قبل ايام استقبل اللاجئون السوريون في مخيم كلس علي الحدود التركية الجنوبية الوفد المصري باللوم والعتاب علي المصريين شعبا وحكومة, قائلين كنا ننتظر أن يقول لنا شعب مصر نحن معكم. فقط أن تحتضن مصر ثورتنا وتضحياتنا وتدعمنا بموقف دولي واضح, هذا ما قالته ام مرعي(61 عاما) ل الاهرام المسائي أو حكيمة مخيم كلس كما لقبها اعضاء الوفد.أم مرعي, ومثلها نساء كثيرات, تابعن الثورة المصرية يوما بيوم, بكين شهداء المصريين, وهللن لتنحي حسني مبارك, وانتخاب الرئيس محمد مرسي, كن بانتظار نصرة أبنائهن, ما بين مصاب وشهيد واخر علي الجبهة ينتظر نفس المصير, قلن أن السوريين لا يريدون من مصر معونة ولا غذاء, كما أن السوريين يعرفون ما تمر به مصر من ظروف مضطربة, لكنهم فقط يريدون موقفا دوليا صارما, لوقف نزيف الدماء في سوريا.وزارنا المخيم ضمن أول وفد للمثقفين والفنانين العرب, وما أن ذاب الجليد حتي بدأت النسوة والاطفال في البوح بما شاهدوه من مآس خلال الاشتباكات. الاهرام المسائي رصدت حكاياتهم واوضاعهم بالمخيم. تحت المطر يلهو محمد غير عابئ بالبرد, عمره10 سنوات, جاء الي مخيم كلس منذ ما يقارب العام, قضي قبلها أشهرا قليلة في مخيم الريحانية, جاء مع عائلته المكونة من7 أفراد, يسكنون في كرفان مصنوع من الألوميتال لا تتجاوز مساحته ال20 مترا. نفسي أرجع سوريا, أنا من إدلب, ومع الجيش الحر يقول محمد بحماس شديد, ويضيف بعدها أنه عاون الجيش الحر حين ذهب مع والده ذات مرة, وأنه يعرف محاميا مصريا يحارب مع الجيش الحر, قبل أن يكمل جملته تسحبه يد أحد الواقفين لمنعه من الكلام خشية أن يتعرض للخطر بسبب الحديث عما يجري علي الأرض بالداخل. محمد كآلاف الأطفال في كلس لا تسعهم الكرفانات الصغيرة, ولا تسعفهم كثرة الملابس الصيفية من حدة البرد, تمتلئ بهم الساحة الواسعة أما المدارس الثلاث ومنطقة اللعب فتوجد بها أرجوحتان وثلاث زحاليق, يتعاركون أحيانا وينشدون الأغاني الوطنية وهم يلعبون لعبة الجيش الحر وبشار, وإن أسعف أحدهم الحظ يكون قد حصل علي بنطال الجيش الحر, هم يحبونه لأنه سيرجعهم لبيتهم, ويسقط النظام حسب مصطفي عمر5 سنوات. يضم مخيم كلس15 الف سوري حسب والي المخيم ألكير أوزسك أزكان والذي أكد أن عدد اللاجئين السوريين في تركيا كلها قد وصل الي115 ألف لاجئ رسمي, بالاضافة الي ما يقدر ب80 الفا دخلوا بشكل غير رسمي ولا يعيشون في المخيمات, مضيفا ان تكلفة مخيم كلس وحدها وصلت الي40 مليون دولار اي بمعدل89 الف دولار للفرد الواحد. يؤكد مدير المخيم احسان آراي ان الادارة لا تنوي استقبال لاجئين جدد لان المخيم امتلأ للدرجة القصوي, قائلا: هناك مخيمات اخري تستطيع ان تستوعب المزيد من اللاجئين غير كلس. الكارت هو كلمة السر للحياة في كلس, إذ يحصل اللاجئون بموجبه علي40 ليرة تركية لشراء احتياجاتهم من المول الكبير داخل المخيم, ويتلقون العلاج من خلاله سواء في مستشفي كلس أو مستشفي غازي عنتاب أكبر مستشفي قريب, وكذلك توزع عليهم المساعدات من الدول المختلفة من خلاله, ويحصلون علي إذن الخروج والدخول الي المخيم. يلجأ كثير من رجال كلس الي ابتكار طرق لكسب عيشهم داخل المخيم, معظمهم ممن تجاوزت اعمارهم ال45, بعضهم صنع اكشاكا صغيرة لبيع الحلوي, وآخر صنع خيمة صغيرة لاعداد الشاي والقهوة, وآخرون يبيعون ألبسة قديمة متهالكة قد تسهم في إسعاف النازحين الجدد من برد الشتاء, منهم من يملك حرفة مثل الحلاق والنجار والكهربائي, ويستعين بهم أهل المخيم مقابل ليرات قليلة. عبد الرحمن أحد هؤلاء الباعة قال أنه اشتري بعض الألبسة بالمال القليل الذي استطاع جلبه من سوريا, يبيعها لأبناء كلس ممن لا يملكون ملابس ثقيلة, بينما اختار سعيد ان يبيع بعض الجوارب والقفازات. ويضم المخيم ثلاث مدارس إحداها ثانوية وأخري ابتدائية وروضة أطفال, تستقبل المدارس الثلاث حوالي3700 طفل علي فوجين احدهما صباحي والآخر مسائي, وتحيط المخيم أسوار عالية كبيرة من كل اتجاه, وله بوابة واحدة تعمل تحت نظام من الحراسة المشددة, ولا يسمح فيها بالدخول والخروج إلا بإذن خاص. (س) هي احدي اللاجئات التي لم تكن ترغب في القدوم الي كلس, غير ان مرض ابنها دفعها الي ذلك بعد ان تعطل العمل وشحت الادوية بالمستشفيات السورية..