يئست السورية فاتن درويش من دخولها هي وزوجها وأبناؤهما الثمانية مخيما للاجئين بجنوب شرق تركيا بعدما رفض طلبها ثلاث مرات منذ فرت من القصف في مدينة حلب في يناير كانون الثاني. لم تجد الأسرة ملجأ سوى العيش في مخزن قذر تفترش فيه مراتب هزيلة متسخة وبه صنبور واحد للمياه. وقالت فاتن (33 عاما) التي تبذل قصارى جهدها لتحسين الأحوال المزرية حولها إن بعض أولادها يغتسلون في حمامات عامة. قالت "فقدنا بيتنا في قرية قرب حلب في قصف بالبراميل المتفجرة. أصيب زوجي وهو يهيم الآن في الشوارع كالمجنون." والقتال الدائر للسيطرة على حلب التي تقع على بعد 50 كيلومترا فقط عن الحدود التركية يحتدم حينا ويهدأ حينا لكن الجيش السوري صعد حملته على المدينة في ديسمبر كانون الأول وقصف مناطق مدنية بالبراميل المتفجرة التي تحدث دمارا واسعا. وخلال ستة أسابيع كان أكثر من 700 شخص قد لاقوا حتفهم معظمهم مدنيون واضطر عشرات الآلاف للنزوح عن ديارهم لينضموا إلى مئات الآلاف ممن فروا من سوريا منذ تفجرت الحرب الأهلية قبل أكثر من ثلاث سنوات. ولا تزال حلب تتحمل وطأة معارك الحرب الأهلية التي راح فيها نحو 140 ألف قتيل. وبعد مرور نحو عامين على سيطرة المعارضة المسلحة على نصف المدينة تتخذ المعارضة الآن موقفا دفاعيا مع تقدم القوات الحكومية على ثلاثة محاور. كانت تركيا قد بدأت تقيم مخيمات للاجئين قرب الحدود في منتصف عام 2011 غير متوقعة أن تستمر الحرب كل هذه الفترة أو أن تجلب مثل هذا العدد الكبير من اللاجئين ومعظمهم من النساء والأطفال.
* صراع من أجل البقاء
يعيش أكثر من 220 ألف سوري في المخيمات التركية لكن ثلاثة أمثال هذا العدد تقريبا يكافحون خارجها من أجل البقاء. ويناضل البعض لكسب ما يقيم أودهم في جنوب شرق تركيا وهي أفقر منطقة في البلاد. وقطع آخرون مسافات طويلة أخذتهم حتى اسطنبول حيث يتسولون في الشوارع أو وسط السيارات المارة في مشهد يرثى له بات مألوفا. ويبلغ عدد السوريين المسجلين رسميا كلاجئين 900 ألف. وفي تركيا الآن 22 مخيما في عشرة أقاليم ويتعذر عليها استيعاب كل القادمين مهما بلغت سرعة بنائها مخيمات جديدة. أما فاتن فقد باءت كل محاولاتها للعيش في أحد المخيمات بالفشل. ويبيع بعض أبنائها البسكويت في الشوارع سعيا لكسب أي رزق يسير يعين الأسرة على الحياة إلى جانب ما تحصل عليه من معونات خيرية. ويؤول معظم هذا الدخل إلى صاحب المخزن محمد جولسير (62 عاما) سدادا للإيجار الشهري وقدره 150 ليرة (67 دولارا). لكن جولسير يشكك في هذا المبلغ. ويقول متكئا على دراجة نارية قديمة أمام المخزن إنه لا يريد سوى مساعدة الأسرة ولا يتقاضى منها إلا ما بين 75 و100 ليرة شهريا. وتقول مديرية إدارة الكوارث والطواريء التركية إن المخيمات ما زال بها بعض الأماكن وتضيف "سيتم بناء مخيمات جديدة إذا استدعى الأمر." لكن المديرية تقر بأن الضغط على المخيمات زاد منذ تصعيد قصف حلب وهو ما رفع عدد سكان المخيمات بما يربو على 8000 شخص منذ 12 يناير. وقال محمود ألاجوز مدير مخيم نسيب المقام من حاويات البضائع "حين يجيء أناس نقيم خياما مؤقتة إضافية وإن لم تكف نحاول أن نجد لهم مكانا في موقع آخر." وأقر بأنه لم يسمع بوجود أماكن في أي مخيم بالمنطقة. واللاجئون المقيمون في خيام أو حاويات في مخيم نسيب قرب مدينة غازي عنتاب بجنوبتركيا والبالغ عددهم 17 ألفا يمكنهم الاستفادة من منشآت كالمستشفيات والمتاجر الكبرى بل ودار للسينما. ويصطف الأطفال لدخول قاعات درس بسيطة خالية من النوافذ تتراص على أرففها لعب وكتب وترتسم على وجوههم البسمة حين يأذن لهم العاملون بالدخول.
* "أشبه بالسجن"
لكن رغم كل عناصر الجذب المتوافرة في مثل هذه المنشآت كثيرا ما يفضل اللاجئون السوريون في تركيا العيش في الظروف الأصعب خارجها بسبب ما تفرضه عليهم المخيمات من قيود حيث يسري حظر للتجول ولا يسمح لهم بالعمل. وقال سوري تركماني يبلغ من العمر 39 عاما ويعيش في مخيم مؤقت موحل قرب كلس "لا نريد الذهاب إلى المخيمات لأننا نعمل في زارعة الزيتون." وممن يعزفون أيضا عن الإقامة في المخيمات زكي حرموش (48 عاما) الذي تعيش أسرته مع ست أسر في منزل جاهز الصنع في حقل قرب كلس حيث يطهو النساء الطعام على نار الحطب خارج المكان. قال "إذا نزلت في المخيمات فلابد أن تعيش وفقها لقواعدهم. إنها أشبه بالسجن." وخارج مبنى خرب في وسط كلس وضعت أغطية بلاستيكية زرقاء محل نوافذه المهشمة قال صالح إنه "أب" لأسرة كبيرة تتكون من حوالي 35 فردا تعيش في ست غرف متداعية الأركان. بدت سن صالح أكبر كثيرا من أعوامه الإثنين والستين وتحدث هو يراقب طفلين صغيرين يلعبان في بركة جافة متصدعة كان الغرض منها يوما الزينة قائلا إنهم جاؤوا قبل ستة أشهر من مدينة حلب حيث استهدف القصف حيهم الفقير. وقالت مديرية إدارة الكوارث والطواريء إن واحدا من كل أربعة سوريين ممن يعيشون خارج المخيمات ينزلون في أماكن إيواء مؤقتة مثل هذه أو بين ما تبقى من جدران مبان خربة متجمعين في مجموعات من سبعة أشخاص أو أكثر. قال صالح "كل عائلتي هنا ويسعى بعضنا للعمل" مضيفا أنه تلقى بعض الإعانات الخيرية. وعبرت إحدى فتيات الأسرة وهي فاطمة التي يبلغ عمرها 11 عاما ولا تذهب إلى المدرسة عن امتنانها للجيران الأتراك. قالت "الناس في تركيا طيبون لكني أريد العودة. المكان ليس بجمال حلب."