هل يمكن لفتاة قادمة من الأرياف، نشأت وسط أجواء متشددة ترفض عمل النساء أن تصبح صحفية؟ دعونا نفتش عن الإجابة. المكان: قرية ريفية تقع على ضفاف النيل تبعد كيلو مترات جنوبًا من محافظة الجيزة، الزمان: 1999، مجتمع به مزيج من الازدواجية يرفض عمل الفتاة، لكنه يوافق على حصولها على مؤهل عالٍ، يرفض زواجها من شخص "غريب" عن عائلتها، لكنه لا يعترض على زواجها في سن ال 14 عامًا من ثري عربي، يرفض كل ما هو غير معترف به مجتمعيًا، ويطلق على نفسه مجتمع سلفي يطبق الشريعة. مجتمع يرفض نجاح المرأة بحجة أنها ستكون "متكلمة" وهذا ضد مبادئ أهالي الريف، فالمرأة تابع وليست قيادة مهما كانت تملك من نجاحات، فكل الفتيات فى القرية لا يتعدى أعمارهن ال20 عامًا إلا ويتم تزويجهن، ليس لديهن حرية الاختيار نوعًا ما إلا مارحم ربي، ووسط كل هذا هناك فتاة تمردت. كانت هذه الفتاة في مرحلة الثانوية العامة وقت ذاك لا تملك سوى حلم كبير، أن تستكمل دارستها رغم قسوة ظروفها فقررت الخروج لمواجهة العالم المريب الذي تعيش فيه. عملت فى محل "بويات" وسط صنايعية" لا ينتقون ألفاظهم ولا سلوكهم ويتخيلون أنها فريسة لأي شيء غير أخلاق قد ينالون منه ما يشبع غرائزهم . في صيف حار عام 1999 تحدث معها صاحب المحل، ليؤكد لها أنها أفضل من تولت إدارة ويعرض عليها ترك دراستها مقابل إعطائها ضعف ما تناله من عملها الذي لا يتعدى ال150 جنيهًا، ليعطيها 300 جنيه مره واحدة التي تساعد بها أهلها. وافقت في البداية حتى تمر ظروفها بسلام وتلتحق بالجامعة، حتى تمكنت من الانضمام إلى كلية الآداب لتحقق حلمها في العمل في درب الصحافة، لتعمل على قضاء حوائج الناس، ومساعدتهم في وصول شكواهم وهمومهم إلى المسؤولين. ورغم رفض مجتمعها لعملها في مجال الإعلام إلا أنها عاشت على أمل تغيير أعرافهم. قادها القدر إلى لقاء جمعها مع رئيس قسم الأخبار والمتابعات بإحدى الصحف الأسبوعية المعارضة، الذي اقتنع بموهبتها وضمها إلى الصحيفة، وحصلت على "كارنيه الجريدة. عندما ذهبت لتقتسم سعادتها مع أهلها أنها أصبحت محررة صحفية معترف بها، رفضوا مشاركتها تلك الفرحة وقالوا لها "ماذا نقول للجيران ابنتنا أصبحت صحفية " فهذا يعرضهم للانتقاد. قَررت أن تخفي عن الجميع- أهل بلدتها، عملها بالصحافة والكل يعلم أنها مجرد أخصائية اجتماعية ونفسية فى إحدى مؤسسات الإيواء، وكلما حققت نجاحًا تخفى عن كل من حولها نجاحها. ظلت تعمل لمدة ثلات سنوات حتى 2005 في الخفاء، أثناء حضورها أي مؤتمر تجلس بعيدًا عن الكاميرات حتى لا يفضح أمرها أحد وينتقد والدها على موافقته على عملها واختلاطها بالرجال الذي يعتبر حرام شرعًا. هذه الأفكار كانت تجبرها أثناء سفرها إلى إحدى مدن الصعيد أن تضع حقيبتها في حقيبة الخضار، لتخفي على الجيران سفرها أيام معدودة خارج منزلها، وتنتظر في محطة القطار 5 ساعات قبل مجيء القطار التى تستقله للذهاب إلى أسوان، لأنه غير مقبول خروجها في وقت متأخر وغير مقبول أن ترجع فى ساعات مبكرة من سفرها، حتى لا يراها الجيران فيفضح أمرها، أنها كانت خارج المنزل. فدائمًا تختار الوقت الذي يناسب الجيران والذي لا يناسب عملها . وفي عام 2007، قادها القدر أن تجري حوارًا مع أمين أباظة، وزير الزراعة، وقت ذاك ، ونشرت الجريدة صورة لها مع الوزير وتناولته إحدى القنوات الفضائية في برامجها الليلية حتى عرف عدد لا بأس به من أهالي منطقتها وأقاربها بعملها كصحفية. نسوا ما حققته من نجاح وتساءلوا "كيف لفتاة أن تجلس مع وزير وتضع رجلاً على رجل ويمكن لأبوها أن يطلب منها بعد ذلك أن تعمل له كوبًا من الشاي وتقوم بتنظيف بيتها" و"كيف توافق أن تتزوج أحد أقاربها الذى يعمل موظفًا ب450 جنيهًا"؟! كانت تعلم أن ستتعرض لحرب ضروس من أهل بلدتها، لكنها كانت قد قررت الظهور أخيرًا دون مراعاة لتقييم الأشخاص لها، والتباهي بمجهودها، فهي تفتخر بكل خطوة قامت بها، وتعتبر نفسها إنسانة حرة لا يهمها شيء سوى ضميرها فقط.