميدانى التليفزيون والراديو، تسعى بى بى سى لتبرير ضريبتها المفروضة على الجميع، عبر الهيمنة على الجمهور، والمنافسة بضراوة فى كل نوع من أنواع المحتوى الإعلامى. وفى العام الماضى، أنفقت بى بى سى على إنتاج البرامج 1.9 مليار جنيه استرلينى. وتتوقع مؤسسة إندرز أناليسيز أن تنفق المحطة فى العام المقبل 2.07 مليار، فى حين ينخفض إنتاج القنوات المنافسة إلى 1.67 مليار جنيه إسترلينى. ويأتى موقع بى بى سى الإلكترونى دائما ضمن أكثر مواقع الإنترنت زوارا فى المملكة المتحدة، بفضل ميزانية بلغت 177 مليون جنيه استرلينى فى عام 2008 ما يفوق كثيرا قدرات منافساتها.
ويقول ديفيد إلشتاين، الرئيس التنفيذ السابق لمحطة «فايف» المنافسة إن بى بى سى تستغل ضعف منافسيها المالى لتقليل الإنفاق فى قناتيها الرئيسيتين لخدمة البث العامة، وتحويله إلى المشروعات الرقمية التى تخدم جمهورا أقل بكثير. ويوضح «لقد خفضت الإنفاق على الأخبار، والأحداث الجارية، والفنون وبرامج الأطفال، أى جميع ميادين خدمة البث العامة المطلوب مساعدتها. وهكذا فبدلا من معالجة انهيار السوق تضيف إليه».
ويشعر العاملون فى بى بى سى من جميع المستويات بأنهم يتعرضون للهجوم. وتشعر إدارتها بأنها تهاجم لمجرد أنها تفعل ما ينص حق امتيازها عليه. ويعتقد العاملون فى المستويات الأقل، أن منافسى بى بى سى يطمعون فى تمويلها، ويبحثون عن أى نقطة ضعف، وكان أحدث الادعاءات عن النفقات الباهظة لبعض مديريها. وهم يتخوفون من أن يستهدف السياسيون مواردهم فى محاولة لكبح استقلال بى بى سى. ويشعر البعض بعدم ارتياح لأن التغيير الذى يقوده السيد تومبسون لا يتواءم مع التراث الصحفى للمحطة، أو القول المأثور عن جون ريث، المدير العام المؤسس من أن مهمتها ينبغى أن تكون: «التعليم والترفيه والإعلام».
وأثار الإعلان عن النفقات غضب العاملين، الذين تعرضوا لسلسلة من عمليات تخفيض الإنفاق. ويقول ستيفن بارنيت الأستاذ بجامعة ويستمنستر: «جميع هذه الضغوط المختلفة تؤكد الانفصال بين الأغلبية الكبيرة من العاملين فى بى بى سى الذى يحصلون على نحو 30 ألف دولار سنويا، مقابل عمل شاق على نحو لا يصدق، وبين النخبة قليلة العدد التى تدير المؤسسة».
غير أن السيد تومبسون، استطاع بنجاح كبير تفادى اللوم بشأن المعركة مع الحكومة ومع مكتب تنظيم الاتصالات (أوفكوم) الذى يرأسه السيد كارتر. ويقول أحد كبار المسئولين فى بى بى سى: «المجلس التنفيذى يدين له عموما بالولاء. فالجميع يقدره بالفعل ويحبه. وليس هناك الكثير من الاختلاف، حتى فى الأروقة بعيدا عن الاجتماعات» لكنه يضيف: «ومع ذلك، تشعر بأن هذا يحدث بصورة قسرية للغاية. فليس هناك أى اعتبار كاف لحقيقة أن الصناعة كلها تمر باضطراب».
ويقول أحد أعضاء المكتب التنفيذى: «كان رفض سير مايكل لمقترحات كارتر كارثة. فقد جعل الحكومة تنقب وراءهم أكثر». كما قال أحد المسئولين الأقل درجة «لن أقول إن هناك قدرا كبيرا من الاستياء، ولكن يوجد ما هو أكثر قليلا من القلق من أن رئيس مجلس الإدارة اتخذ مثل هذا الموقف القوى، بينما لا يوجد حل آخر».
ورفض السيد تومبسون الهجوم الذى وجهه وزير الدولة للثقافة، قائلا إن بى بى سى «تحاول جاهدة» أن تلبى تطلعات الحكومة نحو بريطانيا الرقمية. ولكن عند الحديث عن المشاركة فى رسوم الترخيص، فإن «الكثيرين ممن تحدثت إليهم سعداء بأننا اتخذنا مثل هذا الموقف القوى».
