«جبالي» يحيل 6 مشروعات قوانين للجان النوعية بالبرلمان    جامعة بنها تنظم المؤتمر السنوي الثالث لطلاب الدراسات العليا.. 22 مايو    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات مسابقة «الحلول الابتكارية لتحقيق التنمية المستدامة»    رئيس الوزراء يتفقد أعمال تنفيذ المرحلة الأولى من الخط الرابع لمترو الأنفاق    ختام السلسلة الأولى من المناقشات حول برنامج منحة الشراكة من أجل التعليم    تداول 146 ألف طن بضائع استراتيجية بميناء الإسكندرية    استلام 193 ألف طن قمح بالشون والصوامع بكفر الشيخ    موعد تشييع جنازة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي    كولر يجتمع مع جهازه المعاون استعدادا لمواجهة العودة أمام الترجي    المصري البورسعيدي يستضيف إنبي في الدوري    تشاهدون اليوم.. بولونيا يستضيف يوفنتوس والمصري يواجه إنبى    عواد: لا يوجد اتفاق حتى الآن على تمديد تعاقدي.. وألعب منذ يناير تحت ضغط كبير    السجن 3 سنوات لعاطل بتهمة النصب علي المواطنين بالقاهرة    «الأرصاد» تكشف طقس الأيام المقبلة وموعد انتهاء الموجة الحارة    تصدى لمحاولة سرقة منزله.. مدمن يقتل عامل بطلق ناري في قنا    خلال 24 ساعة.. تحرير 483 مخالفات لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    فتح باب التقدم لبرنامج "لوريال - اليونسكو من أجل المرأة في العلم".. الشروط والرابط    في ذكرى رحيله.. محطات في حياة ملك الكوميديا الفنان «سمير غانم»    تقديم خدمات طبية ل 1528 مواطنًا بقافلة مجانية في كفر الشيخ    «الرعاية الصحية» تعلن حصول مستشفى الرمد ببورسعيد على الاعتراف الدولي    جبالي يفتتح أعمال الجلسة العامة لاستكمال مناقشة مشروع قانون تطوير المنشآت الصحية    خبير في العلاقات الدولية: إسرائيل تستخدم سلاح الجوع لكسر صمود الشعب الفلسطيني    الأسد: عملنا مع الرئيس الإيراني الراحل لتبقى العلاقات السورية والإيرانية مزدهرة    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    الذهب يصعد 1.4% ويسجل أعلى مستوياته على الإطلاق    ما هي المسافات الآمنة للسكن بجوار خطوط الكهرباء؟    أتزوج أم أجعل امى تحج؟.. وكيل وزارة الأوقاف يوضح    المركزي الصيني يبقي على معدلات الفائدة الرئيسية للقروض دون تغيير    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة في مستهل تعاملات اليوم    تربية رياضية بنها تحصل على المركز الأول في المهرجان الفنى للمسرحية    «رمد بورسعيد» يحصل على الاعتراف الدولي للمستشفيات الخضراء«GGHH»    قبل نظر جلسة الاستئناف على حبسه، اعترافات المتسبب في مصرع أشرف عبد الغفور    طريقة عمل العدس بجبة بمكونات بسيطة    دعاء النبي للتخفيف من الحرارة المرتفعة    اليوم.. محاكمة طبيب نساء بتهمة إجراء عمليات إجهاض داخل عيادته    السوداني يؤكد تضامن العراق مع إيران بوفاة رئيسها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 20-5-2024    باكستان تعلن يوما للحداد على الرئيس الإيرانى ووزير خارجيته عقب تحطم المروحية    نجمات العالم في حفل غداء Kering Women in Motion بمهرجان كان (فيديو)    عمر كمال الشناوي: مقارنتي بجدي «ظالمة»    ما حكم سرقة الأفكار والإبداع؟.. «الإفتاء» تجيب    أول صورة لحطام مروحية الرئيس الإيراني    فلسطين.. شهداء وحرجى في سلسلة غارات إسرائيلية على قطاع غزة    روقا: وصولنا لنهائي أي بطولة يعني ضرورة.. وسأعود للمشاركة قريبا    خلال أيام.. موعد إعلان نتيجة الصف السادس الابتدائي الترم الثاني (الرابط والخطوات)    معوض: نتيجة الذهاب سبب تتويج الزمالك بالكونفدرالية    تسنيم: انقطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية والراديو في منطقة سقوط المروحية    أحمد عبدالحليم: الزمالك جدد طموحه بالكونفدرالية.. وفخور بجمهور الابيض    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    سمير صبري ل قصواء الخلالي: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية منذ 2014    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: دور مصر بشأن السلام في المنطقة يثمنه العالم    مصدر أمني يكشف حقيقة حدوث سرقات بالمطارات المصرية    قبل إغلاقها.. منح دراسية في الخارج للطلاب المصريين في اليابان وألمانيا 2024    لبيب: نملك جهاز فني على مستوى عال.. ونعمل مخلصين لإسعاد جماهير الزمالك    استعدادات عيد الأضحى في قطر 2024: تواريخ الإجازة وتقاليد الاحتفال    الإعلامية ريهام عياد تعلن طلاقها    نقيب الأطباء: قانون إدارة المنشآت الصحية يتيح الاستغناء عن 75% من العاملين    حتى يكون لها ظهير صناعي.. "تعليم النواب" توصي بعدم إنشاء أي جامعات تكنولوجية جديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيزنس العائلات..أبوك يعرف أكثر وعندما يرحل فالأخ الأكبر هو المدير
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 07 - 2013

