خبيرة أسواق المال ل"فيتو": البورصة في فترة تصحيح وضريبة الأرباح الرأسمالية سبب تراجع المؤشرات    ما أسباب خصم الرصيد من العدادات مسبقة الدفع بالمنازل والمحال المغلقة؟ الكهرباء تجيب    محافظ الدقهلية: تطبيق المواعيد الصيفية لفتح وغلق المحال يحقق الانضباط في الشارع    وزير المالية الإسرائيلي: المبادرة المصرية تشكل خنوعا إسرائيليا خطيرا وانتصارا كارثيا لحماس    ثلاثة لاعبين في قائمة برشلونة لتدعيم خط وسط الفريق    محافظ قنا يعلن الطوارئ وغلق الطرق السريعة لحين استقرار الأحوال الجوية    هشام عباس وعلي الحجار والكابو يشاركون بحفل مصطفى قمر في الشيخ زايد (صور)    خبير: غموض موقف ضريبة الأرباح الرأسمالية يهدد بخسائر فادحة للبورصة    رئاسة COP28: نحرص على تعزيز التعاون الدولي لإنجاز عمل مناخي فعال وداعم للتنمية    الري: الإسراع في برنامج تطهير الترع استعدادا لفترة أقصى الاحتياجات    تعليم النواب: رصدنا تحصيل بعض المدارس رسوما من الطلاب لتصوير الامتحانات الشهرية    الاحتلال يمنع الفلسطينيين من صلاة الجمعة بالأقصى .. وبيان عاجل ل حماس    شركة أمبري البريطانية تعلن عن حادث قرب المخا اليمنية    مسؤول يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا.. فيديو    تكريم الطالب كريم عبد الرازق في ختام فعاليات مهرجان الأنشطة الطلابية الأول بجامعة السويس    خليفة كلوب.. ليفربول وفينورد يضعان اللمسات الأخيرة بشأن آرني سلوت    بتفوقه على الأهلي والزمالك.. بيراميدز يتوج بطلًا لدوري الجمهورية 2009 (فيديو)    موقف مفاجئ من مبابي لحسم انتقاله إلى ريال مدريد    فانتازي يلا كورة.. الثلاثي الذهبي في أرسنال    أداء الفرسان مشرف.. برلمانية: مدينة مصر للألعاب الأولمبية فخر لكل العرب    أوقاف القليوبية : افتتاح 16 مسجدا خلال 4 أشهر    "كتيبة إعدام" قتلت "جهاد".. ضبط المتهمين بإشعال النار في طفلة انتقامًا من أسرتها بالفيوم    بيان عاجل من جامعة حلوان بشأن حالة الطالبة سارة هشام    برقم غير متوقع .. مي كساب تبرز رشاقتها بهذه الإطلالة من دبي    ماجدة الرومي تبدأ حفلها بقصر عابدين بكلمة في حب مصر.. صور    بإقبال كبير.. اختتام فعاليات القافلة الثقافية بالبحيرة    خطبة الجمعة من سيناء| د. هشام عبدالعزيز: حسن الخلق أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة وهذه أهم تطبيقاته في الإسلام    فضل المشي لأداء الصلاة في المسجد.. لن تتخيل ماذا أعد الله للمؤمنين    الصحة: إجراء الفحص الطبي ل مليون و688 ألف شاب وفتاة ضمن مبادرة "فحص المقبلين على الزواج"    لقاح شينجريكس.. تفاصيل طرح مصل جديد للوقاية من الإصابة بالحزام الناري.. صور    بالصور- نجاح أول جراحة لتركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية في بني سويف    بعد غياب.. ملتقى القاهرة الأدبي في دورته السادسة يعقد مناقشاته حول المدينة والذاكرة    في ذكرى ميلاد الراحلة هالة فؤاد.. لماذا حاول أحمد زكي الانتحار بسببها؟    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    «مياه دمياط»: انقطاع المياه عن بعض المناطق لمدة 8 ساعات غدًا    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    المفتي: ثورة 30 يونيو كانت تحريرًا لأرض مصر من أفكار خاطئة (فيديو)    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    الخارجية الأمريكية تعلق فرض عقوبات على كتيبة "نتساح يهودا" الإسرائيلية    البيت الأبيض يواصل مساعيه للإفراج عن المحتجزين فى قطاع غزة رغم رفض حماس    