وحتى نتفهم السبب وراء رد الفعل القوى الذى اتخذه سير مايكل، ينبغى أن نعود إلى ذلك الاجتماع الذى عقد فى يناير قرب كنيسة ويستمنستر. فقبل ذلك، كانت بى بى سى تتعامل حصريا مع إدارة الثقافة والإعلام والرياضة. وعلى الرغم من أن فريق لورد كارتر الذى يعمل لإنجاز بريطانيا الرقمية يتبع اسميا كلا من إدارة الثقافة والإعلام والرياضة، وإدارة الأعمال والمشروعات، والإصلاح التنظيمى، فإن الإدارة الثانية هى التى تهيمن عليه. ويقول شخص قريب الصلة من المفاوضات «بدا الأمر كما لو كانوا وجهوا بنادقهم نحو البحر، لكن الهجوم جاء من الخلف، من البر».
وهكذا، عندما أوضح لورد كارتر أنه يضع رسوم الترخيص نصب عينيه، أدركت بى بى سى أنه سيكون عليها تقديم تنازلات. وقبل سير مايكل خطة كانت إدراة الشركة رفضتها قبل ذلك، لتدعيم القناة الرابعة عبر تكوين مشروع مشترك. كما رفضت الإدارة أيضا خططا على الإنترنت، أثارت غضب مؤسسات الصحف الإقليمية. وتقول كلير إندرز من مؤسسة «إندرز أناليسيز» إن بى بى سى «ظنت أنها مقايضة: تقدم تنازلا، ولا تكون مضطرة للمشاركة فى رسوم الترخيص. لذلك فعندما بات واضحا فى بيان بريطانيا الرقمية أنهم مازالوا مضطرين لتقبل المشاركة، كان الأمر بمثابة صدمة».
وتبدو المباراة حادة. فيزعم سير كريستوفر بلاند، وهو رئيس سابق لهيئة بى بى سى، فى خطاب إلى صحيفة فاينانشال تايمز هذا الشهر أنه «إذا كانت الحكومة ترغب فى دعم آى تى فى، فعليها أن تقوم بذلك مباشرة، وليس عبر غسل أموال تم جمعها من دافعى رسوم الترخيص لغرض مختلف تماما». ويقول أيضا إنه بالنسبة لهيئة إدارة المحطة «هذه مسألة مبدأ. فهى لا تمثل مصالح بى بى سى فحسب، وإنما أيضا مصالح الناس الذين يدفعون رسوم الترخيص. وينص حق امتياز بى بى سى على أن هيئة إدارتها هى الحارس على رسوم الترخيص. وأنا آخذ ذلك بغاية الجدية».
ويضيف «إن قطع الصلة بين بى بى سى والناس الذين دفعوا رسوم الترخيص توقعا لأن تذهب الأموال إلى برامجها وتكنولوجيتها، سوف يعطل قدرتهم على محاسبة بى بى سى. وأعتقد أن هذا سوف يفتح الطريق أمام زيادة رسوم الترخيص فى المستقبل».
ويقول قريبون من هيئة الإدارة ومن مجلس بى بى سى التنفيذى، إنهم نظرا لأن الانتخابات العامة سوف تجرى بعد أقل من عام، وأنه من المرجح فوز حزب المحافظين المعارض، فقد قرروا أنه سيكون من الأفضل المقاومة لتأجيل خطط بريطانيا الرقمية أطول فترة ممكنة، بأمل أن تتخذ الحكومة المقبلة موقفا مختلفا.
ولم يكتف ديفيد كاميرون رئيس الوزراء القادم المحتمل بالإشارة إلى أنه يعارض تقسيم رسوم الترخيص بين بى بى سى ومنافساتها، لكنه أعلن بصراحة أيضا عن تأييده تخفيض سلطة مكتب تنظيم الاتصالات، التى يعتبرها الكثيرون سواء داخل بى بى سى أو خارجها عدوهم الرئيسى فى المعركة.
ويقول جريج ديك، المدير العام السابق الذى يترأس مجموعة عمل تساعد فى تشكيل سياسة المحافظين، إنه بسبب الفوضى السياسية واسعة النطاق التى يعانى منها حزب العمال فإن «بى بى سى فى موقف قوى فعليا ولا أظن أنه سوف يتغير قبل الانتخابات العامة» وفيما يتعلق بتوجهات الحكومة المقبلة يقول: «من خلال ما سمعته من ديفيد كاميرون، لا أستطيع أن أقول إلا أن زعيم المحافظين يناصر بى بى سى لمدة 30 عاما على الأقل».
