تواجه «لقمة عيش» المصريين تحديات عديدة من ضعف الدخول فى ظل ارتفاع مستويات البطالة من جهة والارتفاع المستمر فى الاسعار، وهى الأزمة التى دفعت وزير التموين إلى التلويح بإمكانية تطبيق التسعيرة الجبرية وبالرغم من محاولات الحكومة المؤقتة تخفيف حدة تلك الازمة بإجراءات طرحها نائب رئيس الوزراء زياد بهاء الدين فى خطته الاخيرة كتخفيض اسعار السلع المبيعة فى المجمعات الاستهلاكية، يرى خبراء ان ملف غذاء المصريين يحتاج لإصلاحات عديدة تضمن اتاحته فى ايادى المواطنين بالأسعار الملائمة. ينفق الفقراء بمصر أكثر من نصف دخولهم على الغذاء، وفقا للبيانات الحكومية، وبينما ترتفع اسعار الغذاء بشكل خاص بمعدلات اكبر من المتوسط العام لارتفاع الاسعار، تزيد الضغوط الاقتصادية على تلك الاسر الفقيرة، حيث بلغ معدل زيادة أسعار المستهلكين للطعام والشراب فى اغسطس الماضى ب 14%، مقارنة بنفس الشهر من العام السابق، بينما اقتصر المتوسط العام لتضخم سلة السلع بأكملها على 10.9% خلال نفس الفترة. وتساهم الضغوط الاقتصادية المتنامية منذ عام 2011 فى جعل تلك الاسعار المرتفعة للأغذية عبئا على العديد من الاسر التى تضررت من الركود الاقتصادى وتجاوز معدلات البطالة لمستوى 13% من قوة العمل، حيث ذكر تقرير حديث لمنظمة الغذاء العالمى (الفاو) ان نسبة المواطنين الذين يعانون من نقص الامن الغذائى، ارتفعت إلى 17% من السكان فى 2011، مقارنة ب14% فى 2009، ويعنى مفهوم الامن الغذائى توافر الاحتياجات الاساسية من الغذاء الكافى والصحى والامن. وتسعى الحكومة المؤقتة برئاسة حازم الببلاوى إلى تخفيف اعباء ارتفاع اسعار الغذاء من خلال خطة لتخفيض أسعار السلع المبيعة فى المجمعات الاستهلاكية، التى يصل عدد افرعها إلى 1400 فرع، بما يتراوح بين 10%و 15%، إلى جانب ما تساهم به من خلال منظومة بطاقات التموين القائمة بالفعل. «منظومة الدعم والمجمعات الاستهلاكية لا تكفى لتغطية احتياجات كل الفقراء، كما ان الحكومة لا تفرض أى رقابة على منظومة بيع السلع الغذائية فى الاسواق الحرة، فهى لا تقدم اية آليات للتحكم فى هوامش ربح الوسطاء الذين ينقلون السلع إلى الاسواق ويبالغون فى الاسعار»، كما يقول منير فودة، استاذ الاقتصاد الزراعى بالمركز القومى للبحوث. وتحذر الفاو من محدودية انتشار السلع الحكومية المدعومة، حيث تغطى البطاقات التموينية حوالى 68% من السكان، ولا تشمل 19% من الأسر الأكثر احتياجا، وفقا لتقديرات المنظمة الدولية». لماذا ترتفع الأسعار؟ ويساهم ارتفاع اسعار الغذاء عالميا فى صعوده بالسوق المحلى حيث ان «اسعار الغذاء فى مصر تعانى من صدمات الاسعار العالمية التى تتصاعد منذ عام 2008، فى ظل قوة الطلب وندرة المعروض»، كما يقول حمدى الصوالحى استاذ الاقتصاد الزراعى. وتشير بيانات البنك الدولى عن اسواق السلع الغذائية، إلى أن اسعار الغذاء العالمى سجلت صعودا تاريخيا فى اسعارها فى اغسطس 2012، تلاه تراجع للأسعار لتسعة اشهر متتالية، وبالرغم من هذه الانخفاضات ظلت أسعار سلع اساسية مرتفعة مقارنة بمستواها فى العام السابق، حيث ارتفع سعر القمح فى يونيو الماضى 13%، والذرة 12%، مقارنة بالعام السابق. ويشعر المصريون