بعد «ديل السمكة» الذى قدمته منذ 7 سنوات والمخرج سمير سيف غائب عن السينما، ويتفرغ للأعمال الدرامية التى شغلته عن حبه الأول، لكنها لم تقطع صلته بالفن السابع، بانتظار الوقت المناسب للعودة إلى بلاتوهات السينما. وحاليا يفضل سيف بين عدة سيناريوهات معروضة عليه ليعود من خلالها إلى الشاشة الكبيرة بعد أن انهمك كما يقول فى الفيديو فى مشاريع متلاحقة مغربة، أسهمت فى ابتعاده عن الشاشة الكبيرة طوال هذه السنوات لأن الأعمال التليفزيونية تستغرق وقتا طويلا. وحول الابتعاد والعودة.. كانت محطات هذا الحوار: الشروق:يقال إن السينما ضاقت بكبار المخرجين فلجأوا إلى الدراما؟ سمير: السينما بالنسبة إلىّ هى الأصل ولها الأولوية فى مجهودى الفنى.. وأنا لم أعان من هذه المشكلة، على الأقل حتى الآن.. فأنا لم أصنع فيلما مثلا ولم يتوافق مع الجمهور الحالى فلجأت بسببه إلى الدراما التليفزيونية، كما أن آخر أفلامى «ديل السمكة» حقق شعبية كبيرة خصوصا بين الشباب. وبالتالى أنا لم أفقد الصلة مع الجمهور، ولم أجرب الابتعاد الإجبارى عن السينما.. ولكن لا يخفى على أحد الظروف التى تعيشها السينما الآن.. وفى النهاية أنا مؤمن بأن المتفرج يحب مشاهدة شىء جيد بغض النظر عن عمر صانعه. الشروق: هل ابتعدت لأنك تخشى الفشل من الخروج عن «موضة» السينما؟ سمير: لا على العكس.. سأقول شيئا دون أى غرور «أنا صانع اتجاه ولا أتبع أى اتجاه» وأحب أن أصنع عملا جيدا يصبح «موضة».. وقد رفضت إخراج كثير من الأفلام التى تسير خلف «موضة» بسبب عيون تلامذتى فى المعهد، رغم أنها كانت عروضا مغرية مادية جدا.. فأنا لست مخرجا فقط بل مدرس أيضا ولدى واجب تجاه طلابى. الشروق: ولماذا تأجل مشروع عودتك للسينما؟ سمير: 80٪ من أفلامى كنت أنا صاحب ضربة البداية كفكرة، ولكى أعود للسينما لابد أن أرجع كما كنت وأكون صاحب المشروع، فابتدأت أجمع بعض الأفكار، وعدت إلى ملفاتى القديمة واستعدت الحماس القديم لتلك الأفكار.. ولأول مرة أعمل فى عدة مشروعات ولكن هناك جزءا خارج نطاق قدراتى وهو ارتباطات النجوم وظروف السوق وموقف شركة الإنتاج.. لذلك قررت ألا أضع البيض فى سلة واحدة وأن أعمل فى عدة أفلام ومن يجهز أولا أبدأ فى تصويره. الشروق: هناك إذن أكثر من فيلم؟ سمير: هناك 3 مشاريع لأفلام بالإضافة إلى ثلاثة مسلسلات فيديو أيضا أرسلتهم إلى مدينة الإنتاج الإعلامى، وهى مشاريع درامية طموحة وكبيرة.. واتفقت معهم على أن ما ستتوافر ظروف إنتاجية له سأبدأ به.. ولكنى أتمنى أن أنتهى من فيلم قبل أن أبدأ دراما مرة أخرى. الشروق: هل من بين المشروعات فيلم يدور حول جريمة؟ سمير: أنا كل مشاريعى مستمدة من الواقع.. فمثلا «المشبوه» رغم اقتباسه من فيلم أجنبى، فمن المستحيل أن تشعر بذلك لأن تمصيره تم بعناية فبدا الفيلم مغموسا فى مصر وهمومها.. وهذا ما يؤخذ على عدة أفلام الآن بأنها لا تتحدث عنا ولا عن شوارعنا.. ونشاهد مطاردات سيارات فى هذه الأفلام رغم أننا جميعا لا نستطيع المشى بسهولة فى شوارعنا من شدة الزحام!. الشروق: لك أكثر من تجربة من أفلام مقتبسة أهمها «شمس الزناتى» و«غريب فى بيتى» فكيف ترى الوضع الآن؟ سمير: كوينتن تارانتينو يقول «كلنا يسرق»، وتوفيق الحكيم قال إن «الفن يقتات على الفن».. ولكن هناك فارقا بين الاقتباس والانتحال.. أنا مع الاقتباس الذى يبذل فيه مجهود لتمصيره يقارب المجهود المبذول فى الفيلم الأصلى.. وهناك أستاذ جامعى أمريكى ظل يطلب من تلاميذه فكرة جديدة لم تعالج من قبل مقابل عشرين دولار.. ولمدة خمسة وعشرين سنة لم ينالها أحد. الشروق: إذن ما تسمى ما يحدث الآن؟ سمير: بالطبع انتحال وليس اقتباسا... أرى أفلاما ومشاهد مأخوذة بالنص عن أفلام أجنبية.. وأقول لك شكسبير «عمره ما جاب قصة من عنده».. جميع قصصه من آخرين ولم تتعب مخيلته فى قصة، ولكن الذى جعله شكسبير هو تناوله الجديد للأشخاص وللشعر الذى ألفه، أى المجهود الذى بذله. الشروق: أنت ماجستير ودكتوراه فى أفلام الحركة.. فكيف ترى هذه النوعية من الأفلام الآن؟ سمير: ليست مصرية وأشك كثيرا فى بقائها للأجيال القادمة فهى لم تزرع فى أرضنا، وعندما تشاهدها تشعر أنها أفلام هجينة رغم اتقانها لأن البعض يضع أمامه فى اللوكيشن الفيلم الأصلى الأجنبى على الكمبيوتر ويقلدوه.. هى أفلام «بوب كورن» لن تعيش طويلا. الشروق: كيف ترى إقحام بعض المخرجين المشاهد السياسية فى الأفلام؟ سمير: أحيانا البعض عندما يتشدقوا بمواضيع سياسية يعتقدون أن هذا عمق يكسب الفيلم أهمية.. لكن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة.. وليس معنى أن تنقل بعض الشعارات «الطنانة» وكلام الجرائد أن يكون الفيلم مهما بل إن ذلك الأسلوب هو الطريقة الأسهل لصناعة الفيلم. الشروق: صنعت فيلما عن «الأنبا شنودة»؟ سمير: ليس البابا شنودة الحالى طبعا، بل شنودة الأساسى وهو أحد رواد المسيحية فى مصر واعتبره «طه حسين» ذلك العصر لأن وقتها مصر كانت خاضعة للحضارة الرومانية فكانت الناس تتحدث اللغة الرومانية، لكنه صمم على أن يكتب باللغة القبطية وهو التطور الثالث للغة المصرية القديمة، وكانت لغة الصفوة آنذاك هى الرومانية، وفعل ذلك حتى لا تذوب ثقافتنا فى ثقافة الغرب. الشروق: وماذا عن تجربتك مع الأفلام القصيرة؟ سمير: أول فيلم فى حياتى كان روائيا قصيرا من إنتاج التليفزيون المصرى أبيض وأسود عن قصة ليوسف إدريس «مشوار» بطولة ماجدة الخطيب وحمدى أحمد، وحصل على جائزة وزارة الثقافة كأحسن سيناريو وأحسن إخراج وكنت صاحب الاثنين متفوقا بذلك على أفلام قصيرة متعددة لسعيد مرزوق وبركات..ويومها ذهبت متأخرا ولم أكن أتوقع الحصول على الجائزة وسط هؤلاء الكبار.. وكانت تجربة جميلة من التليفزيون أن يصنع أفلاما قصيرة متعددة منحت فرصا كبيرة لمخرجين شباب مثل محمد عبدالعزيز وأشرف فهمى وسعيد مرزوق وأحمد يحيى وغيرهم. الشروق: قدمت مع عادل إمام روائع وكلاسيكيات.. فما رأيك فى تجربة «بوبوس» والهجوم الحاد عليه؟ سمير: لن أنضم إلى «شلة» مهاجمى عادل إمام.. وفترتى معه كانت أثرى الفترات لى وله.. وكان آخرها «شمس الزناتى» منذ 17 سنة وفى تلك المدة جرت تحت الجسر مياه كثيرة، وعادل طوال عمره ممثل هايل وطازج، وهو لا يملك إلا أن يكون عادل إمام. الشروق: رأيك فى جيل المخرجين الحالى؟ سمير: معظمهم أولادى ودرسوا معى بالمعهد وشهادتى فيهم مجروحة، ولكنى أشفق عليهم وهم يشكون لى تعنت المنتجين وحال الفن الآن.. فأنا مثلا فى رابع فيلم لى وضع اسمى على الأفيش بجوار اسم سعاد حسنى.. أما اليوم أبحث عن اسم المخرج ولا أراه وسط الزحام.. فهو موظف فى الفيلم ليس أكثر وليس صانعه كالسابق..ولكن المخرجين الآن لابد أن يكافحوا من أجل البقاء لأن الظروف قاسية. الشروق: أخيرا.. ماذا عن مسلسل «شارع محمد على»؟ سمير: هو أحد الأعمال المتفق عليها فى المدينة ولكنى فى انتظار الضوء الأخضر لبدء التصوير.. وأنا من عشاق فترة الأربعينيات، وقدمتها من قبل فى «شوارع من نار» وهى مرحلة ثرية جدا بروحها وأفكارها فضلا عن أنها تحتاج لجهد كبير جدا فى الملابس والإكسسوار وأسلوب الكلام مما يزيد من متعة العمل فيها، وبصفة عامة نحن نحتاج لإعادة إحياء الذاكرة الوطنية. وعلى سبيل المثال المجتمع الأمريكى ابتدع الكاوبوى لأن ذلك جزء مهم من تاريخه، ونحن نملك من التاريخ آلاف السنين لذلك لابد من إحياء تلك الذاكرة على الأقل لاستعادة الثقة بأنفسنا.