«دار أيتام تحتاج إلى مساعدات عاجلة وتقبل التبرعات المالية والعينية فبرجاء الإنقاذ وشير فى الخير»، هذه الجملة، وجمل مشابهة لها فى المعنى، انتشرت بشدة على مواقع التواصل الاجتماعى أو على لوحات ورقية فى شوارع مصر بعد ثورة 25 يناير فى 2011. يكشف انتشار هذه المناشدات للتبرع، عن جانب آخر من مآسى تعثر المصانع والشركات الذى ازداد بشدة بعد ثورة يناير فى مصر، ففضلا عن تشرد عمالها، يعتمد عدد غير قليل من دور الأيتام بشكل أساسى أو كلى على جزء من أرباح هذه المصانع والشركات. «كنت أمتلك مصنعا للأحذية، ولكنه تعثر عقب ثورة يناير، فقررت إغلاقه، وبذلك توقف التمويل الذى كنت أضخه لدار الأيتام التى أملكها»، هكذا تروى، نيفين أنور، مالكة دار أيتام «دار الرحمن» فى محافظة الجيزة، معاناتها مع تمويل دار الأيتام التى تملكها. وبعد الثورة وصل عدد المصانع والشركات التى أوقفت نشاطاتها وصفت أعمالها تماما نحو 4 آلاف، كما قلصت كثير من المصانع والشركات الباقية من عملياتها. دار الرحمن لم تكن دار الأيتام الوحيدة التى عانت ولاتزال تعانى من مشاكل التعثر، ويقول هشام توفيق، رجل الأعمال، ومؤسس أول شركة فى مصر للسمسرة عبر الإنترنت فى سوق الأوراق المالية، وهو مالك لإحدى دور الأيتام، إنه أضطر إلى الاستغناء عن جزء من مبنى الدار الذى كان يؤسسه لصالح إحدى الجمعيات الخيرية الشهيرة، مقابل أن تتكفل الأخيرة بتشطيبات الدار الخاصة به، والتى تكفل نحو 10 أطفال من عمر 4 سنوات، «كنت أتمنى ان اقيم دارا تكفل عددا أكبر من الأطفال لكن هذا يتجاوز قدراتى الحالية»، حسب توفيق. يذكر إنه وبحسب احصاءات وزارة التضامن الاجتماعى، يوجد 10 آلاف طفل فى 443 مؤسسة إيوائية للأيتام، بجانب 1500 فى 83 دار حضانة إيوائية. وتقر مدير إدارة الجمعيات المركزية بوزارة التضامن الاجتماعى، عزيزة عمار، بوجود نسبة غير قليلة من دور الأيتام تعتمد فى التمويل على ربح من مصانع وشركات لكن «لا يمكن تحديد النسبة بالضبط». القانون لا يضمن توفير التمويل ومع ذلك فإن قانون الجمعيات الأهلية الخاضع لها دور الأيتام، لا يشترط أن يكون هناك دخل ثابت للدار، قبل إنشائها، ولكن يشترط أن تتبع دار الأيتام، جمعية أهلية بحسب عمار، وأضافت أن القانون يحدد أشكال وكيفية التبرعات التى تستقبلها دور الأيتام سواء من داخل أو خارج مصر. ورغم تفاوت تكلفة كفالة الطفل اليتيم الواحد، إلا انها فى كل الأحوال تظل مرتفعة بسبب الزيادات المستمرة فى الأسعار فى مصر. تكفل «دار الرحمن» نحو 41 طفلا تتراوح اعمارهم بين 4 سنوات و16 سنة، ووفقا لأنور فإن «تكلفة كل طفل تختلف عن آخر، من حيث المصروفات والمأكل والمشرب ومستلزمات المدرسة، «فمثلا أكبر طفل لديها فى الدار، يدرس فى الصف الأول الثانوى، حصل خلال الشهر الماضى على دروس خصوصية بنحو 4 آلاف جنيه. ويضيف توفيق إن الطفل فى الغالب يتكلف نحو ألفى جينه شهريا، فى حال كان لا يذهب للمدرسة، ولكن مع المدارس سيزيد المبلغ إلى 2500 جنيه. معاناة أنور بدأت بعد إغلاق مصنعها، فقد كانت تضخ من الأرباح التى يجنيها المصنع نحو 50 ألف جنيه شهريا «لكن الآن لم يعد لدينا دخل ثابت، وكل ما يأتى إلينا عن طريق التبرعات ربما لا يزيد شهريا على مبلغ يتراوح بين 5 إلى 6 آلاف جنيه». وتقول «لم أكن سابقا أحصل على تبرعات، لأن الأرباح المصنع كانت تكفى، إلا اننى اضررت بعد ذلك إلى فتح الباب للتبرعات، لكنها لا تكفى لتلبية احتياجات الدار الأساسية». وتوفر التبرعات تقريبا مصادر توفير الطعام والشراء فقط، وقد تكون هذه التبرعات فى حد ذاتها فى شكل اغذية، ولذلك لم تطل المعاناة هذا البند حتى الآن، «ليس لدينا مشكلة فى المأكل والمشرب»، بحسب أنور، وتضيف المشكلة الأساسية تتركز فى تدبير الأجور الخاصة بالعاملين فى الدار ومصروفات المدارس، وبعد تعثر المصنع، اضطررت إلى فك ودائع مالية «كنت امتلكها لإبقاء الدار مفتوحة». وهو ما يفعله توفيق أيضا، ويقول «من خلال الأموال التى نمتلكها نصرف على دار الأيتام»، والتى تتضمن تكلفة ايجار مقر دار الأيتام، ومصروفات الإعاشة وأجور العاملين فى الدار مثل الأمهات البديلات، والاخصائيين الاجتماعيين والمشرفين»، مشيرا إلى أن «ثلث مصروفات الطفل، تكون تكلفة الحضانة التى يذهب لها». تكلفة التعليم وتنعكس تكلفة التعليم المعقول المرتفعة فى مصر عامة على أصحاب دور الأيتام الذين يرغبون فى توفير تعليم جيد لهؤلاء الأطفال. يقول توفيق، الذى يبحث حاليا على مدارس تتكفل بجزء من المصروفات الأطفال، «لا أريد أن الحقهم بمدارس باهظة الثمن، وفى نفس الوقت لا نريد أن تكون المدرسة منخفضة المستوى، لذلك نبحث على مدرسة تتكفل بجزء من المصروفات». ويرى توفيق أن حل أزمة تمويل دور الأيتام «لا يتوقف على أن تلزم الدولة مالك الدار فى وضع مبلغ للأطفال فى البنك، يتمكنون من خلاله من تلبية احتياجاتهم، ولكن من الضرورى وجود رؤية لكل جمعية، حول كيفية جمع التبرعات للأطفال، وأن يكون لديها استدامة مالية، تستطيع من خلالها تلبية احتياجاتها».