بتأثير ارتفاع تكاليف الغذاء عالميا فى ظل عدم مواكبة الغذاء المنتج للطلب فى السوق المحلى، والاعتماد على استيراد نسبة كبيرة من سلة غذاء المصريين من الخارج حيث يعد العجز فى الميزان السلعى للحبوب وللمواد الغذائية أحد أكبر مصادر عجز الموازين السلعى، والذى بلغ أكثر من 6 مليارات دولار خلال الفترة من يوليو إلى مارس الماضى، كما يظهر فى بيانات البنك المركزى. ويساهم الاستيراد القوى للغذاء فى مصر فى تقييد قدرة الحكومة على التوسع فى نظام الدعم الغذائى فى ظل ارتفاع عجز ميزان المدفوعات، ومع ارتفاع الاسعار عالميا تزداد مخاطر الامن الغذائى فى مصر، حيث تعد البلاد من ضمن اكثر دول شمال افريقيا قابلية للتعرض لصدمات الاسعار العالمية للغذاء وفقا لدراسة للفاو. ضعف الإنتاجية يساهم فى الأزمة «لاشك ان زيادة الانتاجية الزراعية ستساعد على تخفيض اسعار الغذاء فى السوق المحلى وتمكن الحكومة فى التوسع فى دعم الغذاء للفقراء»، كما يضيف الصوالحى. وواجه القطاع الزراعى على مدار العقود الماضية العديد من العقبات التى اضعفت من انتاجيته، حيث يشير تقرير للفاو، عن استراتيجية عمل المنظمة فى مصر حتى عام 2017، إلى انخفاض نسبة الانتاج الزراعى منذ مطلع التسعينيات كنسبة من الناتج الاجمالى، واعتبرت الفاو ان على رأس العوامل التى أدت إلى ذلك «تبنى سياسات نيوليبرالية ادت إلى تخفيض الدعم الذى كان يوجه إلى الانتاج الزراعى». وبدأت مصر منذ عام 1986 فى تبنى برنامج لتحرير الانتاج الزراعى من سيطرة الدولة بالتعاون مع مؤسسة صندوق النقد الدولى «الفلاحون لم يتضرروا فقط من اجراءات تحررية كإطلاق يد ملاك الاراضى فى تحديد أسعار ايجارها، ولكن الدولة لم تطور من شبكة توزيع مواد الانتاج المدعمة كالأسمدة للقضاء على السوق السوداء ولم تعالج العديد من مشكلات الرى التى يواجهها صغار المزارعين» كما يقول الصوالحى. أزمة الطاقة تؤثر على الاستثمار الزراعى ولا تقتصر مصاعب الانتاج الزراعى على صغار الفلاحين، ولكن المستثمرين الكبار ايضا «بالرغم من التباطؤ الاقتصادى خلال العامين الماضيين الا اننا لا نزال نواجه مشكلة ارتفاع اسعار الاراضى الزراعية، الامر الذى يضعف من جدوى الاستثمار الزراعى»، برأى رمزى نصرالله نائب رئيس شركة وادى فود للصناعات الغذائية مضيفا: «حتى عندما جربنا نظم حق الانتفاع كانت الدولة تتعاقد معنا على مدد قصيرة كثلاث سنوات بينما نتعاقد على عشرين عاما لاستثماراتنا فى السودان، طول أمد التعاقد يضمن لنا استقرار الاسعار على الاجل الطويل ويشجعنا على الاستثمار». ويعد القطاع الزراعى من أقل القطاعات نصيبا فى التمويل الاستثمارى للبنوك، حيث تظهر بيانات البنك المركزى أن نسبة القطاع من ميزان الاقتراض والخصم بالعملة المحلية خلال 2011 و2012، لم تختلف عن متوسطاتها خلال السنوات السابقة لثورة يناير، والتى تتراوح بين 1% إلى 2% «هناك فرص تمويلية متاحة للمشروعات التصنيعية المتكاملة التى يدخل فيها عملية تصنيع الغذاء.. ولكن هناك تحديات تواجه التوسع فى هذا القطاع من ابرزها نقص الطاقة»، يقول نصرالله، مشيرا إلى ان مشكلات توفير السولار اضطرت شركته إلى اغلاق بعض آبار المياه التى تعمل بهذا الوقود.