استمرار المشروعات والمؤسسات العائلية هو تحدٍ لأفراد الأسرة التى يقوم عليها البيزنس، ويعتمد إلى حد كبير على صلابتهم». المهندس خالد عياد يتكلم عن تجربته، فقد ورث عن أبيه هو وأشقاؤه الثلاثة مشروعا استثماريا، وهم يديرونه حاليا بنجاح بعد سلسلة من الكبوات، والصعود والهبوط، فعملية التوريث وانتقال مقاليد السلطة جعلتهم يعرفون أياما صعبة، كادت أن تعصف بمشروعهم.

والدهم الحاج عياد نزح فى منتصف الستينيات من مسقط رأسه بالقرب من طنطا إلى القاهرة، وتحديدا للأزهر حيث عمل مع شقيقه فى محال «مانيفاتورة».

استطاع القروى الطموح فى غضون سنوات معدودة أن ينشئ متجرا صغيرا، ثم طوره حتى تحول دكان القماش إلى مؤسسة عائلية كبيرة تضم مصنعا وسلسلة من الفروع يديرها الأخوين عياد، بل صمدت المؤسسة العائلية لأكثر من أربعة عقود ويديرها حاليا الجيل الثانى. لكن التحدى الأكبر والحقيقى كان يتمثل فى الاستمرارية بعد رحيل الأب المؤسس عن مسرح الأحداث.

يرصد الدكتور جميس‏.‏لى أستاذ الإدارة والاقتصاد بجامعة نورث كارولينا لحظات فارقة تمر بها هذه النوعية من الشركات العائلية، ويرى أن هناك خصائص مميزة للشركات العائلية ربما كانت وراء أسباب نجاحها عند تأسيسها، ولكن مع الوقت قد تتحول إلى مخاطر جسام، منها وبالتالى يتوجب أحيانا تغيير هذه الخصائص لضمان الاستمرارية‏، خاصة فيما يتعلق بتوارث الإدارة وضعف الرقابة العامة على نشاط هذه الشركات. وعلى الرغم من اختلاف النشاط وخصوصيته من مؤسسة للأخرى، على حد تعبير الخبير الاقتصادى، إلا أن هناك خصائص مشتركة لبيزنس العائلات بشكل عام. الدكتور جيمس.‏

لى الذى يعمل كمستشار للعديد من الشركات العائلية الأمريكية يذكر مثلا أن معظم هذه الشركات الخاصة قامت على مبادرة فرد وهو غالبا الذى يقودها، وتشرف عليها مجموعة صغيرة من الناس‏.‏ وبالتالى فإن الشركة العائلية تملكها أسرة معينة ولديها مرونة وحرية كبيرة فى استخدام أموالها وفى الادارة وفى استراتيجية نشاطها‏،‏ وهى شركة مستقلة لا تخضع للرقابة بصورة كبيرة، وتمثل امتدادا لحياة الأسرة وقيمها الشخصية‏.‏

