«كانت أمى مدرسة اللغة العربية والتربية الدينية بإحدى مدارس الإسكندرية فى الخمسينيات ترفض أن يخرج الطلاب المسيحيون من حصة التربية الدينية الإسلامية وتدعو مدرس التربية الدينية المسيحية ليشاركها الحصة. لأنها كانت ترى أن حصة التربية الدينية يجب ألا ينفصل فيها المسلمون عن المسيحيين لأن القيم الدينية واحدة فى كل الأديان، أما تعلم العبادات فمكانه المسجد والكنيسة». بهذه الكلمات تحدثت المستشارة تهانى الجبالى نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا خلال الملتقى الفكرى الذى نظمته وزارة التربية والتعليم تحت عنوان المواطنة والانتماء فى مناهج التعليم قبل الجامعى، وشارك فيه خبراء من مختلف الاتجاهات الفكرية، بهدف الاستفادة من رؤاهم لتفعيل دور وزارة التربية فى تعميق قيم المواطنة والانتماء لدى الطلاب. وأضافت الجبالى: «تعرضت أمى للتحقيق معها بسبب ذلك، لكن التحقيق حفظ لأن وكيل الوزارة المستنير وقتها اعتبر تلك المبادرة إبداع معلمة، ولو كانت أمى قد فعلت هذا الآن لحكم عليها بالتكفير أو الإعدام». وأكدت أن تدريس قيم المواطنة والانتماء القومى التزام دستورى وليس اختيارا، حتى إن كانت هناك فجوة بين النصوص والواقع، ومهما كان الواقع مريرا ومؤلما. وطالبت الجبالى بإجراء أبحاث تربوية حرة وشفافة لتقييم المناهج الدراسية، حتى لا تكون دراسة التاريخ انحيازا للحكام، بل لمسار شعب، وأن تركز المناهج على تاريخ الوطن قبل تاريخ الدول، وحتى نضمن قدرا من الوحدة الوجدانية بين خريجى الأشكال المختلفة من التعليم الموجودة فى مصر بين الأزهرى والحكومى واللغات والخاص والدولى وغيرها. وخلال اللقاء عرض د. يسرى الجمل وزير التربية والتعليم لملامح تضمين هذه القيم فى مواد الدراسات الاجتماعية والفلسفية واللغة العربية بعد تطويرها، من أجل تنمية روح الانتماء والمواطنة لدى الطلاب. وتذكر السيد ياسين الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام مدرس التاريخ فى مدرسته خلال الأربعينيات «محمد على صفر» الذى وصفه بأنه كان حارسا على ذاكرة مصر التاريخية، ومسابقات اللغة العربية التى كانت تعضد الانتماء والمواطنة. لافتا إلى أن أهم ما يحتاجه الطلاب فى عصر المعلومات هو شفافية هذه المعلومات التى تمكن الطلاب من الحكم على أداء الحكومة أو تقييم التاريخ، فلا أحد يستطيع أن يحكم حتى الآن على صفقات القمح الأخيرة بسبب تضارب البيانات، موضحا أن الأهم من تدريس التاريخ السياسى تدريس تاريخ الشعوب، لأن هذا سيمكن الطالب من تفسير الفجوة بين النص والواقع. وأشار د. علىّ الدين هلال أمين لجنة الإعلام بالحزب الوطنى إلى أن العبرة ليست بتضمين هذه المفاهيم فى المناهج الدراسية القومية بل فى باقى المواد أيضا كالحساب، وأن تكون قد تمت صياغتها بشكل مقبول لدى الطلاب، يضمن اكتساب الطلاب لهذه القيم، والأهم أن يكون المعلمون أنفسهم مؤمنين بهذه القيم، وبدون ذلك لن يتأثر الطالب بهذه القيم، ولن نستطيع الحكم على ذلك إلا من خلال أبحاث علمية تقيس أثر تدريس المناهج على سلوك الطلاب. بينما طالب د. صفى الدين خربوش رئيس المجلس القومى للشباب بأن تكون مادة التربية الوطنية مادة أساسية تضاف للمجموع سواء بقيت كما هى أو ضمت إلى منهج التاريخ، وأن يتم التركيز فى هذه المادة على تعزيز الشخصية المصرية قبل أى انتماء آخر، وأن تركز على أن تاريخ مصر حلقات متصلة، خصوصا بعد أن شهدت مناهج التاريخ فى بعض الفترات تشويها لبعض هذه الحلقات من تاريخ مصر. وطالب د. عاصم الدسوقى أستاذ التاريخ بتربية حلوان بأن تكون مادة التاريخ إجبارية لطلاب المرحلة الثانوية بجميع شعبها. أما د. مراد وهبة أستاذ الفلسفة بتربية عين شمس فطالب بأن تفض مناهج التعليم التناقض بين المواطنة والعولمة، وفك الاشتباك بين الرؤى الدينية والبحث العلمى، فما يحدث فى البحث العلمى الآن لا يختلف عن طريقة تدريس التاريخ من خلال نظرية الحق الإلهى للحاكم.