تكاثرت على مَدارِ شهر رمضان إعلاناتٌ دعائيةٌ تروّج لمأكولاتٍ مُستحدَثة غريبة، وقد صرنا نسمع في كل مناسبة وبغير مناسبة أيضًا، عن أسماء لحلوى هي مزيجٌ مما عرفنا ومما لم نعرف؛ المَكشوفة والمَكسوفة والمَدلعة والتمرانة، وغيرها مما يشي بتراجع بساطةِ (...)
في إعلانٍ رمضانيّ لإحدى الجمعيات الخيرية التي تحثُّ المشاهدين على التبرع كما هو مُعتاد؛ ظهر مُفكرٌ شهير رحلَ منذ أعوام؛ مُعلنًا استهانته بقيمة ما كتب على مدار عمره، وشعوره بتفاهة الكلمات إجمالًا وبأنها لا يمكن أن تشفع للمرءِ بعد وفاته، وبناءً على (...)
صَوَّب الرَّجلُ المُضطجِع فى مقعدِه الوثير؛ ورقةً منبعجة نحو سَلة القمامة؛ لكنها أخطأت الطريقَ وسقطت أرضًا على مقربة منه. طالعها مليًا وبدا أنه يفكر فى ترك مجلسه والتقاطها ووضعها فى مكانها الطبيعى؛ إذ الصالة الواسعة نظيفة لا مجال لإرهاقها بما يتناثر (...)
مضى جَمعٌ من الرّجال والصِبيَة بين البيوت الهادئة، وقد ارتدوا الجلابيب وحملَ كلٌّ منهم آلةً موسيقية، واندمجوا في عَزفِ إيقاعاتٍ مُتنوعةٍ تتَخلَّلها ألحانٌ بَسيطة؛ صادرةٌ عن أدواتِ نفخٍ وأكورديون وربابة. خليطٌ عجيبٌ أسفَرَ عن خُروج بعض السُّكان إلى (...)
تعالت الأبواقُ تحثُّ السيارةَ التي تمضي متأنية على الإسراع، ولما لم يَستجِب سائقُها؛ فتح آخر نافذتَه وزَعَق مُغتاظًا: أنت ميت وللا إيه؟ لم تكن الطريقُ مفتوحةً تغري بالانطلاق؛ لكن الأعصابَ المَشدودةَ المُتلهفة على العودة في فترة ما قبل المغرب دفعت (...)
عرفتُ بين الأصدقاءِ والصديقاتِ من لا يُطيقُ صبرًا على أيّ شيء يقوم به. يبدأه ثم يُسارع الخطواتِ ولا ينفكُّ يقطع أشواطًا واسعةً حتى يُفسِد ما يفعل. المثالُ المُتكرر وصفاتُ الطعام التي تتطلَّب من صانعها أن يصبرَ، فإن لم يفعل؛ أحرقَ المُكونات أو أخرجها (...)
سبقتني في الصفّ شابةٌ في العشرينيات. أعطاها البائع بقيةَ النقود التي دفعتها لقاء المشتروات وأضاف عبوتين صغيرتين من المايونيز والكِتشاب عوضًا عن الجُّنيهات الناقصة. رفعت يدَها في حَزمٍ رافضة: دول في المُقاطعة. سَحبَهما البائع على الفور؛ وكأنه كان (...)
لم تكُن المعركةُ اللفظيَّة التي نشَبَت بين اثنين من أصحاب الوظائف بحاجةٍ للتجاوُز والتعدّي؛ لكنها انتهت مع احتقانِ الأجواء إلى: "أنا أقدر أرميك ورا الشمس". انكَمَش واحدٌ واستأسد الآخر وانتقلت الحالُ من تشاحن عاديّ مُتكرِّر إلى مَوقِف استعلاءٍ بل (...)
لم تكن المُغادرة إلى بلدٍ بعيدٍ على البال؛ لكنها صارت في حُكم الضَّرورة بعدما تعقَّدت الأوضاع وبات البقاءُ في حُكم العَبث؛ الفرصةُ السانحةُ لن تلبثَ أن تصبحَ من الخيال، لكن الفراقَ يظلُّ ثقيلًا مُوجعًا. بعضُ المرَّات يتَّخذ المرءُ قرارًا صعبًا، (...)
على المقهى متوسط الحال جلس اثنان، وقد بدا أن لديهما من الكلام ما يحمل أهمية خاصة. لم يستغرقا سوى دقائق ليحتدم بينهما الحديث، فيصف أحدهما الآخر بالخيانة؛ خيانة العهد. عهد سنوات من الصداقة الممتدة، وأيام من الشغب والتسكع اللذيذ، وساعات من الود (...)
لم يَكُف الصَّغير عن القفزِ والحَركة، ولما أمرته أمُّه بالقعود، تذمَّر وراح يصيح كي تتركَه يَلعَب. زعقَت نافدةَ الصَّبر: اكتُم بقى.. اكتُم خالص؛ لكن زعقتَها ضاعَفَت من اعتراضِه، ولم يكُن مِن حَل سوى أن تجذبه بعيدًا عن المنتظرين؛ فأغلبُ الناسِ قد (...)
لم يَكُن مَرجِع ذاك المَظهرِ الباهتِ اللامُبالي إلى شيءٍ مِن الزُّهد وعدم الاكتراث؛ بل مُحاولة لتوجيه المَوارد التي صارت بين يومٍ وليلة فقيرةً ضئيلةً؛ نحو الضَّرورات التي لا مَناص مِن توفيرها. بَدَت السيِّدةُ التي كانت فيما مَضى مُعتنيةً بهيئتها، (...)