مؤسسة عائلية أخرى تعمل فى مجال الطباعة، تعرضت هى الأخرى لمشكلة رحيل الأب القائد منذ ستة أعوام.. اختلاف رؤى الأشقاء السبعة حول المستقبل: ستة منهم كانوا يرون ضرورة استئناف المشوار الذى بدأه الأب منذ سنة 1946 والإبقاء على النشاط الذى يقتات منه حوالى مئة مستخدم، بينما رفض سامى الأخ الأصغر تلك النظرة التى تحكمها الرومانسية. معيشته لمدة تزيد على الثمانى سنوات بالخارج، جعلته يميل للتفكير البراجماتى، وفضل أن يوقف عمل المؤسسة ويبيع أصولها للاستفادة من الريع البنكى لرأس المال. ورغم تأجج الصراع الذى وصل إلى ردهات المحاكم، فقد نزل أبناء الجيل الثالث للعمل فى ظروف ضبابية، ربما ارتباطهم بالجد وبالقيم العائلية هو ما دفعهم للتصدى لمشكلة الآباء.


خالد عياد يتحدث عن بيزنس العائلات ومشكلات التوريث - تصوير: زياد حسن

اسمع كلام أخوك
إذا كان أحد الهموم الأساسية فى مثل هذه المشروعات هو كيفية الحفاظ على الإدارة ورأس المال فى ظل التوريث، لكن ثمة لحظات فارقة أخرى يمر بها البيزنس العائلى، من ضمنها صراع الأجيال. داخل مؤسسة عوارة، يقود دفة العمل عمرو، الشاب العشرينى الذى يمثل الجيل الثالث لعائلة تتوارث صناعة وتوزيع الحلوى أبا عن جد منذ أربعينيات القرن الماضى. يسعى عوارة إلى تطبيق النظم الحديثة التى تعلمها خلال دراسته لإدارة الأعمال بالجامعة الألمانية.

يميل الوالد الخمسينى أن يسير إلى جوار الحائط، ويفضل التعقل والتروى، لذا يكتفى بتقليل إنتاجية المصنع فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية، أما الابن فيميل إلى الاندفاع والمغامرة بحكم السن. وهو ما يخلق إشكاليات فى بعض الأحيان، خاصة وأن كل فرد من أفراد مجلس الإدارة يريد أن ينفذ قراره بحجة أن البيزنس ضمن مشروعه الخاص. وتزداد المعضلة عندما يتسرب موقف الشركاء إلى العاملين، فيسعى بعضهم لتأجيج الصراع لتحقيق منفعة شخصية.

التقاليد المصرية قد تشكل عائقا آخر، على حد تعبير المهندس عياد الذى درس هندسة النسيج لاستئناف مشوار العائلة، فأشقاؤه الثلاثة مثلا يتقاسمون إدارة تفاصيل المشروع، لكن كثيرا ما يضطر الاثنان الأصغر الخضوع لرأى الأخ الأكبر بحجة انه يمتلك الخبرة، هذا فى حين يفضل خالد الشقيق الأصغر أن يقوم بتطوير العمل وإفساح المجال لكل ما هو جديد. يقول أصغر الأشقاء: «الكثير من المشروعات العائلية الناجحة، حققت قفزة نوعية فى تاريخها العملى بسبب إتاحة الفرصة لإبداع الجيل الجديد».

أوردت دراسة قام بها معهد التخطيط بهذا الشأن أن تلك الشركات العائلية تمر بمراحل محددة: أولها شراكة الإخوة أو الشراكة العائلية حيث يتقاسم الوالدان الملكية مع أبنائهم، وفى نهاية الأمر ينتهى دور الوالدين ويتقاسم الإخوة الملكية بروح الشراكة، أما الجيل الثالث من الورثة فيضم فى كثير من الحالات مجموعة متباينة من أبناء العمومة. لكن ما يثير القلق هو مستقبل هذه المؤسسات مع رحيل جيل بعد جيل، إذ تشير الدراسة إلى أن 30% من مشروعات البيزنس العائلى تستطيع أن تستمر للجيل الثانى، و‏12%‏ فقط يستمر للجيل الثالث، و‏3%‏ للجيل الرابع‏.‏

