دائما، هم مطاردون، يحملون مصدر رزقهم على أكتافهم ويعرضونها على الرصيف الذى تحول الى جزء من حياتهم اليومية، محالهم عبارة عن طاولات خشبية يسمونها «الرصة» تعرض عشرات الأصناف من السلع الرخيصة مما خف وزنه، وقل ثمنه من بطاريات، ريموت كنترول، مناديل ورقية، محافظ، ساعات، نظارات، ملابس داخلية، وملابس أطفال شرائط كاسيت.. وغيرها، الحكومة تعتبرهم سببا للتلوث والضوضاء وإشغال الطريق لذلك فخصامهم دائم مع السلطات من شرطة مرافق، والبلدية، والرقابة على المصنفات وشرطة الأحداث، الكل يطاردهم لمنعهم من مزاولة المهنة التى لا يعرفون غيرها لتصبح لعبة القط والفأر بينهم وبين هذه الأجهزة ظاهرة يومية ممتدة لسنوات طويلة، حتى الآن لم تبادر الحكومة بتنظيم عملهم، لكن المبادرة أتت من المجتمع المدنى من خلال الاتحاد العام لجمعيات التنمية الاقتصادية، الذى تقدم بمشروع قانون لحماية الباعة الجائلين بدعم مالى وفنى من مركز المشروعات الدولية الخاصة «صايب» التابع لغرفة التجارة الأمريكية، سيقدم إلى مجلس الشعب فى دورته الجديدة بعد الانتهاء من إعداده. وعموما، اختلفت التقديرات حول أعداد الباعة الجائلين فالجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء قدرهم ب5.5 مليون بائع فى حين قدرت دراسات أخرى أعدادهم بما يتراوح بين 1.5إلى 3.5 مليون بائع يتعاملون مع أكثر من 20 مليون مستهلك من محدودى الدخل ومتوسطيه ممن يقبلون على شراء بضاعتهم بما يعنى أن هذه الفئة تمثل نشاطا اقتصاديا مفتوحا يسمح بدخول قوى عاملة وخروجها بلا قيود، وتمثل المرأة المعيلة فيها نسبة 30% فى حين تصل عمالة الصبية فى هذا المجال إلى أكثر من 15%. تجارة الرصيف، كما يطلق عليها، لا توجد فى مصر فقط، لكنها فى دول العالم كله، وكثير من هذه الدول، خصوصا العربية، سبقت مصر فى تنظيم عملها وإضفاء الشرعية عليها؛ فقد شرعت السعودية فى تطبيق هذه السياسة منذ عام 2004 بأن وفرت لهم «مباسط مجانية» فى أسواق الشمال لمن يرغب من السعوديين فى هذا العمل وأتاحت لهم عرض بضائعهم على سيارات وسمحت لهم بالتجمع تحت رقابة السلطات المختصة بحيث يمنح كل بائع جائل بطاقة يعرف فيها المواد، التى يقوم بعرضها وكذلك المكان الذى يمارس فيه البيع، كذلك البحرين خطت خطوات مهمة فى تنظيم عمل الباعة الجائلين فقد سمحت لهم وزارة شئون البلديات والزراعة ببيع بعض السلع الغذائية والاستهلاكية فى ساحات قريبة من المساجد، أما فى ليبيا فيفترش الباعة شارع الرشيد الممتد لحوالى كيلو متر مربع وتسمح لهم السلطات بالبيع ليلا فقط منعا للزحام وتعطل السير ولهم فرق تفتيش تراقب السلع والبضائع المعروضة. فؤاد ثابت رئيس الاتحاد العام لجمعيات التنمية الاقتصادية يؤكد أن فلسفة القانون الجديد تقوم على إقناع صناع القرار فى مصر بتغيير سياستهم تجاه هذه الفئة، التى لا يوجد من يدافع عنها ووصفها بالفئة المظلومة، التى انضم إليها آلاف من خريجى الجامعات وحاملى الشهادات المتوسطة بعد أن فشلوا فى الحصول على فرصة عمل، وقال إن الجمعية أجرت مجموعة من اللقاءات مع هؤلاء الباعة فى أكثر من سبع محافظات لاستطلاع آرائهم حول القانون وبهدف تأسيس 15 جمعية فى 15 محافظة لرعاية الباعة الجائلين كنواة لاتحاد نوعى لهذه الفئة يقوم بالتنسيق مع الأجهزة المركزية ووزارة التأمينات والقوى العاملة لحماية حقوقهم والدفاع عنهم، وأضاف إن القانون المقترح يتضمن استصدار بطاقة للبائع المتجول تعد بمثابة رخصة له يكون موضحا بها خط السير أو المنطقة، التى يتحرك فيها ولا يتجاوزها وأنه لن يتم تحديد السلعة التى يبيعها للتسهيل عليه فى حالة تغيير السلعة التى يبيعها ولتيسير سبل الرقابة على بضاعتهم، لافتا إلى أن القانون يوفر قدرا من الحماية من خلال توفير الرعاية الصحية والتأمينية للباعة الجائلين نظير رسم اشتراك لم يحدده مشروع القانون بعد، ولكن قدره ثابت بنحو 120 جنيها شهريا يشمل رسوم الترخيص، ورسم التأمين الاجتماعى، ورسم لتأجير