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة الجونة للإسكواش ويستعد لمواجهة حامل اللقب "على فرج"| فيديو    وفد جامعة المنصورة الجديدة يزور جامعة نوتنجهام ترنت بالمملكة المتحدة لتبادل الخبرات    عاجل| مصدر أمني: استمرار الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي للوصول لصيغة اتفاق هدنة في غزة    مزارع يقتل آخر في أسيوط بسبب خلافات الجيرة    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    قافلة جامعة المنيا الخدمية توقع الكشف الطبي على 680 حالة بالناصرية    قبل شم النسيم.. الصحة توجه تعليمات شديدة الأهمية للمواطنين    سويسرا تؤيد خطة مُساعدات لأوكرانيا بقيمة 5.5 مليار دولار    منها «ضمان حياة كريمة تليق بالمواطن».. 7 أهداف للحوار الوطني    مواصفات امتحان اللغة العربية لطلاب الصف الثالث الثانوي 2024 (تفاصيل)    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    كارثة كبيرة.. نجم الزمالك السابق يعلق على قضية خالد بو طيب    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المتكلمون
نشر في الشروق الجديد يوم 25 - 04 - 2015

اتخذت مكانى فى القاعة المزدحمة قبل أسابيع خلت، أتابع المؤتمرَ السنوىّ لمَجمَع اللغةِ العربيةِ. ضمّت الجلسةُ الافتتاحية أمينَ المجمعِ ورئيسَه، ويعرف المهتمون بالحدث والمكان كليهما: الشاعر فاروق شوشة والشيخ حسن الشافعى، فيما لم يحضر العضو المغربىّ عبدالقادر التازى؛ شيخ المَجمَعين العرب وأكبرهم سنا لمرضه، وقد تفاجأ قبل ابتداء الجلسة بفترة قصيرة مَجمَعىٌّ آخر وهو مِن المَغرب أيضا بدعوته ليحل مَحَلَّ التازى مُتكلما، ولم يكن بطبيعة الحال قد أعدّ كلمة خاصة للمناسبة. توقّعت غافلة رغم ما أعرف عن طبيعة المكان وأهله أن تكون كلمته قصيرة مُرتبكة، وأن تشوبها بعض الأخطاء كعادة المتحدثين فى مواقفٍ كهذه حتى وإن كانوا مِن العلماء الُمتمكّنين، لكن الرجلَ ارتجل حديثا مُمتدا هادئا لا عيب ولا ثغرة فيه. تابعته بأُذُنِ مَن يسعى إلى التقاط هفوة أو زلة لسان فلم أنجح فى الفوز بمرادى، وانتشيت إذ ردّنى حديثُه السلس المُنساب خائبة المَسعى.
***
طيلة الجلسة، وبقدر ما تمكّنت مِن مُلاحقة المُتكلمين، لم يخطئ مَجمعىٌّ مِن بلد عربىّ كان أو مِن مصر، لم يخطئ سوى الضيف الوحيد الغريب عن المكان، وهو مسئول رسمىّ يحضر بحكم منصبه افتتاح المؤتمر عاما بعد عام؛ طالت كلمته وتراكمت العثرات، فنصب المبتدأ وصفته بدلا مِن رفعهما، موجها إحدى عباراته إلى الإعلاميين المتمركزين فى القاعة، ورفع خبر كان فى عبارة أخرى تحدث فيها عن أهمية اللغة ذاتها، ونسب برنامج «قل ولا تقل» إلى أمين المجمع الحالى رغم أنه لم يكن مُعدّه ولا مُقدّمه، وإنما هو صاحب البرنامج الشهير «لغتنا الجميلة» الذى تابعه كثيرون على مدى سنوات ولاتزال حلقاته تُذاعُ حتى اليومَ، وقد أدرك الجلوس أن الأمر اختلط على الضيف رغم استعانته بأوراق قرأ منها بعض النقاط، فغمغم بعضهم باسم «مصطفى جواد» العالم العراقى الشهير صاحب «قل ولا تقل» كى يُصحّح الخطأ دون فائدة.
***
ذهبت إلى مؤتمر الرواية الذى انعقد فى الشهر نفسه بالمجلس الأعلى للثقافة، فعرجت على ذهنى مُقارنة بائسة بعد حضور بعض جلساته وندواته. كانت المقارنة بين متحدث مصرى يقرأ من ورقة ويخطئ رغم ذلك فى علامات التشكيل، ومُتحدّث مِن المَغرب العربىّ يرتجل فتخرج الكلمات منضبطة بعلاماتها، والأحرف مُمَتعة باكتمال نطقها. كان أغلب المشاركين العرب الذين استمعت إليهم طُلقاء اللسان ندر أن يخطئ أحدهم، أما المشاركون المصريون فكان أغلبهم على النقيض.