حكاية العمات السبع
يغلب على البيزنس العائلى الطابع الذكورى، فالنساء عادة ما تلهيهن حياتهن الزوجية عن استئناف مشروعهم، على حد تعبير عوارة الذى اشتركت عماته السبعة فى البداية مع والده فى عملية الإدارة، قبل أن يصحبن أزواجهن للعيش خارج طنطا، أما شقيقاته من الجيل الثالث فقد فضلن دراسة مجالات بعيدة عن إدارة الأعمال. يتكرر المشهد نفسه داخل مؤسسة عياد، إذ انسحبت البنات من الجيل الثانى فى مقابل الحصول على نصيب مادى وفقا لتعاليم الشريعة الإسلامية، بحسب خالد عياد الذى يفكر أن يفتتح لابنتيه مصنعا للملابس الجاهزة، لأنه يعتقد أنه سيكون أكثر ملاءمة لطبيعتهن، لاعتماده أكثر على الإدارة دون الدخول فى متاهات التجار.

وعلى الرغم من انسحاب المرأة بشكل رسمى فإنها قد تلعب دورا مهما خلف الكواليس، يتحدد من خلاله تقرير مصير هذه المؤسسات العائلية، فمشروعات «المصاهرة» كما ترفع من شأن تلك المؤسسات قد تكتب أيضا نهايتها.

بعد اقتران سامى من ابنة خالته، بدأت ميوله الانفصالية فى النمو، لأن زوجته لم تتمتع بعلاقة طيبة مع شقيقاته، رغم صلة القرابة، بل كانت تغار أيضا من بعض زوجات الإخوة. وبسبب إلحاحها المستمر قرر سامى أن يكون له مشروعه الخاص، وضغط على والدته بكل الوسائل وصلت أحيانا إلى التهديد بالانتحار كى يصغى أشقاؤه لرغبته فى احتكار خط إنتاج بعينه. من ناحية أخرى، قامت زينات زوجة سامى بتنشئة أبنائها على النزعة الانفصالية نفسها. وبالتالى تأجج الصراع فيما بعد بين أبناء العمومة من الجيل الثالث الذين حملوا فى قلوبهم ملف التوريث.

السم فى العسل؟ ربما هذا المبدأ هو ما دفع ع. صاحب إحدى المؤسسات العائلية إلى إجراء عملية مونتاج دورى على كلامه، تحديدا فيما يتعلق بأخبار العمل التى يرويها فى المنزل. وهو يعلق: «ليس من الحكمة أن تعرف النساء كل شىء وأن تدس أنفها فى كل التفاصيل لأن العمل العائلى يشوبه الكثير من الحساسيات. الأمر يفسد الود داخل الأسرة، كما يفسد قليل من الخل العسل، فكل زوجة ترى أن زوجها على حق. وكثيرا ما تحركها مصلحة أسرتها الصغيرة وليس الصالح العام للمؤسسة العائلية ككيان»، من الواضح أن السيد ع. قد عانى الأمرين من تدخل النساء فى شئون العمل، أو ربما يشوب الأمر بعض التعنت الذكورى.

فى أرقام
بيزنس العائلات فى مصر يشكل إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد الوطنى. ففى دراسة صدرت عن معهد التخطيط أعدتها الباحثة الدكتورة إيمان الشربينى حول ظاهرة الشركات العائلية تاريخها فى مصر والتحديات التى تواجهها، جاء أن تلك المؤسسات تمثل أكثر من 70% من الشركات المصرية. ويكشف تقرير آخر، صادر عن هيئة سوق المال، عن وجود ألف منشأة عائلية تمتلك وتدير 50% من السوق فى مصر، و90% من شبكات التوزيع الداخلى، و60% من وسائل النقل، و80% من الأراضى الزراعية، و65% من النشاط الصناعى، و90% من قطاع السياحة.

واستطاعت بعض المؤسسات أن تنطلق بشركاتها من العائلية نحو العالمية مثل عائلة ساويرس التى تحتل المركز ال24 على قائمة أغنياء العرب بثروة تقدر ب4.2 مليار دولار، وفقا لتقرير صادر عام 2011 عن مجلة «أربيان بيزنس».

عائلات صنعت التاريخ
لعب بيزنس العائلات دورا كبيرا فى عصرنة الحياة وتأسيس الاقتصاد المصرى، فمع تدفق هجرة اليهود إلى مصر فى منتصف القرن التاسع عشر للاستفادة من الامتيازات الأجنبية لمع اسم عائلة «سوارس» التى امتدت أذرعها برا وبحرا.

