«أسس جمال مبارك شركة فى سلطنة عمان، لتدير شركة فى بنما، واشترت الشركة البنمية عقارا بلندن ثمنه 100 مليون جنيه مصرى، ليسكن فيه جمال، ولكن إذا حاولت أن تعرف من صاحب العقار، فإن الشركة التى تقع فى بنما، جنة الضرائب، لا تسمح بالإفصاح عن هوية ملاك الشركات». هكذا استطاع النجل الأكبر للرئيس السابق تهريب جزء من أمواله للخارج، بحسب ما رصده تقرير مشترك بين منظمة كورنر هاوس البريطانية والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
«ومن بين كل طرق إخراج الأموال المنهوبة من مصر، فضل جمال مبارك استخدام جنات الضرائب لإخراج أمواله»، بحسب ما توصل له نيك هيلديارد، مؤسس كورنر هاوس بعد قضائه شهورا طويلة فى محاولة تتبع أصول نظام مبارك.
ووفقا للتقرير فإن جمال لجأ لتأسيس شركة قبرصية باسم CP Palema، وهى التى أدارت استثماراته فى مصر من خلال سلسلة طويلة من الشركات وصناديق الاستثمار التى يحظى معظمها بسرية بيانات لا تسمح بتعقب مصدر الأموال الاصلى. حيث اسست الشركة القبرصية صندوق استثمار قبرصى، Nakoda، امتلك صندوق استثمار Panworld، فى جزر العذراء البريطانية، والذى امتلك بدوره شركة بوليون القبرصية، التى تمتلك 18% فى صندوق استثمارات المجموعة المالية هيرمس، وعندما تحقق هيرمس أرباحا، فإن هذه الارباح تنتقل إلى قبرص عبر نفس السلسلة، ولكن بالاتجاه المعاكس.
وتحقق هيرمس الأم أرباحا سنوية، وتحول حصة جمال مبارك، البالغة 7% من أرباح الشركة، إلى قبرص وجزر العذراء البريطانية، جنات الضرائب، ولكن كيف يساعد جمال شركاته فى مصر فى تحقيق الارباح؟
«يشترى مستثمر قطعة أرض أو شركة قطاع عام بسعر بخس، ويمول الشراء بنك حكومى بدون ضمانات، ثم يبيع المستثمر الأرض أو الشركة لصندوق استثمار أجنبى يكون للشخصية السياسية حصة فيه، ولكن اسمه لا يظهر على القرض أو الشركة»، تبعا للتقرير، الذى أشار إلى أن جمال مبارك يمتلك شركة ميد انفست، المساهمة فى العديد من الشركات فى مصر، والتى تحول أرباحها للشركة المساهمة سنويا.
وهناك قنوات أخرى لخروج الأموال من مصرفى صورتها السائلة مثل حالة حسين سالم، أضاف التقرير، مشيراً إلى وجود شبهات حول دور المصرف العربى الدولى فى تهريب أموال نظام مبارك، المصرف الذى لم يخضع لرقابة البنك المركزى إلا فى مارس 2012، بعد 14 شهرا من قيام الثورة، «إلا أن هذه القنوات مباشرة وتُستخدم فى الفترات القصيرة وأقل شرعية مقارنة بطريقة جمال».
وعلى الرغم من الجهد الذى بذله هيلديارد فى تتبع أموال مبارك والعائلة، فإنه يرى صعوبة بالغة فى استرداد هذه الأموال، لعدة أسباب أهمها غياب الإرادة السياسية، المصرية والغربية، لاستعادة الأموال، وبراءة رموز نظام مبارك، وسيطرة السلطة التنفيذية على ملف استعادة الأموال، التى تميل للمصالحة مع رموز النظام السابق، هذا بالإضافة لإهمال الحكومات المصرية فى استخدام وسائل الضغط على الحكومات الغربية لإعادة الأموال.
ويرى هيلديارد أن تعاقب أربعة رؤساء وزارة على حكم مصر منذ قيام الثورة، وبالتالى تغيير الجهة المختصة بإدارة ملف استعادة الأموال، أدى للتخبط فى إدارة الملف. ووفا للتقرير، يعد محمد محسوب نموذجا للتخبط الحكومى فى إدارة ملف استعادة الاموال، فقد انتقل من العمل المستقل لإعادة الأموال، والهجوم على حكومة الجنزورى، المنتمى لعصر مبارك، بحجة غياب الإرادة السياسية لاسترداد الأموال، إلى منصب الوزارة المسئولة عن الملف، الذى فشل فى فرض رؤيته لإدارة الملف، واستقال بعدها، لأن الملف ظل بيد اللجنة القضائية المُشكلة من قبل المجلس العسكرى.
ومن العوامل التى تؤثر سلبا على الملف ارتباطه بمحاكمات رجال النظام السابق على فسادهم، فبعد أن أقر قضاء مصر ببراءة رجال مبارك، ضعُف موقف الحكومة المصرية فى استرداد أموال تدعى أنها منهوبة، وهذا لأن فساد عائلة مبارك كان «مُقننا»، عن طريق مجلس شعب مُسيطر عليه من الحزب الوطنى يُصدر تشريعات لا تجعل رجال مبارك فى حاجة لفساد جنائى.
ويذكر التقرير أن أزمة استرداد الأموال المصرية ليست لأسباب قضائية فقط بل لأسباب سياسية أيضا، وهو ما يظهر بوضوح إذا قارنا حالة ليبيا بمصر، حيث قرر الاتحاد الاوروبى تجميد أصول القذافى قبل قراره بتجميد اصول مبارك، رغم سقوط مبارك قبل القذافى بأشهر، وهذا لأن تجميد الأموال تم اعتباره كجزء من استراتيجية الحرب الأوروبية على القذافى، فى حين تلكأت أوروبا فى تجميد أموال مبارك.
وهذا ما يظهر أيضا فى انعدام الضغط البريطانى على جزر العذراء التابعة للتاج البريطانى، والتى لم تفصح عن حسابات عائلة مبارك حتى الآن رغم توقيعها على معاهدات مكافحة الفساد والشفافية والافصاح الدولية، ويرى التقرير أن التجميد الأوروبى يخضع جزئيا للأهواء السياسية.
لذا يوصى التقرير باتجاه الحكومة المصرية لمزيد من العمل الدبلوماسى والإعلامى للضغط على أوروبا وانجلترا بالذات للمساعدة فى حل الازمة، خاصة أن دافيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطانى، لم يعلن عن تعيين فريق عمل لمساعدة المصريين وجمع الأدلة الخاصة بتهريب الأموال، إلا بعد تحقيق مُطول أذاعته البى بى سى فى سبتمبر يتهم الحكومة البريطانية بالفشل فى تجميد أصول مبارك.
ويرى دانيال تيتلو صاحب تحقيق البى بى سى الذى كشف عن تخاذل الحكومة الانجليزية فى ملف الأموال المصرية أن «الانتظار لسبعة وثلاثين يوما بعد تنحى مبارك حتى صدور قرار التجميد، كان قرار سياسى وليس قضائيا، ولا يوجد فى القوانين البريطانية ما يمنع التجميد قبل ذلك»، متوقعا أن اتجاه المجلس العسكرى وحكومة مرسى للتصالح مع رجال الأعمال الفاسدين قد تحرم مصر من استرداد الأموال المنهوبة.