ألح علىّ السؤال: لماذا يفشل أغلب المصريين الآن فى اختبارات الخطابة وقد كان لدينا خطباءٌ مفوهون فيما مضى؟ هل مِن خطيب فى وقتنا الحالى يمكنه أن يتفوه بمثلما تفوه عرابى: «لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقارا فوالله الذى لا إله الا هو لا نُوَرث ولا نُستعبَد بعد اليوم»؟ أو أن يخطب كما خطب مصطفى كامل وأن يصيغ عبارات تشبه: «لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا»، و«إن من يتسامح فى حقوق بلاده ولو مرة واحدة يبقى أبد الدهر مزعزع العقيدة سقيم الوجدان»؟ رغم مرور سنوات طوال لايزال البعض يحتفظ فى ذاكرته بما قرأ مِن «خطبة الوداع» التى ألقاها مصطفى كامل من الإسكندرية بعد عودته إلى مصر عام 1907، وكان حينها فى حال مِن الإعياء الشديد، مع هذا وُصِفَت خطبته تلك بكونها الأجمل والأطول والأقوى تأثيرا، فهل هناك مَن يتذكّرُ اليوم بِخيرٍ وامتنان لفصاحة اللسان، خطبة ألقاها رئيس أو زعيم مصرىّ فى السنوات الثلاثين الأخيرة؟
***
المتكلمون أنواع منهم مَن لا يحاول استخدام العربية الفصحى فيفعل خيرا، ومنهم مَن يحاول ويبدى عجزا واضحا يلحظه السامعون، ومنهم مَن هو طَلِق اللسان والنوع الأخير يمثل ولا شك استثناء مِن القاعدة. أحضر بانتظام اجتماعات يُفتَرض أن تضمّ صفوة مِن الأساتذة الجامعيين، لا تطرقُ فيها مَسامعى جُملة واحدة مُنمقة أو حتى سليمة. أذكر وربما يذكر مثلى آخرون ذاك القاضى الذى راح يتلو حيثيات حُكمه فى أكثر مِن ساعة لم ينطق خلالها عبارة صحيحة، ورجل الدين المعروف الذى أخطأ مرات فى خطبته التلفزيونية، ووكيل النيابة الذى بدا مُصرا على نبذ أى علامة تشكيل صائبة واستبدال أخرى خاطئة بها. لا يشفع لأساتذة الجامعة تخصصهم فى علوم متنوعة إنسانية وغير إنسانية لا تتعلق باللغة، ولا تشفع لرجل دين عجلته وحماسته السياسية، كما لا يشفع لوكيل النيابة أو للقاضى أنهما درسا الحقوق وأغفلا العربية، وقد كان «إسماعيل صبرى» القاضى الشهير ووكيل وزارة العدل نظارة الحقانية آنذاك مِن كبار الشعراء، وله قصائد بالعربية الفصحى متينة البناء منها نونيته الشهيرة التى مَطلعها: «لا القومُ قومى ولا الأعوان أعوانى إذا وَنَى يوم تحصيل العُلا وانٍ». أذكر أيضا والشىء بالشىء يُذكر، رئيس الجمهورية الذى يصمت حينا بين جملة وأخرى ولا يستغل براحَ صَمته فى ضَبط الكلمات فيخرج أغلبها مُجانبا الصواب. على كل حال ليس بين هؤلاء جميعا مَن يكلّف نفسه مَشَقَّة الاعتذار عن الأخطاء، ربما لفرط ما ارتكب منها، وربما لا يرى أحدهم فى الأمر ما يدعو إلى الاعتذار.
***
ينطق الأطفال المصريون الإنجليزية والفرنسية ولا يعرفون لكلماتهم مرادفات عربية ويفخر لجهلِهم الأهلُ ويزهون، والعيب ندركه جميعا فما عدنا منتجين لمعرفة ولا حتى قادرين على استيعابها، وكما يقال دوما تقوى اللغة بمكانة أهلها ومَبلَغ علمهم، وتذوى وتتراجع بضعفهم وهوانهم.
أحضر مؤتمر مَجمَع اللغة العربية لأستمع فى الجلسة الافتتاحية إلى كبار المتكلمين الذين لا يخطئون إلا فيما ندر. صباحكم رائق يا مَن لازلتم تنطقون الضادَ ضادا والثاءَ ثاء، صباحك رائق أيها الثمانينىّ الجليل؛ تخطبُ مُرتجلا فلا تغفو عن ضمّة أو فتحة أو كسرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.