سوارس عائلة سفاردية وفدت من ليفورنو فى إيطاليا ثم استقرت فى مصر حيث أسَّس الإخوة الثلاثة، رافائيل ( 1846 1902 ) ويوسف ( 1837 1900 ) وفيلكس ( 1844 1906 )، مؤسسة «سوارس» عام 1875. وفى عام 1880 قام رافائيل سوارس بالتعاون مع رأس المال الفرنسى ومع عائلتين يهوديتين أخريين، هما رولو وقطاوى، بتأسيس البنك العقارى المصرى. كما تعاون سوارس مع رأس المال البريطانى الذى مثَّله المالى البريطانى اليهودى سير إرنست كاسل بتأسيس البنك الأهلى المصرى عام 1898 وتمويل بناء خزان أسوان.

من ناحية أخرى ارتبط اسم العائلة بمشروعات النقل البرى (سوارس لعربات نقل الركاب)، حتى أن وسيلة النقل هذه سميت على اسم العائلة: السوارس. ومع قدوم العديد من الشوام إلى مصر، وضعت البذرة الأولى للصحافة المستقلة حيث أسس الأخوان تقلا جريدة الأهرام التى ظلت تتوارثها الأسرة حتى صدور قانون تأميم الصحافة فى ستينيات القرن الماضى. وفى مجال الفندقة برزت عائلة موصيرى التى أسست شركة فنادق مصر الكبرى برأسمال 145.000 جنيه وضمت فنادق كونتيننتال، مينا هاوس، سافوى، سان ستيفانو.

أما محلات «شيكوريل» فقد أسستها عائلة شيكوريل الإيطالية الأصل عام 1887، وترأس مجلس إدارتها مورينو شيكوريل عميد العائلة، وكان رأسمال الشركة 500.000 جنيه. عمل بها 485 موظفا أجنبيا و142 موظفا مصريا. وكان شيكوريل متجرا للأرستقراطية المصرية بما فى ذلك العائلة الملكية وأول نموذج للمتاجر العملاقة ال grand magasin التى بدأت تنتشر فى أوروبا كإحدى سمات الحداثة والأناقة. ولم تتوقف مشروعات الأسر على القطاع المصرفى أو النقل أو التجارة، بل كان لبيزنس العائلات دور فى إضفاء ألوان جديدة على الحياة فى مصر.

