بعد عامين من الأزمة المالية الحادة التي ضربت قبرص، تظهر الجزيرة المتوسطية نتائج اقتصادية مشجعة لكن خطة الإنقاذ كان لها انعكاسات شديدة على المجتمع؛ حيث باتت البطالة تطاول أكثر من 16% من السكان. وفي 16 مارس 2013، استيقظ القبارصة على صدمة إذ كان الدائنون يشترطون لقاء خطة بقيمة عشرة مليارات يورو لإنقاذ اقتصادهم من الإفلاس، اتخاذ تدابير تقشف صارمة والاقتطاع من الحسابات المصرفية. وشكل ذلك سابقة في تاريخ الاتحاد الأوروبي ومؤشرًا إلى أزمة غير مسبوقة سوف تعصف بالجزيرة بعد سنوات من النمو ومن توافر الوظائف للجميع بشكل شبه تام. ومع تصفية ثاني أكبر مصارف الجزيرة واقتطاع 47,5% من الحسابات ما فوق مئة ألف يورو في المصرف الأول وتخفيض الأجور غرقت البلاد في الانكماش. لكن قبرص أثبتت شهرًا بعد شهر على أنها من أعضاء الاتحاد الأوروبيين بجدارة بالتزامها الصارم بتدابير التقشف المطلوبة، خلافًا لليونان التي كانت سبب الأزمة التي طاولتها بسبب انكشاف المصارف القبرصية على الديون اليونانية. ومع اقتراب الذكرى الثانية لخطة الإنقاذ، أعرب رئيس البنك المركزي الأوروبي عن ارتياحه لأداء قبرص مثنيا على النتائج "الملفتة" التي حققتها. وقال وزير المالية القبرصي هاريس جورجيادس، في مقابلة أجرتها معه وكالة فرانس برس، "حققنا تقدمًا هامًا على جميع الأصعدة"، مضيفًا "الاقتصاد في نهوض. ما زلنا في مرحلة انكماش لكن كل فصل يشهد تحسنا". وتابع أن "البطالة بدأت تتراجع والمالية العامة تحت السيطرة"، مشيرًا إلى تسجيل "فائض أولي في الميزانية عام 2014 قبل عامين مما كان متوقعًا". وقال إن: "القطاع المصرفي بات مستقرًا مع توارد رساميل جديدة". ورأى الوزير أن بلاده التي تلقت حتى الآن ستة مليارات يورو من الجهات الدائنة (صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي والاتحاد الأوروبي) لن تحتاج إلى كامل المبلغ المتفق عليه أساسًا وقدره عشرة مليارات يورو. وأكد الخبراء الذين قابلتهم فرانس برس، وبينهم خبير الاقتصاد ميخاليس مايكل، تحقيق قبرص نتائج "أفضل مما كان متوقعًا" سواء على صعيد الميزانية أو على صعيد تطور الاقتصاد الذي بلغ تراجعه 5,4% عام 2013 بالمقارنة مع توقعات قدرها -9%، و2,4% عام 2014 مقابل -4,8% كانت متوقعة. غير أن تدابير التقشف كانت لها تبعات اجتماعية فادحة فأغلقت المحلات الصغيرة الواحد تلو الآخر وخسر العديد من القبارصة وظائفهم أو أرغموا على القبول بتخفيضات في الأجور بلغت معدل 25%. وتروي فيليو (50 عامًا) التي كانت تعمل سكرتيرة أنه تم تسريحها من وظيفتها قبل حوالى 18 شهرًا "ومنذ ذلك الحين أحاول العثور على عمل، لكن عبثًا. هناك الكثير من الشبان العاطلين عن العمل ولهم الأولوية في التوظيف". وباتت العائلة تعتمد على أجر زوجها وحده لدفع تكاليف تعليم بناتها الأربع وثلاثة منهن في الجامعة، وتقول فيليو "الوضع صعبًا للغاية، اضطررنا إلى الحد من نفقاتنا إلى أقصى حد ممكن". وتدهورت أوضاع البعض أكثر حيث باتوا يلجأون إلى الصليب الأحمر الذي يقدم المواد الغذائية والملابس والدعم النفسي. وقال مدير الصليب الأحمر في قبرص تاكيس نيوفيتو، إن القبارصة باتوا يشكلون نصف الأشخاص الذين تتولى المنظمة مساعدتهم، بعدما لم تكن نسبتهم تتجاوز 10% قبل الأزمة. وإن كان جورجيادس يعول على العودة إلى النمو ولو "ضعيف جدًا" في 2015، فإن مديرة مكتب سابيينتا ايكونوميكس للاستشارات فيونا مولن، تبدو أقل تفاؤلاً إذ لا تتوقع نهوضًا اقتصاديًا إلا في العام 2016. ومن العوامل، التي لا يعرف بشكل واضح انعكاسها على تطور الاقتصاد القبرصي، النشاط السياحي الذي قد يعاني من تدهور سعر الروبل، حيث قد يؤدي ذلك إلى تراجع عدد السياح الروس الذين يرتادون الجزيرة بأعداد كبيرة. ومن التحديات الكبرى أيضًا القروض التي لم يتم تسديدها منذ أكثر من ثلاثة أشهر، والتي تمثل أكثر من 50% من المستحقات المترتبة للمصارف. وفي هذا السياق، جمد البرلمان منذ ديسمبر قانونًا يهدف إلى السماح بوضع اليد على العقارات، مطالبًا بحماية أفضل للأفراد. وتثير المسألة اختبار قوة تأمل الحكومة في إيجاد مخرج له "خلال الأسابيع المقبلة" للحصول على شطر جديد من المساعدة وضمان استمرارية انتعاشها الاقتصادي.