المكان، مؤكدا ترحيب الحكومة بهذا التوجه لأنه سوف يوفر دخلا لخزانة الدولة لن يقل عن 8 مليارات جنيه سنويا، كما أن هذا النشاط لن يمارس فى أسواق ثابتة كما هو الحال فى سوقى خالد بن الوليد فى الإسكندرية، وشارع السودان فى أسوان فقط، ولكن فى أماكن متنقلة نظرا لأن 75% من الباعة الجائلين مترجلون، وقال: هناك تجربة رائدة فى الهند فى هذا المجال وحاولنا الاستفادة منها، حيث يعمل فى هذه المهنة أكثر من 15 مليون هندى، ولهم رابطة ويسددون تأمينات اجتماعية ومخصص لهم أماكن لهم حرية التجول فيها، حيث يسمح للبعض باستخدام السيارات لعرض بضائعهم والبعض الآخر يمكنه استخدام التوك توك للتحرك من مكان لآخر، كما لا ننسى أن للتجربتين الأردنية والمغربية أهمية كبرى فى هذا المجال، وأكد أن هذه التجربة ستنعكس بالإيجاب على المستهلك المصرى لأنه سيحصل على سلعة حيدة وفى حالة عدم مطابقتها المواصفات سيكون من حقه استرجاعها لأن مكان البائع معروف وسهل الوصول إليه، وتابع: سنعقد مؤتمرا فى القاهرة خلال الأسبوعين المقبلين للإعلان عن تأسيس أول جمعية للباعة الجائلين رئيسها من أصحاب هذا النشاط لتصبح كيانا مؤسسيا يدافع عن حقوقهم. الحلم المستحيل الكلام عن الباعة الجائلين شىء واقتحام عالمهم شىء آخر، فأحمد، الحاصل على الثانوية الأزهرية ويبيع الولاعات، قال: نحن حثالة المجتمع هكذا يتعاملون معنا، وحكى قصته فى كلمات بسيطة: جئت من الفيوم منذ 10 سنوات ومكثت على هذا الرصيف، طلب منى عدم ذكر اسم المنطقة ولا اسمه خوفا من أن تضطهده شرطة المرافق وفعل مثله آخرون، مؤكدين أن موضوعا نشر عنهم تحدثوا فيه بصراحة تسبب فى منعهم من أن يفترشوا الرصيف لمدة شهر كامل، وتابع: لا أصلح لعمل آخر ومكسبى يتراوح يوميا ما بين 20 جنيها وخمسين، لكن هل تصدقين أن شرطة الأحداث تطاردنا أيضا رغم أننا بالغون، ويعتبروننا نازحين من محافظات أخرى ويعاملوننا كالنشالين والنصابين، بينما لا يتعاملون بالمثل مع البائع السودانى، الذى يقف بجوارى لأن سفارته تحميه، وأضاف: نذوق المر على أيدى شرطة المرافق عندما يأخذون البضاعة من على العربية فلا يعود منها سوى النصف بخلاف البضاعة، التى تتحطم فى أثناء النقل، ويأخذون بطاقتى وأذهب معهم الى القسم أبيت ليلة وربما ثلاثة أيام للتحرى عنى ولا أسترد بضاعتى إلا بعد سداد الغرامة ليس هذا فحسب، ولكنى أدفع أنا وغيرى خمسة جنيهات يوميا لأتقى شر هؤلاء فالإتاوة مفروضة علينا. يؤكد أحمد أن حلمه أن تكون له نقابة تدافع عن حقوقه وأن يدون فى بطاقته الشخصية فى خانة المهنة «بائع متجول»، مؤكدا استحالة تحقيق هذا الحلم. بينما أبرز لى ربيع كارنيه كليته المدون فيه طالب بهندسة الفيوم فى سنته النهائية ويبيع المحافظ لينفق على نفسه، يقول: الغرامة تحسب على سعر متر الإشغال والمرافق تبالغ فى حساب هذه الأمتار، مبديا ترحيبه بتنفيذ القانون الجديد، قالت أم عزة التى تعرض على فرشتها أمام مبنى الأهرام أقلاما، ومقصات ومفكات: إحنا بندفع إتاوة على هذا الرصيف بنجمع ثلاثين جنيها يوميا يبقى أحسن لما ندفع للحكومة علشان نبيع بكرامتنا، مؤكدة أنها موجودة بالمكان الذى تتناوب عليه مع سيدة أخرى منذ أكثر من ثلاثين عاما قبل بناء مبنى الأهرام الجديد، لافتة إلى أن هذه «الفرشة» مكنتها من تربية أولادها الثلاثة، حيث كانت تتركهم بالحضانة وتقف على الرصيف المقابل لتبيع. من جهتها تؤكد راندا الزغبى مدير مركز صايب أن دعم مشروع القانون ليس هدفه ضم هذه الفئة للقطاع الرسمى نظرا لأن مساهمتهم فى الاقتصاد، وإمكاناتهم أقل من أن يلحقوا به ودخلهم فى حدود الإعفاء الضريبى والحكومة أعقل من أن تسعى لذلك، مشيرة إلى أن الهدف حماية هؤلاء وتوفير الرعاية لهم إلى جانب حل مشكلات المرور وتحقيق الأمن العام ومحاربة بلطجة الشارع لافتة إلى أن الفائدة ستعم على الجميع أصحاب المشكلة، والمستهلك والدولة أيضا مؤكدة أن دور مركز صايب هو تقديم الدعم الفنى والمالى لهذا المشروع.