كلَّما دَار حوارٌ حول الأوضاعِ الرَّاهنة، وتطرَّق إلى مَواقف بعض الحكوماتِ والبلدانِ العربيَّة مِن الحربِ الشَّرسة الدائرة في الجَوار؛ سَمعت مَن يؤكد أن أحدًا "لا يَستحي على دَمه". المعنى واضح لا يحتاج إلى تفسير، والقولُ دارجٌ يفيد وقاحةً لا تُنكَر، (...)
في صالةٍ واسعةٍ تضُم زوارَ النادي الهاربين مِن مُنغصات الحياة، الباحثين عن لقاءاتٍ ينفثون فيها ما اجتمع عليهم من همّ ونَكد، دار حوارٌ لم يخلُ بدورِه من حمُول. قالت سيدةٌ في أواسطِ العمر؛ لو صبرنا قليلًا لتمكنَّا من الحصولِ على الشهادةِ ذات العائد (...)
بدأ العامُ الجَّديد منذ أيامٍ قلائل والأجواءُ حافلةٌ بالترقُّب؛ إذ الحالُ في عُسرٍ يشتدُّ، غالبُ الناس يُمني نفسَه بأيام أرفقَ وأطيب، وكثيرهم لا يرجو إلا السَّتر، وإن كان للكلمةِ أثر يُؤمَل، وفي القَّلبِ متسع لمَزيدٍ مِن السَّعي، وفي العقلِ لم يَزل (...)
عجَزَ الولدُ عن إجابةِ السؤال، وازدادت عيناه اتساعًا دون أن ينطقَ؛ رغم ما بذل المُعلمُ من جَهد لمساعدتِه، ورغم مُحاولات زملائه المَفضوحةِ تلقينه كلمةً أو اثنتين تحفظ ماءَ وَجهِه. ظلَّ على حاله لدقائق إلى أن بات الأملُ في استجابته مفقودًا، ثم انصبَّ (...)
رفضَ الرَّجلُ أن يشهدَ بما وقع رغم حضورِه وأعلن أن الموقفَ لا يخصُّه. قفز أحد الخَصمين مُغتاظًا، مُدركًا أن ثمّة ما يُحاك، وأن كتمَ الحقائق الدامغة وحجبَ الوقائع التى تنصفه على هذا المنوال؛ إنما يعكسان اتفاقًا ضمنيًا انعقد بين الشاهد والآخر المُدان، (...)
في أحد الأحياء التي طالما وُصِفت بالراقية الأرستقراطية، سَارع الرّجل خطوَه ثم لم يلبث أن أبطأ قليلا حين لمح علبةً ورقيّة مُربّعة، مَلقية بإهمال على سور منشأة قديمة. توقّف لحظة ثم مدّ يدَه فالتقط منها نصف سندوتش من خُبز الفينو المستدير، وقد بدا بحال (...)
أذكرُ في إحدى زياراتي للأوبرا منذ أعوامٍ خَلت، أن سمعت بعضَ الجالسين في الجوار يتهامَسون أن ما هذه البَهدلَة وقِلَّة القيمة؟ نظرت حَولي استطلع المَوقِف فرأيت بين الجُّمهور من ارتدى جلبابًا تقليديًا وطاقية، وكان العرضُ في المَسرح الكبير؛ حيث الزيّ (...)
حين صرخت المرأة وسط الشارع، كشَّ العابرون وانتفضَ بعضُهم. بدت صرختُها إعرابًا عن ضيقٍ شديدٍ طوَّق صدرَها وأنهكَ أعصابَها، ودفعها للاعتراضِ على حالٍ لم تعد مُحتمَلة. لم يعرف أحدٌ على وجه الدقَّة ما دفعَها للصُّراخ، لكن الأكيدَ أن كثيرين تمنُّوا لو (...)
بَحثت طويلًا عن جهازِ التحكُّم في التلفزيون، نَظرت على المناضِد والمقاعدِ وتحت الجرائدِ المَلقيةِ هنا وهناك؛ بلا طائل. جَثوت على ركبتيّ أنظر أسفلَ الأريكةِ ولم يكُن له من أثر؛ تاه وكأن الأرضَ قد انشقَّت وابتلعته. أخيرًا وبعد جَهد مُتواصِل؛ تبيَّنت (...)
صدمت سيارةٌ لم يتمكن سائقُها من التوقُّف في اللحظةِ المناسبة؛ أخرى واقفةً لم تبرح مكانًها، وخرج رجلان أحدهما كشرٌ ساخطٌ مُحتد؛ بدا أن غضبَ ملامحه قد يمتدُّ إلى لسانِه وأن تقطيبتَه قد تتحوَّل إلى لكمةٍ أو دفعة؛ لكنه ما أن رأى الآخرَ يُبادر بالأسف (...)
قبل أيام، طرقت أذنيّ في المتجرِ الواسع عبارةٌ قصيرة؛ تُعاير فيها سيدةٌ أخرى بأن سَلتها تحملُ بضائعَ ضِمَن قائمة المُقاطعة. لفت انتباهي الحوارِ الذي دار، فقد تراجَعت صاحبةُ السَّلة على الفور وراحت تستَطلع ما يَجب أن تحذفَه وما يُمكن أن تُبقيَ عليه، (...)
اقتصر لقاء الأصدقاء تلك المرة على ثلاثة؛ سأل أحدهم وأين فلان؟ زعلان، ولماذا لم تتصل فلانة؟ زعلانة، وعِلان مثلهما. لم تكن المبررات واضحة إنما بدا الزعل توجهًا عامًا؛ الكل في حال من عدم الرضا، والكل يملك ما يدفعه إلي بوتقة الانعزال.
• • •
يأتي الفعل (...)