فعائلة رولو التى جاءت إلى مصر فى منتصف القرن التاسع عشر لعبت دورا فى إدخال صناعة النيلة أو الصباغة. كما اشتهرت عائلات مصرية أخرى بزراعة القطن المتميز، إذا يروى نائب البرلمان الراحل ياسين سراج الدين أن قطن مزارع سراج الدين ذو التيلة الطويلة كان معروفا بجودته فى لانكشير حيث كانت يتم توريده. كما اشتهرت عائلة قطاوى فى مجال تجارة وتصدير الأقطان، وكان يوسف قطاوى باشا صديقا للزعيم سعد زغلول.
استمرار المشروعات والمؤسسات العائلية هو تحدٍ لأفراد الأسرة التى يقوم عليها البيزنس، ويعتمد إلى حد كبير على صلابتهم». المهندس خالد عياد يتكلم عن تجربته، فقد ورث عن أبيه هو وأشقاؤه الثلاثة مشروعا استثماريا، وهم يديرونه حاليا بنجاح بعد سلسلة من الكبوات، والصعود والهبوط، فعملية التوريث وانتقال مقاليد السلطة جعلتهم يعرفون أياما صعبة، كادت أن تعصف بمشروعهم. والدهم الحاج عياد نزح فى منتصف الستينيات من مسقط رأسه بالقرب من طنطا إلى القاهرة، وتحديدا للأزهر حيث عمل مع شقيقه فى محال «مانيفاتورة». استطاع القروى الطموح فى غضون سنوات معدودة أن ينشئ متجرا صغيرا، ثم طوره حتى تحول دكان القماش إلى مؤسسة عائلية كبيرة تضم مصنعا وسلسلة من الفروع يديرها الأخوين عياد، بل صمدت المؤسسة العائلية لأكثر من أربعة عقود ويديرها حاليا الجيل الثانى. لكن التحدى الأكبر والحقيقى كان يتمثل فى الاستمرارية بعد رحيل الأب المؤسس عن مسرح الأحداث .
يرصد الدكتور جميس‏.‏لى أستاذ الإدارة والاقتصاد بجامعة نورث كارولينا لحظات فارقة تمر بها هذه النوعية من الشركات العائلية، ويرى أن هناك خصائص مميزة للشركات العائلية ربما كانت وراء أسباب نجاحها عند تأسيسها، ولكن مع الوقت قد تتحول إلى مخاطر جسام، منها وبالتالى يتوجب أحيانا تغيير هذه الخصائص لضمان الاستمرارية‏، خاصة فيما يتعلق بتوارث الإدارة وضعف الرقابة العامة على نشاط هذه الشركات. وعلى الرغم من اختلاف النشاط وخصوصيته من مؤسسة للأخرى، على حد تعبير الخبير الاقتصادى، إلا أن هناك خصائص مشتركة لبيزنس العائلات بشكل عام. الدكتور جيمس .‏لى الذى يعمل كمستشار للعديد من الشركات العائلية الأمريكية يذكر مثلا أن معظم هذه الشركات الخاصة قامت على مبادرة فرد وهو غالبا الذى يقودها، وتشرف عليها مجموعة صغيرة من الناس‏.‏ وبالتالى فإن الشركة العائلية تملكها أسرة معينة ولديها مرونة وحرية كبيرة فى استخدام أموالها وفى الادارة وفى استراتيجية نشاطها‏،‏ وهى شركة مستقلة لا تخضع للرقابة بصورة كبيرة، وتمثل امتدادا لحياة الأسرة وقيمها الشخصية‏.‏
مؤسسة عائلية أخرى تعمل فى مجال الطباعة، تعرضت هى الأخرى لمشكلة رحيل الأب القائد منذ ستة أعوام.. اختلاف رؤى الأشقاء السبعة حول المستقبل: ستة منهم كانوا يرون ضرورة استئناف المشوار الذى بدأه الأب منذ سنة 1946 والإبقاء على النشاط الذى يقتات منه حوالى مئة مستخدم، بينما رفض سامى الأخ الأصغر تلك النظرة التى تحكمها الرومانسية. معيشته لمدة تزيد على الثمانى سنوات بالخارج، جعلته يميل للتفكير البراجماتى، وفضل أن يوقف عمل المؤسسة ويبيع أصولها للاستفادة من الريع البنكى لرأس المال. ورغم تأجج الصراع الذى وصل إلى ردهات المحاكم، فقد نزل أبناء الجيل الثالث للعمل فى ظروف ضبابية، ربما ارتباطهم بالجد وبالقيم العائلية هو ما دفعهم للتصدى لمشكلة الآباء .

اسمع كلام أخوك
إذا كان أحد الهموم الأساسية فى مثل هذه المشروعات هو كيفية الحفاظ على الإدارة ورأس المال فى ظل التوريث، لكن ثمة لحظات فارقة أخرى يمر بها البيزنس العائلى، من ضمنها صراع الأجيال. داخل مؤسسة عوارة، يقود دفة العمل عمرو، الشاب العشرينى الذى يمثل الجيل الثالث لعائلة تتوارث صناعة وتوزيع الحلوى أبا عن جد منذ أربعينيات القرن الماضى. يسعى عوارة إلى تطبيق النظم الحديثة التى تعلمها خلال دراسته لإدارة الأعمال بالجامعة الألمانية. يميل الوالد الخمسينى أن يسير إلى جوار الحائط، ويفضل التعقل والتروى، لذا يكتفى بتقليل إنتاجية المصنع فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية، أما الابن فيميل إلى الاندفاع والمغامرة بحكم السن. وهو ما يخلق إشكاليات فى بعض الأحيان، خاصة وأن كل فرد من أفراد مجلس الإدارة يريد أن ينفذ قراره بحجة أن البيزنس ضمن مشروعه الخاص. وتزداد المعضلة عندما يتسرب موقف الشركاء إلى العاملين، فيسعى بعضهم لتأجيج الصراع لتحقيق منفعة شخصية .
التقاليد المصرية قد تشكل عائقا آخر، على حد تعبير المهندس عياد الذى درس هندسة النسيج لاستئناف مشوار العائلة، فأشقاؤه الثلاثة مثلا يتقاسمون إدارة تفاصيل المشروع، لكن كثيرا ما يضطر الاثنان الأصغر الخضوع لرأى الأخ الأكبر بحجة انه يمتلك الخبرة، هذا فى حين يفضل خالد الشقيق الأصغر أن يقوم بتطوير العمل وإفساح المجال لكل ما هو جديد. يقول أصغر الأشقاء: «الكثير من المشروعات العائلية الناجحة، حققت قفزة نوعية فى تاريخها العملى بسبب إتاحة الفرصة لإبداع الجيل الجديد ».
أوردت دراسة قام بها معهد التخطيط بهذا الشأن أن تلك الشركات العائلية تمر بمراحل محددة: أولها شراكة الإخوة أو الشراكة العائلية حيث يتقاسم الوالدان الملكية مع أبنائهم، وفى نهاية الأمر ينتهى دور الوالدين ويتقاسم الإخوة الملكية بروح الشراكة، أما الجيل الثالث من الورثة فيضم فى كثير من الحالات مجموعة متباينة من أبناء العمومة. لكن ما يثير القلق هو مستقبل هذه المؤسسات مع رحيل جيل بعد جيل، إذ تشير الدراسة إلى أن 30% من مشروعات البيزنس العائلى تستطيع أن تستمر للجيل الثانى، و‏12%‏ فقط يستمر للجيل الثالث، و‏3%‏ للجيل الرابع‏.‏