( س) خافت ان تصرح باسمها حتي لا تطرد من المخيم الذي أواها هي وأبناءها الثلاثة, قائلة: أنا أعرف الجميل للأتراك فقد آوونا وحمونا من القتل, لكن الأمر لا يخلو من منغصات أتمني أن تصل لرئيس الوزراء رجب طيب أوردوغان. تقول س أن إدارة المخيم لا تسمح لهم بالدخول والخروج كأننا في سجن كبير, وتقول أن معظم رجال المخيم لا يعملون وليس لديهم مال يشترون به احتياجات أسرهم, وكذلك لا يسمح لأقاربهم السوريين أو الأتراك بزيارتهم, تقول: جاءت أمي لتعايدني فسمحوا لي بالمكوث معها3 ساعات أمام بوابة المخيم دون أن تطأ قدماها بيتي, أو حتي ترتاح من عناء السفر. علي الرغم مما أطلقت عليه س منغصات إلا أن عددا من أهالي المخيم يراه نظاما جيدا للحماية, فرغم نزوحهم من سوريا إلا أن الهواجس الأمنية والمخاوف مازالت تطارد بعضهم, لذا يفضلون التحقق من هوية كل من يدخل المخيم. وترددت صفات الاستحسان علي ألسنة المقيمين داخل المخيم أو العالقين علي بوابته, أحد الأشخاص الذين ينتظرون دورهم في السماح لهم بالدخول إلي المخيم قال: كلس مخيم خمس نجوم, كل شئ متوفر به, مدرسة ورعاية صحية, وكرفانات هو الأفضل بين المخيمات التركية الأربعة عشر. باغتت بعض المشكلات أهالي المخيم بحلول فصل الشتاء وهطول المطر بكثافة, إذ من المتوقع تتفاقم الأزمة مع نزول الثلج, تصدعت بعض الكرفانات, وصار المطر ينزل من سقفها علي البطانيات القليلة التي تملكها كل عائلة, خاصة وأن بعض العائلات التي وصلت للمخيم حديثا لا تملك من الملابس إلا ما خرجت به من ديارها وسط قيظ الصيف الماضي. تقول مايا وهي من ريف حلب, وتبلغ عشرين عاما, أنها جاءت للمخيم هي وأمها بعد وفاة أبيها وأن خيمتهما تصدعت ولا تستطيع اصلاحها, لذا جاءت الي مكتب الوالي لتشكو, لكنها عجزت عن التواصل مع الحراس الذين لا يجيدون إلا التركية, وأضافت قمنا بثورة ضد هذا القمع ذاته الذي نراه الآن علي يد هؤلاء العساكر. مايا تشير الي واقعة يرفض أهالي المخيم تداولها كثيرا, إذ ثار عدد من السوريين ضد مديري المخيم في شهر مارس الماضي بسبب نقص المواد الغذائية وما وصفوه بسوء المعاملة, وهي الواقعة التي رفض مدير المخيم التعقيب عليها قائلا: تركيا دولة قوية وقد فتحت أبوابها للسوريين, ولكن إن أراد العالم أن يساعدهم فليتوجه مباشرة إليهم. ويضيف: أمضينا الشتاء الماضي بأمان, ولم يخل الأمر من بعض التلفيات, ونصلحها بالتدريج بالاتفاق مع متعهد لإصلاح الكرفانات. تعيش كل عائلة داخل كرفان واحد مهما بلغ عدد أفرادها بعضهم يصل إلي12 شخصا, حتي أن عدة عائلات لجأت الي تمديد كرفاناتهم بخيمة إضافية ينام فيها بعضهم, أو حتي أقارب زاروهم ومكثوا عندهم بحكم انه لا مأوي لهم ولم يحصلوا علي تصريح بعد من السلطات التركية بالبقاء في المخيم. تقول عبير يا ليتهم يسمحون لنا باستضافة ذوينا وإن مكثوا علي قلبنا, نحن في النهاية اهل ولن نرتاح وهم ينامون في العراء حيث تضيف التوسعات ما بين عشرة الي خمسة عشر مترا للكرفان, حسب موقعه, باستخدام البلاستيك والبطاطين للحفاظ علي جو دافئ داخلها. يقف الحصول علي أوراق هوية حائلا ضخما في وجه آلاف من العائلات التي كانت تعيش بالريف, إذ لم تحسب هذه العائلات يوما أنها بحاجة لاستخراج جواز سفر لأطفالهم, أو تلك التي دفنت كل أوراقها في أنقاض البيوت, ولا يجرؤ أحدهم علي الذهاب إلي مكاتب العمل الرسمية التابعة للنظام السوري لطلب الحصول علي جواز سفر, حتي لا يلقي القبض عليهم. وتضيف عبير: نريد جهة تعطينا أوراقا أو مستندات تساعدنا علي السفر, والملاحظ وجود غياب هائل في دور المنظمات الدولية العاملة في مجال العناية باللاجئين في المنطقة, وهو الأمر الذي يقف حائلا أمام الآلاف من الأسر التي تسعي إلي اللجوء إلي أي دولة جوار.