حينما تحرك شباب فرنسا فى ثورتهم عام 1968 والتى اشتهرت باسم ثورة الطلبة، كان لهم شعار واضح أفضل دوما الإشارة إليه وهو شعار «متى يصل الخيال إلى السلطة؟» فقد كانت بلادهم تعانى الكثير من المشاكل التى عجزت الحكومة عن مواجهتها بالحلول التقليدية، لذا كانت الفكرة واضحة عند الشباب أن الأزمة تحتاج إلى حلول جديدة، وأن السلطة عليها أن تعمل خيالها حتى تتمكن من العثور على حلول ناجزة لما كان يهدد مستقبل الأمة الفرنسية فى ذلك الوقت، وهذا ما أراه أيضا فى مصر الآن، فجميع الحلول التقليدية أصبحت عاجزة عن مواجهة المشكلات التى تفاقمت فى غالبية القطاعات، ويزيد على ذلك، أننا نعيش فى مرحلة انتقالية فرضت حصارا عنيفا على جميع طرق التفكير والابتكار، بل صار لدينا منهج عجيب يمكن أن نطلق عليه منهج التفكير الانتقالى، وأصبحنا نمتلك خبراته وتكتيكاته، منذ حكومة عصام شرف الأولى وحتى حكومة حازم الببلاوى، وبات من المؤكد غياب أى خيال جديد أو حلول مبتكرة لأى أزمة نواجهها، بالرغم من وضوح صورة الحالة التى وصلنا إليها، التى تحتاج فعلا إلى التفكير خارج الإطار الروتينى المتكرر المكلل بالكسل والخوف من استخدام الخيال الذى طالب به شباب فرنسا قبل 45 عاما. من هنا تأتى الدهشة من إهمال الأفكار البراقة التى يمكن أن تكون بالفعل هى الخيال الذى نبحث عنه، وقد استمعت مؤخرا لجهود تبذلها مجموعة من الشباب لإعادة محاولة بعث روح الاقتصاد التعاونى فى جسد الاقتصاد المنهك، وهو الاقتصاد الذى ساهم كثيرا، فى سنوات سابقة فى ضبط الاقتصاد الزراعى فى مصر، وكان صمام الأمان للعاملين فى هذا القطاع، وربما لهذا السبب تم الربط بين الفكر التعاونى والنشاط الفلاحى، وتم الاعتقاد بأن الفكر التعاونى يقتصر فقط على الزراعة، وقد سمعت من أحد الأساتذة أن التعاونيات من الأفكار القادرة على حل مشكلات كبرى بعيدا عن الزراعة، مثل الإسكان، خاصة إسكان المناطق العشوائية، والمجموعات الشبابية هذه تمتلك رؤية متكاملة لكيفية إسهام التعاونيات فى حل المشكلة مع الحفاظ على حقوق قاطنى هذه المناطق، وقال لى الدكتور وائل زكى الأستاذ بمعهد التخطيط العمرانى إن التعاونيات حالة اقتصادية مناسبة لتطمين السكان الذى يعتقدون أنهم مهددون طوال الوقت بالتشريد تحت دعوى أنهم مناطق خطرة، وأشار الدكتور وائل أيضا، إلى أن التعاونيات قادرة على تطوير خدمات النقل الخاص (الميكروباص) الذى يعانى من سوء التشغيل، وكل ذلك لن يتأتى إلا عبر إدارة واعية متخصصة لهذه التعاونيات. إلا أن أروع ما فى فكر التعاونيات، هو شكل الملكية والإدارة، فهو نموذج حقيقى لديمقراطية العملية الاقتصادية، فالجميع يملك والجميع يدير بشفافية عظيمة تفتقدها غالبية مؤسساتنا الاقتصادية، ولا يوجد مالك واحد خارج المنظومة، ومن روعة «التعاونيات» كذلك أنها تهدف بالضرورة إلى نماء المجتمع فهذا مبرر وجودها وانطلاقها، وكالعادة تكون الدولة بتشريعاتها وسلطاتها هى المعوقة لانتشار مثل هذه الأفكار، بل إن منسقة حركة «تعاون» المحامية نشوى زين تؤكد أن القوانين الحالية، لا تسمح بتشكيل وتأسيس مثل هذه التعاونيات بسهولة، ويتمنون أن يكون الدستور الذى يتم تعديله الآن داعما للفكر التعاونى ومشجعا له، عبر تشريعات واضحة وإجراءات بسيطة، خاصة فى ظل رغبات محمومة للحكومات المختلفة بضرورة المساعدة والمساهمة فى الأنشطة التنموية، ويبدو لنا جليا أن «التعاونيات» ربما تكون هى الأنسب للحالة المصرية فى هذه الظروف السياسية والاقتصادية، التى يبحث فيها المواطنون عن مواطنتهم الحقيقية كما وعدتهم الموجات الثورية المختلفة.