حكاية العمات السبع
يغلب على البيزنس العائلى الطابع الذكورى، فالنساء عادة ما تلهيهن حياتهن الزوجية عن استئناف مشروعهم، على حد تعبير عوارة الذى اشتركت عماته السبعة فى البداية مع والده فى عملية الإدارة، قبل أن يصحبن أزواجهن للعيش خارج طنطا، أما شقيقاته من الجيل الثالث فقد فضلن دراسة مجالات بعيدة عن إدارة الأعمال. يتكرر المشهد نفسه داخل مؤسسة عياد، إذ انسحبت البنات من الجيل الثانى فى مقابل الحصول على نصيب مادى وفقا لتعاليم الشريعة الإسلامية، بحسب خالد عياد الذى يفكر أن يفتتح لابنتيه مصنعا للملابس الجاهزة، لأنه يعتقد أنه سيكون أكثر ملاءمة لطبيعتهن، لاعتماده أكثر على الإدارة دون الدخول فى متاهات التجار.
وعلى الرغم من انسحاب المرأة بشكل رسمى فإنها قد تلعب دورا مهما خلف الكواليس، يتحدد من خلاله تقرير مصير هذه المؤسسات العائلية، فمشروعات «المصاهرة» كما ترفع من شأن تلك المؤسسات قد تكتب أيضا نهايتها.
بعد اقتران سامى من ابنة خالته، بدأت ميوله الانفصالية فى النمو، لأن زوجته لم تتمتع بعلاقة طيبة مع شقيقاته، رغم صلة القرابة، بل كانت تغار أيضا من بعض زوجات الإخوة. وبسبب إلحاحها المستمر قرر سامى أن يكون له مشروعه الخاص، وضغط على والدته بكل الوسائل وصلت أحيانا إلى التهديد بالانتحار كى يصغى أشقاؤه لرغبته فى احتكار خط إنتاج بعينه. من ناحية أخرى، قامت زينات زوجة سامى بتنشئة أبنائها على النزعة الانفصالية نفسها. وبالتالى تأجج الصراع فيما بعد بين أبناء العمومة من الجيل الثالث الذين حملوا فى قلوبهم ملف التوريث. السم فى العسل؟ ربما هذا المبدأ هو ما دفع ع. صاحب إحدى المؤسسات العائلية إلى إجراء عملية مونتاج دورى على كلامه، تحديدا فيما يتعلق بأخبار العمل التى يرويها فى المنزل. وهو يعلق: «ليس من الحكمة أن تعرف النساء كل شىء وأن تدس أنفها فى كل التفاصيل لأن العمل العائلى يشوبه الكثير من الحساسيات. الأمر يفسد الود داخل الأسرة، كما يفسد قليل من الخل العسل، فكل زوجة ترى أن زوجها على حق. وكثيرا ما تحركها مصلحة أسرتها الصغيرة وليس الصالح العام للمؤسسة العائلية ككيان»، من الواضح أن السيد ع. قد عانى الأمرين من تدخل النساء فى شئون العمل، أو ربما يشوب الأمر بعض التعنت الذكورى.