غير أن السيد إلشتاين يحذر من أن «تخلى» بى بى سى عن جوهر برامج خدمة العامة لصالح المشروعات الرقمية سوف «يراكم أزمة كبيرة جدا تنتظر حكم المحافظين... عندما يتضح ما فعلوه برسوم الترخيص». ويتبنى شخص قريب الصلة من قيادة أنجح محطات البث فى العالم نفس وجهة النظر. حيث يرى أن بى بى سى، وبوجه خاص هيئة إدارتها، لم تنتبه من داخل عالمها المحمى برسوم الترخيص إلى النقطة المهمة: أن التغيير التكنولوجى صار سريعا حتى قضى على نظام البث القديم فى العالم.
ويقول إنه بالقياس إلى الحرب الأهلية الأمريكية: «يبدو الأمر كما لو كنت من الحلفاء فى 1862: ربما تظل تكسب معارك هائلة، ولكن الحقيقة المرة أنك ستخسر الحرب فى النهاية لأن موقفك الاستراتيجى خارج نطاق سيطرتك» ويضيف: «عاجلا أم آجلا، سيكون هناك تغيير فى العلاقة بين رسوم الترخيص وبى بى سى، والسؤال الوحيد هو: ما حجم هذا التغيير، وما نوع بى بى سى الذى سينشأ عن هذا التغيير؟».
الاستقلال والتدخل
تاريخ من مشاحنات الحكومة مع بى بى سى
منذ إنشاء بى بى سى فى 1922، لم تمض فترة طويلة من دون مشاحنات مع السياسيين. ففى 1926 عندما كان ونستون تشرشل مستشارا لوزير الخزانة، أراد السيطرة عليها لضمان تغطية ملائمة من وجهة نظره للإضراب العام. فرفض جون ريث أول مير عام لها، وتم حل الشركة، ثم أعيد إنشاؤها وفق حق امتياز يضمن استقلالها.
وفى 1932، تعرضت لضغوط من أجل حظر برنامج، عندما طُلِب من رئيس مجلس الإدارة وقف إذاعة مقابلة مع أحد قادة البحرية الألمانية أثناء الحرب. وعقب فترة هدوء لدوافع وطنية خلال الحرب العالمية الثانية، هاجمت بى بى سى حكومة العمال بعد الحرب من خلال عرض كوميدى إذاعى عن سياسة الحزب، وتم حظر البرنامج. ودارت الضجة هذه المرة بشأن الرقابة.
وظلت الخلافات بشأن السياسة الخارجية سببا للنزاع بين المؤسسة والحكومة. خلال حرب السويس 1956، وحرب فوكلاند مع الأرجنتين 1982، والقصف الأمريكى لليبيا 1986، واعتبرت حكومات تلك الفترات وكلها حكومات محافظين أن بى بى سى ليست داعمة لها بشكل كاف.
ووقع خلاف أكثر خطورة مع حزب العمال: حيث سخر برنامج ديفيد ديمبلى الوثائقى «رجال الأمس» عام 1971 من حكومة هارولد ويلسون المهزومة، ما أثر على موقف وزرائه تجاه بى بى سى. ولم يوقف محاولات انتزاع رسوم الترخيص(ضريبة التليفزيون التى يدفعها البريطانيون سنويا وتوجه حصيلتها بالكامل ل(بى بى سى) إلا هزيمة الحزب عام 1979.
وواكب تولى مارجريت تاتشر الحكومة، مشاحنات حول التحيز، وبوجه خاص عند تغطية إضراب عمال المناجم (1984 1985) وحركة الجمهوريين الأيرلنديين. وفى 1986 عينت السيدة تاتشر مارمادوك هوسى من أجل «استئصال الحمر» وفقا لما نشرته صحيفة ديلى تلجراف، وأقالت المدير العام آلسدير ميلن. غير أن بى بى سى التى وصفها أحد نواب المحافظين بأنها «مؤسسة إذاعة بلشفية» شهدت إصلاحا واستردت قدرا كبيرا من قوتها.
ولم ينجح سوى تونى بلير، رئيس الوزراء العمالى السابق فى طرد كل من رئيس مجلس الهيئة ومديرها العام (جافين ديفيس وجريج ديك)، وذلك بسبب قضية ديفيد كيلى كان أحد مستشارى الحكومة البريطانية فيما يتعلق بالأسلحة الكيميائية، الذى توفى عام 2003. وأسفر التحقيق عن أنه انتحر بعد الكشف عن أن أنه مصدر تقرير غير دقيق نشرته بى بى سى، يتهم الحكومة بتقديم معلومات استخبارية مزورة لتبرير غزو العراق.


 
FINANCIAL TIMES


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.