فى أرقام
بيزنس العائلات فى مصر يشكل إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد الوطنى. ففى دراسة صدرت عن معهد التخطيط أعدتها الباحثة الدكتورة إيمان الشربينى حول ظاهرة الشركات العائلية تاريخها فى مصر والتحديات التى تواجهها، جاء أن تلك المؤسسات تمثل أكثر من 70% من الشركات المصرية. ويكشف تقرير آخر، صادر عن هيئة سوق المال، عن وجود ألف منشأة عائلية تمتلك وتدير 50% من السوق فى مصر، و90% من شبكات التوزيع الداخلى، و60% من وسائل النقل، و80% من الأراضى الزراعية، و65% من النشاط الصناعى، و90% من قطاع السياحة. واستطاعت بعض المؤسسات أن تنطلق بشركاتها من العائلية نحو العالمية مثل عائلة ساويرس التى تحتل المركز ال24 على قائمة أغنياء العرب بثروة تقدر ب4.2 مليار دولار، وفقا لتقرير صادر عام 2011 عن مجلة «أربيان بيزنس».






عائلات صنعت التاريخ
لعب بيزنس العائلات دورا كبيرا فى عصرنة الحياة وتأسيس الاقتصاد المصرى، فمع تدفق هجرة اليهود إلى مصر فى منتصف القرن التاسع عشر للاستفادة من الامتيازات الأجنبية لمع اسم عائلة «سوارس» التى امتدت أذرعها برا وبحرا.
سوارس عائلة سفاردية وفدت من ليفورنو فى إيطاليا ثم استقرت فى مصر حيث أسَّس الإخوة الثلاثة، رافائيل ( 1846 1902 ) ويوسف ( 1837 1900 ) وفيلكس ( 1844 1906 )، مؤسسة «سوارس» عام 1875. وفى عام 1880 قام رافائيل سوارس بالتعاون مع رأس المال الفرنسى ومع عائلتين يهوديتين أخريين، هما رولو وقطاوى، بتأسيس البنك العقارى المصرى. كما تعاون سوارس مع رأس المال البريطانى الذى مثَّله المالى البريطانى اليهودى سير إرنست كاسل بتأسيس البنك الأهلى المصرى عام 1898 وتمويل بناء خزان أسوان. من ناحية أخرى ارتبط اسم العائلة بمشروعات النقل البرى (سوارس لعربات نقل الركاب)، حتى أن وسيلة النقل هذه سميت على اسم العائلة: السوارس. ومع قدوم العديد من الشوام إلى مصر، وضعت البذرة الأولى للصحافة المستقلة حيث أسس الأخوان تقلا جريدة الأهرام التى ظلت تتوارثها الأسرة حتى صدور قانون تأميم الصحافة فى ستينيات القرن الماضى. وفى مجال الفندقة برزت عائلة موصيرى التى أسست شركة فنادق مصر الكبرى برأسمال 145.000 جنيه وضمت فنادق كونتيننتال، مينا هاوس، سافوى، سان ستيفانو. أما محلات «شيكوريل» فقد أسستها عائلة شيكوريل الإيطالية الأصل عام 1887، وترأس مجلس إدارتها مورينو شيكوريل عميد العائلة، وكان رأسمال الشركة 500.000 جنيه. عمل بها 485 موظفا أجنبيا و142 موظفا مصريا. وكان شيكوريل متجرا للأرستقراطية المصرية بما فى ذلك العائلة الملكية وأول نموذج للمتاجر العملاقة ال grand magasin التى بدأت تنتشر فى أوروبا كإحدى سمات الحداثة والأناقة. ولم تتوقف مشروعات الأسر على القطاع المصرفى أو النقل أو التجارة، بل كان لبيزنس العائلات دور فى إضفاء ألوان جديدة على الحياة فى مصر. فعائلة رولو التى جاءت إلى مصر فى منتصف القرن التاسع عشر لعبت دورا فى إدخال صناعة النيلة أو الصباغة. كما اشتهرت عائلات مصرية أخرى بزراعة القطن المتميز، إذا يروى نائب البرلمان الراحل ياسين سراج الدين أن قطن مزارع سراج الدين ذو التيلة الطويلة كان معروفا بجودته فى لانكشير حيث كانت يتم توريده. كما اشتهرت عائلة قطاوى فى مجال تجارة وتصدير الأقطان، وكان يوسف قطاوى باشا صديقا للزعيم سعد زغلول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.